هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عندما انتفض الشعب الإيراني خلال الأيام القليلة الماضية، لم تتردد الحكومة الإيرانية في النهل من قاموس ديكتاتوريات العالم الثالث، واتهمت من خرجوا إلى الشوارع يستنكرون رفع أسعار الوقود بنسبة 300%، (مما سيرفع أسعار معظم السلع الاستهلاكية بنفس النسبة لأن الوقود سلعة استراتيجية تحتاجها بقية السلع كي تكون متداولة)، اتهمت الجماهير الغاضبة بأنهم عملاء لإسرائيل وواشنطن والقوى الرجعية الإقليمية، وإذا كان هذا الثالوث قادرا على تحريك الشارع ضد حكم الملالي، فلابد أن يقال لملالي السلطة في إيران، ما يقوله المصريون لمشجعي فريق كرة القدم الذي تصبح خسارته للمباراة مؤكدة: قاعدين ليه ما تقوموا تروّحوا.
يقولون ما لا يفعلون
إيران بلد غني بالموارد الطبيعية، ومع هذا يعاني أهله من شظف العيش، لأنه يخضع لعقوبات اقتصادية قاسية منذ أربعين سنة، فرضتها واشنطن عليها بعد قيام شباب الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم محمد رضا بهلوي باحتجاز طاقم السفارة الأمريكية في طهران في أواخر عام 1979 لـ 444 يوما متصلة، وظلت الحكومة الإيرانية طوال هذه المدة تصف واشنطن بأنها الشيطان الأكبر وتهدد بمسح إسرائيل من الأطلس، ومع هذا قبلت بصفقة سلاح أمريكي يتم تسليمها لها بواسطة إسرائيل، فيما بات يعرف بفضيحة إيران ـ غيت.
ولأن الكلام ببلاش، فقد ظل ملالي إيران يقولون ما لا يفعلون، وما لا قدرة لهم على تنزيله إلى أرض الواقع، ويوزعون التهديدات بسخاء في كل الاتجاهات، حتى لم يعد لبلادهم حبيب في المجتمع الدولي، فلأن ثورة عام 1979 الإيرانية بهرت العالم ونالت الاستحسان والإعجاب الجماهيري في الدول المسلمة، وأرعبت العديد من الطواويس في الشرق الأوسط، فقد حسب الملالي أن الثورة بصيغتها الإيرانية سلعة قابلة للترويج والتصدير والنجاح، فتصبح طهران مركز الكون، و"أم قرى" العالم الإسلامي، فيحج إليها المسلمون أفواجا ضاربين أكباد البوينغ والإيرباص.
تشييع السنة
ولو عذرنا الملالي على إخفاقاتهم وسوء تقديرهم للأمور في سنوات الثورة الأولى، التي لم يكونوا فيها على أي قدر من الدراية بشؤون الحكم، فما بالهم يمارسون الطوباوية ويحلمون بأن يخضعوا أغلبية السكان في اليمن ولبنان لحكم الولي الفقيه؟ لماذا ينفقون الملايين لتشييع مسلمين سنيين؟
تاريخيا لم يكن في السودان شيعي واحد منذ دخول الإسلام وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، ولكن ملالي إيران انتهزوا سانحة أن نظام الرئيس عمر البشير صار منبوذا مثلهم، فقدموا لهم المعونات، ثم صبوا الملايين في خمسة وعشرين مركز ثقافي يتبع لهم، تولت بدورها صب مئات الآلاف لمن يتحولون للمذهب الشيعي، وباع العشرات من أهل السودان ضمائرهم وتشيعوا، ثم انقلب البشير على إيران وقطع العلاقات معها بإيعاز من الشيطان الأكبر (واشنطن) وصار من تشيعوا بالدولار فص ملح وداب.
ما يفوت على ملالي إيران هو أن نظام الحكم الذي يديرونه ديكتاتوري حتى النخاع، فطالما الولي الفقيه، سواء كان اسمه الخميني أو خامنئي يعامل كـ "معصوم"، ويتمتع بحق الفيتو على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإن البرلمان الذي يتم اختيار نوابه بحرية نسبية مجرد ديكور، وقد يقرر أمرا بأغلبية ساحقة، ولكن صوت الولي الفقيه يلغيه ويصبح الإلغاء نافذا.
على ملالي إيران أن يدركوا أن الهبات الشعبية المتكررة في بلادهم ساخطة على نهجهم الديكتاتوري، وأنه ما لم يغيروا "أساليبهم" جذريا، فسيلحقون بالشاه طال الزمن أم قصر.