هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأكاديمي روبرت زارتسكي، يقول فيه إن الجزائر تواجه المجهول، مشيرا إلى أن فشل الانتخابات سيكون نجاحا ديمقراطيا.
ويبدأ زارتسكي مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالتساؤل قائلا: "ماذا لو أجريت الانتخابات ولم يصوت أحد؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الجزائر اليوم، حيث حددت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد القادر بن صالح انتخابات رئاسية في 12 كانون الأول/ ديسمبر".
ويستدرك الكاتب قائلا إن "هناك مخاطرة بأن تنتهي هذه الانتخابات تجربة فاشلة: فقد رفضت تقريبا المنظمات السياسية والمدنية في الجزائر جميعها الموافقة على المرشحين الرسميين الخمسة، ودعوا الجزائريين إلى عدم التصويت، والمفارقة هي أن فشل هذه الانتخابات سيشكل نقطة بداية لنجاح الطموحات الديمقراطية في البلد، كما عبر عنها الحراك الذي ساد المشهد السياسي منذ شباط/ فبراير".
ويشير زارتسكي إلى أن "من بين حركات الاحتجاج التي اشتعلت في أنحاء العالم فإن هذا الحراك يقف متميزا، بمثابرة الاحتجاجات في هونغ كونغ ذاتها لكن الحراك يبقى سلميا بحزم، وبإصرار الانفصاليين الكتالونيين في دعوتهم للاستقلال ذاته، لكن الحراك يبقى مصرا على الدولة الجزائرية، وبمقاومة ذوي الستر الصفراء الذين يرفضون تنصيب قادة ذاتها، لكن الحراك يقبل ضرورة التحالفات السياسية والتنظيم، ويعتمد مستقبل الجزائر الآن على مقدرة الحراك في الحفاظ على هذه التوترات، في الوقت الذي يدير تحول البلد إلى الديمقراطية".
ويقول الباحث إنه "بالنسبة لملايين الجزائريين الذين ملأوا الشوارع في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، فإنه كانت لهذا التاريخ أهمية معنوية، فوقع في الذكرى 65 للانطلاقة الرسمية لثورة التحرير الجزائرية، لكن حيث كانت فرنسا هي الظالم قبل 65 عاما، أصبح يؤدي هذا الدور اليوم le pouvoir أو القوة، وهو الاسم الذي يطلقه الجزائريون على مصالح الجيش الصناعية التي حكمت الجزائر على مدى نصف القرن الماضي، مع الدولة وأجهزتها الأمنية".
ويجد زارتسكي أن "أهمية هذه الذكرى كانت أكبر من أن يتم تجاهلها، وقد ردد أكثر من مليون شخص أهازيج تتعلق بالاستقلال، ومن بين هتافاتهم (الجزائر تستعيد استقلالها) و(الشعب يطالب باستقلاله)، وحملوا لافتات تقول (جيل الثورة حرر الأرض وجيل الحراك يحرر الأمة)، و(الأمة في خطر: معركة الجزائر مستمرة)، فيما قال أحد المشاركين: (لقد حارب أسلافنا الفرنسيين لتحقيق الاستقلال، ونحن نحارب المافيا التي صادرت ذلك الاستقلال)".
ويلفت الكاتب إلى أن "هذه المعركة بدأت في 22 شباط/ فبراير 2019، عندما انطلق ملايين الجزائريين إلى الشوارع والميادين للتظاهر ضد الإعلان بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيترشح لدورة خامسة في الرئاسة، وهذا الانفجار الشعبي لم يفاجئ فقط الأجهزة الأمنية، لكن أيضا الدوائر الفكرية التي باتت مقتنعة بأن الجزائريين استسلموا لأمرهم الواقع، فكتب الروائي كامل داود: (لم يعد هناك مواطنون في الجزائر، لكن هناك مؤمنين فقط)، في الوقت الذي كتب فيه زميله الكاتب بوعلام صنصال بأنه (مثل الغاز، الإسلام يغطي الجزائر كلها)".
وينوه زارتسكي إلى أن محمد سيفاوي كتب في كتاب تحت عنوان إلى أين تسير الجزائر؟ "إلى لا مكان"، حيث خلص إلى أنه عدا عن عدد قليل من الحالمين بالمثالية، فإن "المواطنين لا يحاولون حتى التفاعل مع السياسة"، مستدركا بأنه لسوء حظ الكاتب فإن هذا الكتاب نشر في 21 شباط/ فبراير، عشية أول احتجاج جماهيري.
ويقول الباحث إنه "قبل عشرين سنة بدا انتخاب بوتفليقة نعمة، فالرئيس الجديد لم يتحد النظام الصناعي العسكري، لكن خلفيته المدنية طمأنت المجتمع المدني، ومن خلال التوسط في قانون عفو استطاع بوتفليقة أن ينهي (عقدا أسود) من الحرب الوحشية بين الدولة والثوار الإسلاميين، تسببت بمقتل 200 ألف مدني ومقاتل، واستفاد بوتفليقة من الصدمة التي تركتها الحرب، حيث جعلت الجزائريين يترددون في رفض التسوية السياسية التي فرضت السلام، وذلك التردد استمر حتى أواخر هذا العقد، ففي عام 2014 تمت إعادة انتخاب بوتفليقة بعد أن أصيب بسكتة دماغية عميقة، وكما يتذكر أحد الجزائريين فإنه كان (ميتا حيا)، لكن الجزائريين كانوا (لا يزالون يتذكرون صدمة الحرب الأهلية.. وكلنا كنا خائفين من عيش تلك الفترة ثانية)".
ويستدرك زارتسكي بأنه "مع حلول عام 2019 أصبح وجود بوتفليقة تحديا، فالاقتصاد المترنح مع الفساد المستشري عمقا الهوة بين الشعب والدولة، بالإضافة إلى أن ترشحه لم ينتهك الدستور فقط -حيث فرض قانون تم تمريره عام 2016 بدورتين في الرئاسة- لكنه انتهك أيضا القواعد الأخلاقية، فمنذ السكتة الدماغية التي مر بها قام باستخدام كرسي متحرك، وكان غير قادر على الحركة والكلام دون مساعدة، وأصبح جسده المرتخي ونظراته الميتة علامة على فساد الدولة، ولم يعد يستطع أن يفعل شيئا سوى مكافأة النخبة في الوقت الذي يقمع فيه البقية، وهذا الوضع الغريب ألهم صناعة النكات المرة، مثل (حتى السرطان له أربع مراحل) و(بوتفليقة يعد بأنه سيموت إن فاز بدورة خامسة)".
ويفيد الكاتب بأن "المتظاهرين حافظوا على الضغط على النظام خلال شتاء وبدايات ربيع 2019، متحدين التهديدات والتحذيرات من الحكومة، وملأوا الشوارع بهتافات (عشرون عاما تكفي)، واختار الجيش في أواخر آذار/ مارس أن يقدر بأن المقصود هو بوتفليقة فقط، فأعلن رئيس الأركان أحمد قايد صالح أن بوتفليقة في حالة صحية (منهكة) لا تجعله مؤهلا للترشح لدورة رئاسية خامسة، وبعد إبعاد كفيله السابق عن خشبة المسرح السياسي قام صالح باستبداله بابن صالح، وفي الوقت ذاته قام باعتقال بعض الوزراء والمسؤولين السابقين المرتبطين ببوتفليقة، وأهمهم أخوه سعيد بوتفليقة، الذي تم توجيه التهمة له بالفساد المالي والتآمر السياسي، وأشار العالم السياسي لويس مارتينز إلى أن الهدف خلف تلك الاعتقالات كان واضحا، وهو أن صالح سيطيح بمسؤولين ليعطي الانطباع بأن هناك تغييرا سياسيا".
ويبين زارتسكي أنه "بعد هذا التنظيف الرمزي للبيت حاول النظام المضي قدما في خطة إجراء انتخابات، لكن المعارضة رفضت الانتخابات لكونها ليست أقل رمزية من عملية التطهير، ورفضت طرح مرشحين، وأصبح المتظاهرون يهتفون في المظاهرات (لن تكون هناك انتخابات)، وفي الوقت ذاته قام المجتمع المدني، بما في ذلك اتحادات المحامين والقضاة وأساتذة الجامعات والطلاب، بتنظيم إضرابات، وأصروا على أن الجنرالات والحكام الانتقاليين هم المشكلة لما حاولوا التظاهر بأنه الحل، وكما قال الصحافي الجزائري أكرم بلقايد، فإن الاعتقالات (كانت تنازلات وليست إصلاحات، إنه تحرك كلاسيكي: لأجل البقاء في السلطة فإن النظام يضحي بجزء منه)".
ويشير الباحث إل أن "المتظاهرين طالبوا بتنحي صالح والسماح للحكومة الانتقالية بتسلم عملها، ومع منتصف حزيران/ يونيو قدم تحالف مؤلف من 70 منظمة سياسية ومهنية، تدعي تمثيل المجتمع المدني، خطة مفصلة للتحول إلى نظام ديمقراطي شفاف في الجزائر، فيما يصر نائب رئيس فرع الجزائر لرابطة حقوق الإنسان سعيد صالحي، على أن اتباع هذه الخطة المؤلفة من أربع خطوات (سيشكل قطعا مع النظام الذي يناور الآن ويتلاعب في الرأي العام ليبقى في السلطة)".
ويرى زارتسكي أنه "في الوقت الذي أثبت فيه الجيش أنه بعناد المتظاهرين ذاته، إلا أنه أثبت أيضا أنه متردد، فرفض صالح أن يتراجع في وجه مطالب الحراك، وقام بدلا من ذلك باعتقالات لعدد من قيادات الإضراب، ومنع عرض علم البربر، لكنه تجنب في الوقت ذاته المواجهة المفتوحة مع المتظاهرين، وحتى أنه كان مترددا في استخدام خراطيم المياه لتفريقهم، ما جعل المتظاهرين يطالبون بالشامبو في هذه المناسبات".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "الآن يصر صالح على الانتخابات، وأكد في أواسط أيلول/ سبتمبر إصرار النظام على أن (تجرى الانتخابات في التاريخ المحدد)، وكلما اقترب موعد الانتخابات زاد وجود النظام في الشوارع، حيث تقوم الشرطة باعتقال واحتجاز المزيد من المتظاهرين، والمستقبل مليء بالغموض، وبالنسبة لداود فإن هذا الغموض مرحب به، وقد علق لأول مرة في مقابلة معه، قائلا إن للجزائريين (الحق في الغموض، فعلى مدى الخمسين سنة الماضية كنا نعلم من سيكون رئيسنا، بالإضافة إلى مستوى المشاركة ونسب التصويت، ولأول مرة لم تتم كتابة شيء مقدما)".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)