هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة نوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، مقال رأي للكاتب بيير حسكي، سلّط فيه الضوء على مدى جرأة الحركة الاحتجاجية في لبنان التي اتخذت مسارا سلميا منذ انطلاقها.
وقال الكاتب في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن حركة الاحتجاج اللبنانية تعالج جميع مشاكل العالم من التفاوتات إلى الفساد وعدم فعالية الإدارة العامة وغياب الدولة الوظيفية والانقسامات الطائفية.
يحاول لبنان، الذي تبلغ مساحته 10452 كيلومترا مربعا فقط، حل جميع مشاكل العالم. منذ أكثر من شهر، يتظاهر مئات آلاف اللبنانيين ويرقصون ويغنون ويقاومون، بطريقة سلمية ومرحة، لطلب المستحيل. في المقابل، لا يمكن استبعاد فكرة أنهم قد يحققون مطامحهم.
يتمثل أول فضل لوحدة اللبنانيين في إغلاق الصفحة المؤلمة للحرب الأهلية التي دمرت العاصمة بيروت في الفترة التي امتدت بين 1975 و1990.
انتهت الحرب الأهلية بمجرد شعور أبطالها بالضجر وتراجع المخاطر الدولية والتوصل إلى تسوية. أرسى زعماء الحرب السلام، الذين بعد أن تقاتلوا فيما بينهم تقاسموا "الكعكة" على حساب البلد وسكانه.
وعلى إثر تخلّص المتظاهرين من خوفهم من استئناف الأعمال القتالية، يطالبون اليوم بوقف استغلال البلاد بشكل منتظم.
أما فضل الانتفاضة الثاني، فيتمثل في تجاوز الانقسامات الطائفية التي تسمم الشرق الأدنى ومناطق غيره.
اقرأ أيضا : تصاعد الاحتجاجات أمام مؤسسات لبنان والإضرابات تتسع (شاهد)
ويعد سماع المتظاهرين اللبنانيين، بعد سنوات من الانقسام بين السنة والشيعة، واضطهاد الأقليات، والخلافة المتشددة، وهو يرفعون شعار "جميعهم يعني جميعهم!" مؤشرا إيجابيا.
كما أنهم يعتزمون تجاوز نظام سياسي قائم على الشيوعية الطائفية. بالتأكيد، لن يقع محو قرون من الانقسامات دفعة واحدة. لكن، وبفضل هذه المظاهرات، ظهرت صورة مواطن "لبناني جديد"؛ شاب ومتصل بمواقع التواصل الاجتماعي ويرغب في الخروج من السجن العقلي الطائفي.
غياب الدولة إلى حد مثير للسخرية
بيّن الكاتب أنه في ما يتعلق بالفضل الثالث للحركة اللبنانية، فيتمحور حول ترديدها صدى قادما من جميع أنحاء العالم يعلن رفض التفاوتات التي أصبحت لا تطاق، وعدم فعالية الإدارة العامة، وغياب الدولة الوظيفية، والفساد الذي مسّ كل القطاعات.
تغيب الدولة في لبنان إلى حد مثير للسخرية. منذ أربع سنوات، كانت "أزمة القمامة"، الناتجة عن عجز السلطات العامة عن إدارة الفضلات في العاصمة، أول علامة تُنذر بما يحدث اليوم، إذ تعيش البلاد على وقع استياء شعب ذكي وناضج يستحق أفضل من رئيس يطلب منه الهجرة إذا لم يكن راضيا بأوضاع بلاده.
وحده الجيش اللبناني الذي لم يتأثر بالاحتجاج إلى الآن، الأمر الذي من شأنه منحه دورا خاصا في المستقبل القريب.
تعتبر محاولة معالجة كل مشاكل العالم، السياسية، والاجتماعية والأخرى المتعلقة بالهوية، حين نعيش في منطقة تعد مثل بركان ثائر، نتيجة وعي أو جرأة غير محدودة. ربما يمتلك اللبنانيون القليل من الصفتين، على الرغم من عدم جهلهم بقيود العالم الواقعي.
لا يقبل جزء من الطبقة السياسية القديمة أن تقع تنحيته جانبا دون المقاومة. لكن ماذا عن حزب الله و"عرابه" إيران، اللذين استثمرا الكثير للاستفادة من لبنان جيوسياسيا، الذي يمثل الدولة الحدودية بين إسرائيل وسوريا، والحد الغربي "للهلال الشيعي"؟ قد تشكل صعوبات إيران، التي تتراوح بين العقوبات والثورات، عبئا ثقيلا على الخيارات القادمة.
وفي الختام، تطرق الكاتب إلى أن لبنان يعد على شفا الإفلاس. سوف يحتاج إلى دعم دولي عندما يحين الوقت لذلك.
كما أنه يعتبر البلد الوحيد الذي ما زال لفرنسا وزن فيه، وإن كان بسيطا، حيث تتحمل هذه الدولة الأوروبية نوعا من المسؤولية في السير المؤسسي للتوازن الطائفي.
يمكنها اليوم، دون التدخل في شؤونه الخاصة، تسهيل مخاض "لبنان جديد" من خلال المساعدة على حمايته من التوترات المختلفة أشكالها التي ستحدث دون أدنى شك.