طرأت انشطارات على جسم
حزب المؤتمر اليمني، الذي أسسه الرئيس الراحل
علي عبد الله صالح، بعد مرور عامين
على اغتياله، بيد الحوثيين، والحرب التي تشهدها البلاد بين التحالف العربي بقيادة
السعودية من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى.
ومنذ تأسيسه على يد
صالح عام 1982، حكم حزب المؤتمر اليمن، وظاهريًا فإنه لا يزال يحكمه، كون الرئيس
اليمني الحالي، عبد ربه منصور هادي، يعد نفسه رئيس الحزب، لكن عمليًا فإن الحزب لم
يعد حاضرًا في الحياة السياسية.
فحزب المؤتمر اقترن
بشخصية وحضور صالح، وترافقت سنوات مجده مع تأسيسه كحزب حاكم حتى تنحي صالح عن
الحكم، في 2012، على وقع انتفاضة شعبية اندلعت في العام السابق، وبعدها بدأ خريف
الحزب.
بداية الانهيار
بدأ تراجع الحزب مع
تخلي العشرات من المسؤولين الحكوميين والعسكريين عن صالح وحزبه، والانضمام إلى
الانتفاضة الشعبية المناهضة له.
وفي نهاية 2011 كان
الحزب خسر عددًا كبيرًا من الأسماء الوازنة في الحياتين المدنية والعسكرية، غير
أنه كان لا يزال متماسكًا.
هزة أخرى تعرض لها
الحزب بعد أن قضى اتفاق، رعته دول الخليج (المبادرة الخليجية) لإنهاء احتجاجات
اليمن، بتولي أحزاب المعارضة نصف حقائب الحكومة، بينها رئاسة الحكومة ووزارات
سيادية.
كانت تلك واحدة من
اللحظات المستحيلة للحزب ورئيسه، وهو يرى نصف الحقائب الوزارية بأيدي خصومه
السياسيين، ما دفع صالح وحزبه إلى لعب دور المعارضة، رغم أن رئيس اليمن، وفق
المبادرة الخليجية، كان هادي، الذي يشغل منصب نائب رئيس الحزب وأمينه العام، وكان
قبل ذلك نائبًا لصالح منذ 1997.
تسببت معارضة حزب
المؤتمر وافتعاله لأزمات بتوسع الأزمة بين صالح والرئيس هادي، ليعلن الأول إقالة
الثاني من مناصبه بالحزب، في تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، بعد شهرين فقط من سيطرة
قوات الحوثيين، المدعومة من إيران، على العاصمة صنعاء.
لكن هادي أعلن رفضه
للقرار، ونَصَّبَ نفسه رئيسًا للحزب لتنضم إليه قيادات تاريخية كبيرة، مثل رئيس
الحكومة الأسبق، عبد الكريم الإرياني. وحينها أصبح حزب المؤتمر حزبين.
تحالف مع الحوثيين
في آذار/ مارس 2015،
بدأ تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعمًا للقوات
الموالية للحكومة، بهدف دعم الحكومة الشرعية، وإسقاط انقلاب الحوثيين، واستعادة
الدولة اليمنية، وفق التحالف.
عندها، أعلن صالح
تحالفه الصريح مع الحوثيين، في تتويج لتحالف خفي مع الجماعة مهد لها السيطرة على
محافظات يمنية، بينها العاصمة.
وبينما كان هادي يستقر
في العاصمة السعودية، بدأت حركة نزوح لقادة بارزين في حزب المؤتمر إلى الرياض،
وبينهم رئيس الحكومة السابق، أحمد عبيد بن دغر، الذي كان يشغل الأمين العام
المساعد لحزب صالح، ورئيس البرلمان الحالي، سلطان البركاني، الذي لجأ إلى القاهرة
منعزلاً عن الجميع، قبل أن يتجه إلى الرياض.
رغم الانقسام الكبير
إلا أن صالح حافظ على حضوره الشعبي، لكن تحركاته بعد عامين من التحالف مع
الحوثيين، لم تعجب حلفاءه، وبدأ الصدام الأول مع تنظيم الحزب احتفالًا كبيرًا في
ميدان السبعين، وسط صنعاء، في 25 آب/ أغسطس 2017.
وسط أنباء عن تقارب
بين صالح والتحالف العربي، أغضب الحشد الكبير حلفاء صالح الحوثيين، ولذا عمدوا إلى
استفزازه هو وأنصاره، فبدأت حرب إعلامية، ثم تفجرت مواجهات عنيفة بين قوات الطرفين، نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر من العام نفسه.
وخلال أربعة أيام كان
صالح، الذي وصف نفسه بالراقص على رؤوس الثعابين، يُقتل بلدغة من حلفائه، في 4 كانون
أول/ ديسمبر 2017.
بعدها، تعرض حزب
المؤتمر وكوادره لحملة اجتثاث من صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبينما
تمكن قادة من النجاة بأنفسهم جرى اعتقال آخرين، فيما كان فريق ثالث يدين بالولاء للحوثيين،
بينهم الأمين المساعد للحزب، فيصل أبو راس، الذي أعلن بعد أيام إطلاق عمل الحزب من
صنعاء، والتحالف مع الحوثيين.
نسختان في المهجر
وفي القاهرة، أعلن عدد
من القيادات إعادة تشكيل حزب المؤتمر، مطلقين قناة "اليمن اليوم"،
متحدثة باسم الحزب، ومعلنين أنهم الورثة الشرعيون لصالح، كون نسخة صنعاء مسيطرا عليها من الحوثيين.
أعلنت تلك القيادات
معاداتها للحوثيين، ودعت إلى تنفيذ ما أسمتها "وصايا صالح"، التي تحدث
عنها في آخر خطاب قبل مقتله، ومنها مواجهة الحوثيين.
لكن الحضور الشعبي كان
يرى في نجل صالح، المقيم في الإمارات، العميد أحمد علي، الوريث الشرعي لقيادة
الحزب.
ورغم التزامه الصمت
إلا إن الأضواء كانت موجهة صوب تحركات "علي"، كونه الوريث الشرعي لصالح،
خاصة أنه يحظى بدعم من الإمارات.
انشطار الحزب
تسبب انشطار الحزب إلى
أربع نسخ (في اليمن، الرياض، أبوظبي والقاهرة) في إذكاء مطامع كل طرف للسيطرة
عليه، إلا أن الحزب، الذي حكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود، كان قد ذهب دون رجعة،
وتفتت قاعدته الجماهيرية بين الحوثيين ومصاعب الحياة.
وفق مصدر في الحزب
مقيم بالرياض، فإن هادي حاول مرارًا السيطرة على الحزب، لكنه فشل، وكانت النسخة
الموالية له مهددة بالانقسام بينه وبين رئيس الحكومة السابق، أحمد بن دغر، حيث
"كنا سنشهد نسخة خامسة".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم
نشر اسمه، للأناضول، أن "ما يجمع قيادات المؤتمر الآن في الرياض هي فقط
المصالح والمناصب التي يوزعها الرئيس هادي، لضمان الولاء له".
لكن عضو الأمانة
العامة للحزب، عادل الشجاع، قال للأناضول إن "المؤتمر لم ينقسم ولم يدع أحد
أنه أصبح كيانًا جديدًا، ولدى المؤتمر قيادة واحدة تفرقت بها السبل بسبب التنكيل
الذي تقوم به عصابة الحوثي الإرهابية".
وتابع: "بعض
القيادات بقيت في الداخل وتخضع للحوثيين وقرارها مُصادر من الجماعة، وهناك قيادات
موجودة في الخارج تختلف في وجهة النظر حول كيفية التعامل مع الوضع الراهن".
وعزا ذلك إلى أن
"بعض القيادات قيدت نفسها بقرار الداخل، وأغفلت العوامل المحيطة بالداخل،
بينما يقترح البعض قيادة جماعية لمن هم في الخارج للتخفيف عن الداخل.. هذا الخلاف
في الرؤية ليس خلافًا على الحزب".
وختم
"الشجاع" بأن "الحزب لم يمت، قواعد المؤتمر مازالت متماسكة، وتعلن
عن انتمائها للحزب.. وقيادات الحزب (لم يسمها) تعقد مشاورات لتنظيم لقاء موسع للقيادات
الموجودة في الرياض وأبو ظبي، وسيكون قريبًا".
ويبدو أن الوضع الراهن
لحزب المؤتمر ربما يستمر طويًلا، ففي غياب حسم عسكري، تتعثر جهود الأمم المتحدة
للتوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، والتي سقط فيها سبعون ألف
شخص بين قتيل وجريح، بحسب منظمة الصحة العالمية، الشهر الماضي.