هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال ألبير كامي: "بين أمي وبين العدالة أنا اختار أمي".. أمَّا أنا فأختار العدالة، لأن فيها حياتي وحياة أمي وحياة الناس.
* * *
أتوقف وإياكم عند هذه الواقعة: "صدرت في إسرائيل ثلاثة أحكام بعقوبات على ثلاثة أشخاص في ثلاث حالات: الأولى: قَتَل فيها جنديٌّ فتى فلسطينياً في الخامسة عشرة من عمره، اسمه عثمان رامي حلّس، قتلاً مُتَعَمَّداً، من دون أن يحمل الفتي أي سلاح، أو أن يستفز الجندي، أو يسبب له أذى، أو يعرضه لخطر.. وقتلَه الجندي مِن دون أوامر ولم يكن في وضع "جندي تحت التهديد" كما "يُسمح بالقتل" في دولة العنصرية والاحتلال.
والثانية حالة جنديٍّ وضَعَ في ثلاجَته الخاصة المُخصصة للَّبَن، بعض قطع من اللحم. والثالثة حالة مدني يهودي هاجم زوجته للمرة الرابعة، ولم يُذكَر بدقة هل ضربها أم لا.
وفي الحالات الثلاث حُكِمَ على كل مِنَ الأشخاص الثلاثة بعقوبة "شهر خدمة مدنية".. فهل يعقل أن تتساوى الأحكام في هذه الحالات الثلاث وتكون" شهرَ خدمةٍ مدنية"؟!.
طبيعة الصهيونية
لا تعجبوا ففي فلسطين المُحتلَّة يُكافأ الجندي والمُستوطن والإرهابي المتطرف الذي يقتل فلسطينيين أو يحرقهم أحياء وهم نيام في بيوتهم، أو يستولي على أرضهم، أو يتلف أشجار زيتونهم ويمنعهم من جني محصولها، أو يحصدهم بالرصاص في صلاة الفجر وهم ركَّع سجود "مثل باروخ غولدشتاين".. ونادراً ما يُحكَمُ عليه.. وإذا ما حُكم عليه بحكم رمزي تقوم الدنيا ولا تقعد.. والفلسطيني في هذا الوضع هو هدف القتلة، فهو قيد الإبادة وفق المخطط الصهيوني لإلغاء وجود شعب، وليس له في الكيان العنصري الصهيوني وضع الإنسان ذي الحقوق..
يزداد عجبنا حين نقف على حقيقة سياسات وممارسات وتصرفات الثنائي "ترامب ـ نتنياهو" اللافتة للنظر، الخارقة للقانون، الخارجة عن المألوف، الموغِلَة في العدوان والعنجهية، الصادمة للأخلاقيين والمنطقيين والمعتدلين من السياسيين
موقف مُستغرب
ولا يكف الرئيس ترامب المغرم بالصهيونية والعنصرية عن تأييد المطالب "الإسرائيلية"، وشَرْعَنة التوسع والاستيطان، واعتبار قتل الفلسطينيين وسلبهم أرضهم وحقوقهم، وتنفيذ مخطط إبادة معنوي ومادي مستمر ضدهم.. بعضَ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"؟!
إن من حقنا أن نعجب مما يجري في عالمنا من دعم شامل للاحتلال والاستيطان والعدوان، واعتبار "اللاصهيونية لا سامية؟! ونستنكره"، وكلتاهما صناعة عنصرية ومخالب صهيونية دامية، وأن نستهجن تبني ذلك من دول تحارب العنصرية، ونضيق بعالمنا وبما يجري فيه حتى لنكاد نتنكر له نظراً لما فيه من طغيان القوة ودعم الطغيان والإجرام والاستثمار في الدم والقتل والإرهاب..
من حقنا أن نعجب مما يجري في عالمنا من دعم شامل للاحتلال والاستيطان والعدوان، واعتبار "اللاصهيونية لا سامية؟! ونستنكره"، وكلتاهما صناعة عنصرية ومخالب صهيونية دامية،
لسنا وحدنا
لسنا وحدنا، نحن المستهدفين من العنصرييين الصهاينة وحلفائهم، مَن يستنكر هذه السياسات والأفعال والأقوال والجرائم، ويدينها.. مئات الملايين من البشر في كل أنحاء العالم يستنكرونها ويدينونها، وبين أولئك يهود يرفضون الصهيونية لعنصريتها، و"إسرائيليون" يرفضون ممارسة دولتهم للعنصرية والإجرام.. وعندي أن القرار 3379 ما زال هو القرار الأصوب من بين ما اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالعنصرية الصهيونية تضاعفت أضعافاً، ويشهد شهود من أهلها.. فعندما كان القنص الصهيوني يستهدف غزة ويقتل أطفالها وشبابها ونساءها بعنصرية، قال يهودي إسرائيلي: "سجلوا: أنا أوري أفنيري، رقمي العسكري 44410، أرسل بهذا طلاق قطعي للقناصة الذين يقتلون متظاهرين غير مسلحين على طول حدود قطاع غزة، لهم ولقادتهم الذين يصدرون لهم الأوامر من الضابط الصغير وحتى رئيس الأركان. نحن لا ننتمي إلى نفس الجيش. نحن لا ننتمي إلى نفس الدولة.. نحن بالكاد ننتمي إلى نفس الجنس البشري."..
وفي نهاية ما كتبه الصحفي اليهودي ـ الإسرائيلي "كوبي نيف" الذي نشر مقالة في هآرتس بتاريخ 10 كانون أول (ديسمبر) الجاري ذكر فيها الأحكام التي صدرت وأشرت إليها، قال: "هل أنتم مستعدون للعيش في دولة فيها عقوبة القتل المتعمّد، وحيازة قطع من اللحم في ثلاجة للألبان، وضرب زوجة للمرة الرابعة.. هي نفس العقوبة؟! ما العمل، هذه بالضبط هي الدولة التي تعيشون فيها"..
نعم هذه هي "الدولة العنصرية" التي تحتل فلسطين، وتلاحق الفلسطينيين بمسلسل الإبادة المادية والمعنوية منذ أكثر من سبعين عاماً تحت نظر العالم وسمعه.. إنها "الدولة العنصرية" التي يدينها تاريخها، ويدينها ويدين مَن يدعمُها شعبُنا الضحية المنسية الذي ينطبق عليه ما قاله اليهودي "يارون لندن" عن "اليهود والنازيين" في مقال افتتاحي نشره في يديعوت بتاريخ 11 نيسان (أبريل) 2018 تحت عنوان "ذاكرة العالم القصيرة هي كارثتنا".. نعم ذاكرة العالم القصيرة، وذاكرة الكثيرين منا نحن العرب، هي كارثتنا.