هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية، تقريرا تحدثت فيه عن المنطقة الأكثر تشاؤما في العالم، ولفتت إلى الأسباب التي أكسبتها هذه الصفة.
وذكرت الشبكة أن "بلدة بولانكا
الفلندنية اشتهرت بالأخبار والمشاعر السلبية، فقرر سكانها التكيف مع ذلك الوضع،
حتى أصبحت أشهر البلدات تشاؤما في فنلندا"، مشيرا إلى أن هناك لافتات صفراء
كبيرة منتشرة على جانب الطريق المؤدي إلى البلدة الصغيرة الواقعة في وسط فلندا.
ونوهت إلى أن "هذه اللافتات
مبهجة إلى أن يقرأ الزائر عبارات مكتوبة عليها مثل: هل ضللت الطريق؟ إنها بولانكا،
وأخرى مكتوب عليها: بولانكا تقترب، ما زال بالإمكان العودة".
سبب الصفة
ونقلت الشبكة عن المدير التنفيذي
لرابطة بولانكا للمتشائمين تومي رايالا (41 عاما)، تعليقه على اللافتات بالقول:
"يحلم البعض كثيرا كل يوم بالاصطدام بتلك اللافتات والتخلص منها"، بيد
أن بولانكا حولت التشاؤم إلى علامة مميزة لها.
وتابعت "بي بي سي":
"بل أصبحت تستضيف مهرجانا للتشاؤم، وحفلا موسيقيا له، فضلا عن تدشين متجر على
الإنترنت، وجميعها يقدم فكرة التشاؤم بصورة مرحة، وتظهر مقاطع فيديو البلدة في
أبهى حلل التشاؤم، ويتابع مئات الآلاف تلك الفيديوهات على الإنترنت".
اقرأ أيضا: صحيفة: امتلاك أصدقاء مخلصين في العمل أفضل نعم الحياة
ويقول هاري بيلتولا عمدة البلدة إن
بقية الفنلنديين عندما يعرفون مسقط رأسه يتحدثون عن التشاؤم، ويؤكد رايالا قائلا:
"يستحضر كثيرون اليوم التشاؤم عند الحديث عن بولانكا".
وحول سبب تبني صفة التشاؤم من هذه
البلدة الريفية الصغيرة في فنلندا، أوضحت الشبكة أنه "ذاع صيت بولانكا السيء
بسبب التغير السكاني وما صاحبه من تغطية إعلامية غير مشجعة"، مبينة أن
"معدل المواليد في فنلندا، يسجل تراجعا يوازيه زيادة في معدل كبار السن بين
السكان، وهو وضع يعد الأسوأ بين جيرانها من دول الشمال مثل السويد".
ويتنبأ أحدث تقرير صدر من هيئة
الإحصاءات الفنلندية أن يبدأ تراجع تعداد سكان البلاد بحلول عام 2031، الأمر الذي
يزيد مخاوف بشأن تأثير ذلك على أنظمة الرعاية الاجتماعية والصحية.
وكانت بلديات مثل بولانكا الأكثر
تضررا، ويصف رايالا بولانكا بأنها "بلدية نائية أكثر من غيرها من بلديات
فنلندا في إقليم هو أكثر الأقاليم النائية بالبلاد".
ويبلغ عدد سكان البلدة نحو 2600 شخص،
أكثر من 37 بالمئة منهم تزيد أعمارهم على 64 عاما، وتراجع سكان البلدة بنحو النصف
منذ ثمانينيات القرن الماضي، في الوقت الذي تواصل فيه المراكز الحضرية الأكبر في
اجتذاب بقية شباب البلدة.
التغير السكاني
ويقول تيمو آرو، خبير علم السكان في
فنلندا، إن التغير السكاني يؤدي إلى بروز فئة رابحة وأخرى خاسرة، وتعد بولانكا من
بين الفئات الخاسرة، مضيفا أن "الوضع في بولانكا سيء من كل النواحي مهما
حاولت النظر إليه بشكل إيجابي".
يتذكر رايالا فترة في مطلع الألفية
دأبت فيها وسائل الإعلام على ذكر بولانكا بالسوء، ويقول إن الحركة التشاؤمية برزت
على السطح بسبب الاستشهاد الدائم بالبلدة بوصفها النموذج الأسوأ لكل ما يتعلق
بالديموغرافيا والسكان، وكأن لسان حال سكان البلدة: "حسنا، نحن الأسوأ ولكننا
سنكون الأفضل في فنلندا من حيث السوء!".
ويبدو وسط البلدة ظهيرة أحد أيام الأسبوع
هادئا، وتأتي حافلة ست مرات أسبوعيا من بلدة أولو، الأكبر والتي تبعد 130 كيلومترا،
ويوجد في بولانكا متجران للبقالة وصيدلية ومحطة بنزين يلتقي فيها السكان لتجاذب
الحديث واحتساء القهوة، فضلا عن مطعم واحد يقدم الغداء، ويعمل أغلب السكان إما في
قطاع الخدمات أو القطاع الزراعي.
وشهد ياكو بافلو، البالغ من العمر 63
عاما ويعمل بمكتبة قريبة من مقر رئاسة الحي، موجة التشاؤم في منتصف العقد الأول من
الألفية، ويقول إن البلدة أعلنت عن إقامة "حفل تشاؤمي" يضاف إلى قائمة
المناسبات الصيفية القليلة بها، وبدلا من دفع رسوم لدخول الحفل دفع المشاركون
رسوما للخروج منه، "فالناس لم يأتوا لمتابعة البرنامج فحسب، بل للاجتماع معا
وتحية بعضهم البعض بروح تشاؤمية بالقول: حسنا أراك لا تزال على قيد الحياة!".
كانت ريتا نيكانين، البالغة من العمر
60 عاما، ممن أبدوا اهتماما بالأمر منذ البداية، وتتذكر كيف بدأت المناسبات الأولى
وتقول: "أحدهم قال، لا شيء ينجح هنا، ولا حتى التشاؤم"، بيد أن الفكرة
التي كانت متداولة بين أصدقاء نمت وأصبحت تجمعا تشاؤميا ينظم المزيد من المناسبات
محليا بل والطواف في شتى أرجاء فنلندا.
وحققت نيكانين، التي تعمل ممرضة في
دار للمسنين في البلدة، شهرة خلال سنوات في مجال إنتاج المقاطع الموسيقية والمصورة
على الإنترنت، وانضمت لفرقة تشاؤمية تحمل اسم "مجموعة المصدومين"، والتي
لا تزال تقدم عروضا بين الحين والآخر حسب الطلب.