هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمدير مكتبها في بيروت بن هبارد، يقول فيه إن القضاء السعودي حكم بالإعدام على خمسة، وأصدر ثلاثة أحكام بالسجن في قضية مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول، وهو الحكم الذي وصف بأنه معاقبة للعناصر الضعيفة وحماية للقيادة.
ويقول هبارد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الأحكام، التي أعلن عنها متحدث باسم الحكومة يوم الاثنين، تعكس الرواية السعودية بأن قتل الصحافي لم يكن بأمر من الديوان الملكي، لكنه كان قرارا وليد اللحظة للعناصر على الأرض، وهي رواية تتعارض مع مؤشرات كثيرة بأن العناصر وصلوا إلى إسطنبول العام الماضي بنية القتل ومعهم الأدوات لفعل ذلك".
ويشير الكاتب إلى أنه مع أن الأحكام قابلة للاستئناف، إلا أن صدورها أثار مخاوف احتمال أن تقوم السعودية بقطع رؤوس من قاموا بعملية القتل وتحمي الذين أمروا بالقتل، فيما تنكر المملكة أي تورط لولي العهد والحاكم الفعلي، محمد بن سلمان، أو كبار مستشاريه الذين يقول المحللون الأجانب، إنهم ربما كانوا خلف جريمة القتل، مشيرا إلى أن الخبيرة التابعة للأمم المتحدة، التي حققت في جريمة القتل، وصفت الأحكام بأنها "سخرية".
ويلفت هبارد إلى أن مقتل خاشقجي، الذي كان يبلغ من العمر 59 عاما، والذي فر من السعودية ليكتب في صحيفة "واشنطن بوست"، تسبب بغضب دولي، وشوه صورة الأمير محمد بصفته حاكما شابا يعمل على انفتاح مجتمع مملكته واقتصادها، بالإضافة إلى أنه تسبب بغضب واسع في واشنطن بين الدبلوماسيين وأعضاء الكونغرس ومسؤولي الاستخبارات، الذين اعتبروا عملية القتل تصرف غير مبرر من شريك قديم لأمريكا، لكن الرئيس ترامب دافع عن السعودية والأمير محمد طيلة الوقت، مشيدا بالمملكة، بصفتهما حليفين لأمريكا ومن الزبائن الأوفياء الذين يشترون الأسلحة الأمريكية.
ويقول الكاتب إن ما يبدو أن تلك الأحكام لن تغير الآراء في أمريكا، مشيرا إلى أن البيت الأبيض لم يعلق على تلك الأحكام يوم الاثنين.
وتورد الصحيفة نقلا عن رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب، آدم شيف، قوله بأنها جزء من الجهد السعودي للنأي بالقيادة السعودية عن عملية القتل، وقال شيف في بيان له: "الإشارة إلى أن يكون ذلك مجرد عملية مارقة أو قرار لحظي تتعارض مع الأدلة والمنطق".
وينوه هبارد إلى أن السيناتور جاك ريد، من رود آيلاند، ردد ما قالته وكالة الاستخبارات المركزية، بأن الأمير محمد غالبا هو من أمر بعملية القتل تلك، وقال ريد في بيان: "لا يمكن التصديق بأن مثل تلك الأنشطة يمكن أن تتم دون توجيه أو موافقة من ولي العهد إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أنه يسيطر فعلا على مفاصل السلطة كلها في السعودية".
ويفيد الكاتب بأن تعامل المملكة مع القضية أثار المزيد من المخاوف، مشيرا إلى أن تركيا قد اتهمت السعودية بأنها تعرقل التحقيق، فيما قالت محققة الأمم المتحدة إن أفعال المملكة قد ترقى إلى إعاقة لمسار العدالة.
وتذكر الصحيفة أن المحاكمة، التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، أحيطت بالسرية، فلم تفصح المملكة عن أسماء المشتبه بهم، فيما تم تحليف الدبلوماسيين الأجانب الذين حضروا جلسات المحكمة بأن يحافظوا على سرية تلك الجلسات.
وينقل هبارد عن الباحث في الشأن السعودي لدى "هيومان رايتس ووتش"، آدم كوغل، قوله بأن المحاكمة غير الشفافة ومعاملة الحكومة الشاملة للقضية أظهرتا الحاجة لتحقيق مستقل، وأضاف: "إن تبرئة القيادة على المستوى الرفيع من أي مسؤولية في مقتل جمال خاشقجي تثير قلقا حول عدالة إجراءات المحكمة.. إن تعامل السعودية مع جريمة القتل، من الإنكار التام للجريمة إلى تحميلها لعملاء صغار في محاكمة افتقرت إلى الشفافية، يؤكد الحاجة إلى تحقيق جنائي".
ويشير الكاتب إلى أن خاشقجي، الذي كان يعيش في فرجينيا، دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، للحصول على الوثائق التي يحتاجها للزواج من خطيبته التركية، وفي داخل القنصلية واجهه العملاء السعوديون الذين قاموا بقتله وتقطيعه، فيما لا يزال جثمانه مفقودا.
وتورد الصحيفة نقلا عن متحدث باسم المدعي العام السعودي، قوله للمراسلين يوم الاثنين في الرياض، بأنه لم يعثر على دليل بأن القتل كان مخططا له مسبقا، لكنه قال إن العملاء تم ارسالهم لإسطنبول "للتفاوض" مع خاشقجي، وقرروا قتله بعد أن فشلت جهودهم.
ويستدرك هبارد بأن "التحقيقات التي أجرتها السلطات التركية وخبيرة الأمم المتحدة وجدت أدلة كثيرة على التخطيط المسبق، مثل وصول 15 عميلا سعوديا إلى إسطنبول قبل ساعات من مقتل خاشقجي، وضم فريق العملاء شخصا بحجمه سعيا لتضليل كاميرات المراقبة بأن خاشقجي خرج من القنصلية وكان حيا، بالإضافة إلى طبيب شرعي يقول الأتراك إنه وصل ومعه منشار عظام استخدم في تقطيع جثمان خاشقجي".
وتلفت الصحيفة إلى أن تسجيلات ما يحصل في القنصلية قبل عملية القتل وخلالها وبعدها، التي سجلتها المخابرات التركية، وشاركتها مع محققة الأمم المتحدة، كشفت كيف كان العملاء يقومون بمناقشة كيفية وضع جسد خاشقجي في حقائب، وعندما وصل خاشقجي للقنصلية، أشار إليه أحد العملاء بـ"كبش الفداء"، مؤكدة أنه بعد وفاته لم يكن هناك أي جهد لإنعاشه.
وينوه الكاتب إلى أن محققة الأمم المتحدة ذكرت أن المسؤولين السعوديين بذلوا جهودا كبيرة للتغطية على جريمة القتل، بما في ذلك مسح آثار الجريمة كلها قبل السماح لفريق التحقيق التركي بدخول المكان.
وتذكر الصحيفة أن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فخرالدين ألتون، غرد على "تويتر" قائلا إن القيادات التي أمرت بالعملية "منحوا حصانة"، وأضاف: "الادعاء بأن عددا صغيرا من عملاء المخابرات ارتكبوا جريمة القتل هذه هو سخرية من ذكاء العالم، وهذا أقل شيء يمكن قوله".
ويقول هبارد إنه مع أنه لم يتم نشر أي دليل يربط الأمير محمد مباشرة بجريمة القتل، إلا أن تقدير وكالة الاستخبارات المركزية وجد أن هناك احتمالا بأنه هو من أمر بالعملية التي استخدمت طائرتين خاصتين ومنشأتين دبلوماسيتين وفريقا من العملاء، مشيرا إلى أن الأمير محمد بأنه قال إنه لم يؤد دورا في جريمة القتل، لكنه يتحمل بعض المسؤولية عنها لأنها وقعت خلال حكمه.
ويشير الكاتب إلى أن تحقيقا قامت به المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القانون، أغنيس كالامارد، خلص إلى أن هناك "أدلة موثوقة، تستدعي المزيد من التحقيق في المسؤولية الشخصية لمسؤولين سعوديين كبار، بينهم ولي العهد".
ويلفت هبارد إلى أن كالامارد انتقدت يوم الاثنين الأحكام، فقالت على "تويتر" بأن المدعي أهمل أدلة على التخطيط المسبق، ولم يتعامل مع جريمة القتل على أنها مقرة من الدولة، وهو ما يستدعي مساءلة كبار المسؤولين، وكتبت: "خلاصة القول: فريق الإعدام مذنب وحكم عليه بالقتل.. والمخططون لم يبرؤا فقط، بل أن التحقيق والمحاكمة بالكاد اقتربا منهم، وذلك هو عكس العدالة، إنها سخرية".
وينقل الكاتب عن مكتب المدعي العام السعودي، قوله يوم الاثنين إنه تم استجواب 31 مشتبها به، اعتقل 21 منهم، وتمت محاكمة 11 شخصا من هؤلاء، وصدر الحكم بالإعدام على خمسة منهم بسبب علاقتهم المباشرة بمقتل خاشقجي، فيما حكم على ثلاثة آخرين بالسجن لمدة مجموعها 24 عاما؛ لتسترهم على الجريمة ومخالفات قانونية أخرى.
وينوه هبارد إلى أن صلاح خاشقجي، وهو أحد أبناء خاشقجي البالغين، ويعيش في السعودية، غرد مادحا عدالة القضاء، فقال: "نؤكد ثقتنا بالقضاء السعودي على المستويات كلها، فهو يمنحنا الإنصاف ويضمن العدالة"، مشيرا إلى أنه بعد أشهر من القتل، تسلم هو وأبناء خاشقجي الآخرين عشرات الآلاف من الدولارات نقدا، والملايين على شكل عقارات من الحكومة؛ للتعويض عن قتل والدهم.
وتذكر الصحيفة أن السلطات التركية حددت الأشخاص الذين يعتقد أنهم كانوا داخل القنصلية عندما قتل خاشقجي، مستدركة بأنه ليس من الواضح إن كان هؤلاء الرجال هم أنفسهم الذين تمت محاكمتهم والحكم عليهم يوم الاثنين؛ لأن السعودية لم تنشر أسماء، لكنها حددت ثلاثة مشتبه بهم لم تحاكمهم.
ويشير الكاتب إلى أنه تم إطلاق سراح نائب رئيس المخابرات السعودية، أحمد عسيري، الذي قال المسؤولون السعوديون ابتداء بأنه أشرف على العملية، دون توجيه تهمة له، بالإضافة إلى إطلاق سراح القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، الذي قام بمنح جولة للصحافيين في القنصلية بعد أيام من مقتل خاشقجي فيها.
ويلفت هبارد إلى أن كبير مستشاري الأمير محمد، سعود القحطاني، لم تتم محاكمته لانعدام الأدلة ضده، بحسب مكتب المدعي العام السعودي، مرجحا أن تزعج تبرئة كل من العتيبي والقحطاني أمريكا التي فرضت عليهما عقوبات لدورهما في عملية القتل.
وبحسب الصحيفة، فإن حسابات "تويتر" سعودية قامت يوم الاثنين بنشر ما بدا أنه منشورات منسقة تعبر عن ثقة الشعب السعودي بكل من العسيري والقحطاني.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن الأحكام التي أعلن عنها يوم الاثنين كانت أولية وقابلة للاستئناف، مشيرا إلى أن حكم الإعدام في السعودية يطبق عادة بقطع الرأس في الساحات العامة.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)