هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحاول أحزاب الأغلبية في الجزائر جاهدة الحصول على "مكان تحت الشمس" في المشهد السياسي، بعد أن حجّمها الحراك الشعبي، وجعل سيطرتها على البرلمان والمجالس المنتخبة المحلية دون معنى.
وتبدو علاقة هذه الأحزاب مع الرئيس الجديد، عبد المجيد تبون، ملتبسة، فهي لم تدعم وصوله للرئاسة في انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول الأخيرة، بينما هو لم يطلب خدماتها لتكون قاعدة لحكمه لاعتقاده بأنها غير قادرة على تقديم أي إضافة له بعد تراجعها شعبيا، ما جعلها تدخل في أزمات داخلية طاحنة جراء فقدانها للبوصلة السياسية.
ولم تكن هذه الأحزاب في ظل حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، تجد عناء في السيطرة على الساحة السياسية، من خلال دعمها المسبق واللامشروط لسياسات السلطة، في مقابل ضمان أن تكون أغلبية المقاعد البرلمانية من نصيبها، وهو ما أدى إلى إفراغها من الوعاء النضالي الحقيقي، وجعلها مطمعا لرجال الأعمال المتنافسين على شراء المقاعد.
واليوم، تبدو هذه الأحزاب بالنظر إلى تاريخها الملتصق بالسلطة في اختبار حقيقي مع الواقع الجديد، إذ تُطرح أسئلة كثيرة حول العلاقة التي ستبنيها مع الرئيس تبون، ومدى قدرتها على أن تكون في المعارضة في حال لم تحصل على الأغلبية.
جبهة التحرير
ويوجد على رأس هذه الأحزاب جبهة التحرير الوطني، الذي يمتلك وحده ربع مقاعد البرلمان، والذي يعرف احتجاجات يومية عند مقره بالعاصمة، رفضا للقيادة الحالية التي يعتبرها بعض المناضلين غير شرعية ولا تعبر عن طموحاتهم.
وتحطمت صورة هذا الحزب في الأشهر الأخيرة، بعد إيداع عدد كبير من قياداته ووزرائه ونوابه السجن بتهم فساد ثقيلة، ومطالبات البعض بإدخاله المتحف، ما جعله غير قادر على التفاعل مع الأحداث السياسية أو مواكبتها.
ودخل هذا الحزب في أزمة حقيقية بعد الانتخابات الرئاسية، كونه ساند المترشح عز الدين ميهوبي، وهو الأمين العام للحزب الآخر في السلطة التجمع الوطني الديمقراطي، ورفض تزكية المرشح الفائز عبد المجيد تبون، رغم أنه ينتمي للحزب وعضو في لجنته المركزية.
ويرى حسين خلدون، القيادي في جبهة التحرير الوطني، أن مسيري الحزب الحاليين وقعوا في ورطة بعدما ساندوا مرشحا آخر خارج إرادة القواعد النضالية، وهم يحاولون اليوم تقديم الولاء للرئيس الجديد عبد المجيد تبون.
وأوضح خلدون في تصريح لـ"عربي 21"، أن الأزمة التي يعيشها الحزب هي نتيجة حتمية لعلاقة الحزب بالسلطة التي كانت مبنية على التبعية، إذ كان الحزب في الفترة السابقة، حسبه، مجرد واجهة يؤمر فينفذ، ولا يملك من قراره شيئا.
وأبرز خلدون أن هذا السلوك السياسي جعل من قيادة الحزب بعيدة عن المواطنين وعن انشغالاتهم، ولا تبحث عنهم إلا في زمن الانتخابات، ما جعل الحزب يفقد ثقله الحقيقي وتكوينه للمناضلين ودراسته المعمقة للملفات، وأصبح يبتعد كحزب جماهيري عن الطبقات المحرومة التي كان يعبر عن نبضها في السابق
وشدّد المتحدث على ضرورة مراجعة علاقة الحزب مع السلطة، بحيث تصبح قائمة على الشراكة السياسية فيما ينفع الصالح العام، وذلك من منطلق أن حزب جبهة التحرير تنص ديباجته على أن مصالحه لا تتعارض على الإطلاق مع مصالح الدولة.
وتابع النائب السابق: "ندعم الرئيس بما يتوافق مع برنامج جبهة التحرير، لكن بقيادة شرعية، مع ضمان أن يبقى للحزب هامش للتعبير عن رأيه في القضايا التي لا يتوافق فيها بالضرورة مع السلطة، والحرية حتى في ممارسة المعارضة الإيجابية.
التجمع الوطني الديمقراطي
من جانبه، يعيش الحزب الثاني في الأغلبية، التجمع الوطني الديمقراطي، مخاضا عسيرا، يحاول من خلاله إعادة هيكلة نفسه وتصوراته للعمل السياسي، وتغيير حتى شكله؛ للتخلص من التركة الثقيلة التي تلاحقه.
وسيكون هذا الحزب في شهر مارس/ آذار المقبل على موعد مع مؤتمر استثنائي، لانتخاب قيادته الجديدة، علما أن الأمين العام الأخير للحزب أحمد أويحيى يوجد وراء القضبان، بعد إدانته بـ15 سنة سجنا في تهم فساد ثقيلة.
وفي اعتقاد الأمين العام الحالي بالنيابة، عز الدين ميهوبي، فإن العلاقة مع الرئيس لا تحتاج إلى تصور، فهو رئيس جمهورية منتخب، ويحوز شرعية شعبية، وهو ما يقتضي التعاون معه.
وأبرز ميهوبي في تصريح خاص لـ"عربي 21"، قائلا: "نحن ملتزمون بالعمل مع الرئيس الجديد، وفق قواعد ومتطلبات الممارسة السياسية، التزاما بروح الدستور وقوانين الجمهورية، مع مراعاة المصلحة العليا للدولة وتطلعات الشعب، بعيدا عن منطق المعارضة والموالاة.. لقد سقطت معادلة المعارضة والموالاة، إما أن تكون حزبا أو لا".
وأضاف ميهوبي الذي نافس تبون في الانتخابات الأخيرة، أن هناك توجّها لتغيير النظام السياسي ونمط الحكم، وهذا يفرض تحوّلا في أسلوب العمل الحزبي.
لهذا، يضيف، بعد الانتخابات الرئاسية: "عادت الأحزاب إلى نقطة البداية. ولما كان الأمر يتعلق بأحزاب تقليدية، مع بروز محتشم لأحزاب جديدة، فإن الاستحقاقات القادمة لن تغير كثيرا في المشهد والمواقع، لكنها قد تغير في المواقف، كونها فرصة للمراجعة وتجاوز التراجع".
وتابع: " نحن كحزب يتهيأ لمؤتمر استثنائي، نسعى لإعادة ترتيب البيت وفق المتغيرات الجديدة، قد يصل الأمر حدّ تغيير التسمية، سنراجع أيضا أساليب ممارستنا السياسية، المواقف والتحالفات، بينما سنحافظ على خطنا الوطني النوفمبري".
أزمة حادة
ومن زاوية التحليل الأكاديمي، تقول أستاذة العلوم السياسية، لويزة آيت حمادوش، إن أحزاب المولاة تعاني من أزمة حادة على مستويين، خلقهما الظرف الجديد في البلاد.
وذكرت آيت حمادوش، في تصريح لـ"عربي 21"، أن المستوى الأول يتعلق بكونها تعرف غير مسبوقة متمثلة في دعمها مترشحا لم يفز في الانتخابات، ما يدل على أن دورها لم يكن شبيها بدورها التقليدي.
أما المستوى الثاني، حسبها، فيرجع إلى علاقة السلطة بالأحزاب التي كانت منذ الاستقلال علاقة وظيفية أكثر منها سياسية، بمعنى أن الحزب يمكن أن يكون في السلطة دون أن يمارس السلطة. وعليه، تضيف، عندما نتكلم عن أحزاب المولاة فالثابت هو الموالاة، وليس الحزب الذي هو متغير تابع بيد السلطة.
وحول مستقبل هذه الأحزاب، ترى آيت حمادوش، أن أي رئيس لا يستطيع ممارسة سلطته دون قاعدة سياسية مهيكلة، لذلك قد تعمل السلطة الحالية، وفق قراءتها، على رسكلة او استقطاب أحزاب متواجدة متعددة الأيديولوجيات أو إنشاء حزب جديد، لأن ما يهم هنا هي العلاقة الوظيفية: الحزب في خدمة الحاكم وليس العكس.