ترتبط فكرة سعي
أمريكا لإشاعة نسق إسلامي محدد في أوساط المسلمين، بما أسماه المفكر الإسلامي سيد
قطب بـ"إسلام أمريكاني" في خمسينيات القرن الماضي، والذي حدد معالمه
بأنه "إسلام فُرغ من مضامينه وتعاليمه الموجبة لتحكيم الإسلام في سائر شؤون
الحياة، والمحرض للمسلمين على مواجهة
الاستعمار تماما كما يكافحون الشيوعية".
وكان واضحا في
أطروحة قطب تأكيده على أن أمريكا إنما تهدف من وراء ترويجها لذلك الإسلام توظيفه
لمكافحة الشيوعية، في صراعها مع الاتحاد السوفيتي الذي كان يتبنى تلك الأيدلوجية
ويسعى لنشرها في العالم إبان الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين.
لكن بعد انهيار
الاتحاد السوفيتي عام 1991، وتخلي الرئيس ميخائيل غورباتشوف عن الأيدولوجية
الشيوعية باسم الإصلاح وإعادة البناء، والإطاحة بحكم الأحزاب الشيوعية في أوروبا
الشرقية، ووضع الحرب الباردة أوزارها بين الطرفين، لماذا فكرة "الإسلام
الأمريكاني" ما زالت تحظى باهتمام واسع في أوساط إسلامية؟ وهل الولايات
المتحدة الأمريكية ما زالت بالفعل تسعى لترويج نموذج معين من الإسلام؟.
في إجابته عن
الأسئلة المثارة رأى الداعية الأردني، والباحث الشرعي، محمد الحايك أن
"الإسلام الأمريكاني الذي وعاه
سيد قطب وكتب عنه قبل نحو سبعين عاما، ما زال
جزءا أساسيا في الاستراتيجية الأمريكية في تعاملها مع الإسلام من أجل احتوائه
وتدجينه، إن لم يكن القضاء عليه وتدميره"، بحسب عباراته.
وقال الحايك
"إن كثيرا مما جرى في العالم الإسلامي منذ صدور تقريري مؤسسة (RAND)
الأمريكية الشهيرة حول (الإسلام المدني الديمقراطي) عام 2003، والآخر حول (بناء
شبكات مسلمة معتدلة) بعده بأربعة أعوام مرورا بمؤتمر مركز نيكسون عن (الصوفية
أثرها في السياسة الأمريكية) ثم حديث ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي المقال
في عهد ترمب عن نجاحه في إقناع دول عربية لتعديل المناهج الدينية، وتدريب الأئمة
والخطباء على مناهج (معتدلة) يدلل على ذلك ويؤكده".
وأضاف
لـ"عربي21": "أما أبرز
ملامح ومعالم ذلك النموذج الذي تسعى أمريكا إلى نشره وترسيحه فيتمثل في النقاط الآتية:
تشجيع التوجهات الليبرالية العلمانية باسم التنوير والحداثة، وتقديم الصوفية بديلا
عن التيارات الإسلامية الأخرى، خاصة الإخوان والسلفيين في سياق الاعتدال ومحاربة
التطرف".
وتابع
"باختصار الإسلام الأمريكاني هو علمانية حداثية وجدت في صوفية مسالمة ضالتها
لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في الهيمنة السياسية، عن طريق محاربة الحركات
الإسلامية التي تؤمن بالاستقلال والتحرر من التبعية على قاعدة الهوية الإسلامية،
ومرجعية الشريعة".
وعن مدى نجاح
تلك الاستراتيجية لفت الحايك إلى أنها "حققت اختراقات على صعيد الحراك
الثقافي المتمثل بخط (مؤمنون بلا حدود)، وأفكار محمد شحرور وغيره في الجانب
الحداثي العلماني، وأما في الجانب الديني فقد حققت نجاحات في الترويج للتيار
الصوفي باعتباره يمثل روح الإسلام في مواجهة تيارات الإسلام السياسي من خلال (مجلس
حكماء المسلمين) بقيادة شيخ الأزهر، ومن خلال (منتدى تعزيز السلم في المجتمعات
المسلمة) بزعامة الشيخ عبد الله بن بيه".
من جهته ناقش
الناشط الإسلامي اللبناني، سليم مرهمو فكرة "الإسلام الأمريكاني" من
خلال تجربته الخاصة، بالإقامة في الولايات المتحدة منذ 3 عقود ومعايشته الطويلة،
ولقاءاته المختلفة مع مسؤولين إسلاميين وآخرين أمريكيين رسميين، وهو ما قد يتوافق
أو يتناقض مع الدراسات المختلفة حول الموضوع.
وأوضح في حديثه
لـ"عربي21" أن "للولايات المتحدة الأمريكية بالفعل توجهات لترويج
نسق معين من الإسلام، وعلى وجه التحديد بعد أحداث 11 سبتمبر، - وهو ما لم يكن من
قبل - والتي قلبت المعادلات، وأيقظت المارد الأمريكي بعد التأكدّ أن المسلمين
الجهاديين كانوا وراء ذلك".
وتابع
"تبع ذلك رغبة في إضعاف الحركات الإسلامية عموما من خلال الضغط على الحكومات
القانوني والسياسي، والتي أدّت بشكل غير مباشر إلى تغيير المناهج الدراسية
والانفتاح على ما كان يعدونه ممنوعا ومحرما، فضغوط الأحداث ولدت استجابة من قبل
الحكومات العربية، في ظل الأجواء المشحونة بعد أحداث سبتمبر.
وأشار إلى أن
أحداث 11 سبتمبر "دفعت بالجالية المسلمة إلى الواجهة، وهي غير مستعدة لذلك،
فاضطرت للظهور بحكم المواطنة وتقرير حق وجودها في المجتمع الأمريكي، وأذكر أن
السيدة Farrah
Pandith وهي صديقة للجالية، وكانت مساعدة للرئيس جورج
بوش، اقترحت عليه تعيين مستشار مسلم للرئيس كما يوجد مستشار رجل دين يهودي، مستشار
رجل دين مسيحي، وهو ما أدّى إلى تعيين الإمام طلال عيد، وهي أول مرة يصل أحد
المسلمين إلى هذا الموقع في البيت الأبيض".
وأنحى مرهمو
باللائمة على "خطاب الاستعداء والتحدي، والمقارعة المسلحة التي لم ولن تؤدي
إلاّ إلى تدمير ما تبقى من البلاد العربية" مشيدا بتجربة "اليهود الذين
استطاعوا كسب ود أمريكا، والحفاظ على علاقتهم الجيدة معها، واستغلال أخطاءنا إلى
أقصى مدى ممكن".
بدوره قال
مستشار وزير الأوقاف المصري السابق، الدكتور محمد الصغير "أمريكا وريثة الدول
الاستعمارية، وتسلمت القيادة منها، ومع بداية مرحلة استبدال الاحتلال العسكري
بالغزو الفكري، وقد أثبتت الأيام أنه أقل كلفة، وأعظم أثرا، وبعد ما تأكدّ فشل
الاحتلال العسكري في فرض ثقافة المحتل وهويته، وإدراك أمريكا صعوبة التغيير الجذري
في المجتمعات الإسلامية، عمدت إلى إيجاد إسلام على الطريقة الأمريكية".
وردا على سؤال
"عربي21" حول مدى نجاح أمريكا في إشاعة ذلك النسق من الإسلام، ذكر
الصغير أنها "نحجت في ذلك إلى حد معقول، عبر تسويقه بين الطبقات الثرية في
المجتمع، وإيجاد فريق من الدعاة يقدمون الإسلام منزوع الدسم حتى تهضمه المجتمعات،
واحتضان أولادهم في المدارس الدولية التي تنشئهم عليه من البداية، ومن هذه الطبقة
تتكون النخبة، ويخرج صناع القرار" على حد قوله.
وأردف
"ومما ساعد أمريكا في إشاعة نموذجها حكام الدول الوظيفية الذين وصلوا للحكم
بمساعدتها، أو استمروا فيه برضاها، وهم بدورهم ينفذون المخطط بإتقان".
وختم كلامه بالإشارة إلى أن من أبرز ما يميز ذلك
الإسلام: "حصر حرية المرأة في الاختلاط، وتركها البيت لحاجة أو لغير حاجة،
محاربة مظاهر الإسلام العامة كالحجاب وزيادة الاحتشام، وتشجيع صرعى الغزو الفكري
الذين ينادون بهدم الثوابت، والثورة على التراث الإسلامي، وتهوين أمر الدين في
نفوس المبتدئين، وعدم استنكار تنامي ظاهرة الإلحاد".