هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد تفشي حمى التطبيع في أوصال النظام العربي الرسمي، والتي كان آخرها لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، تُثار مخاوف جدية حول إقدام كثير من الدول العربية على التخلي عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية فلسطينية تخص الفلسطينين وحدهم.
ويصاحب تلك المخاوف أحاديث متداولة عبر تقارير صحفية، ومقالات رأي، ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأولى، حتى أن الكاتب اللبناني محمد قواص يؤكد أنه لا جدل في أن قضية فلسطين لم تعد "قضية العرب الأولى".
وأضاف في مقال له بعنوان "في التطبيع.. وقضية العرب الأولى": "وإذا ما تأملنا هذا الواقع عميقا قد نكتشف أنها لم تكن يوما الأولى، وإن كانت الحروب التي ارتبطت بها شكّلت حتى عام 1973 همّا عربيا جماعيا لا لبس فيه".
غير أن قواص عاد ليتساءل في ذات المقال تعليقا على لقاء البرهاني بنتياهو "فإذا ما فقدت هذه القضية وهجها الجواني في الوعي الجماعي عند العرب، فلماذا الحرج من التطبيع والارتباك حين اللقاء مع مسؤول إسرائيلي، والتلعثم في تبرير استضافة وفود إسرائيلية؟".
وتابع تساؤلاته: "وإذا ما باتت هذه القضية غير مهمة وهامشية في العالم العربي، فلماذا هذه الهجمة الالكترونية التي تشنّها جيوش وسائل التواصل الاجتماعي ضد فلسطين والفلسطينين وكل ما يمتّ إلى قضيتهم بصلة؟".
من جهته فرَّق الشاعر والروائي التونسي عمار الجماعي بين موقف الأنظمة العربية الرسمية، وموقف الشعوب العربية من القضية الفلسطينية، فهي عند الشعوب "أصبحت ضمن البنية النفسية والوجودية عند العرب إلا من باع نفسه لخبزه اليومي، وأصبح لا مباليا".
اقرأ أيضا : الرياض تنفي اجتماع ابن سلمان بنتنياهو وتؤكد ثبات مواقفها
وأضاف لـ"عربي21": "ما زلنا نحتفل بيوم الأرض، ونقيم التظاهرات في كلّ مناسبة متعلقة بفلسطين، وما زلنا نحدد بها مواقفنا من زيد وعمرو، وستظل القضية الفلسطينية جيلا بعد جيل هي قضية الأمة الأولى، هذا عند عامة الناس، وكما هي حقيقة ضمائرهم".
وتابع: "أما الحكام العرب فشأن آخر، فمنذ تراجع النزعة القومية تحت الهزائم المتتالية تعمّد هؤلاء تغييب القضية وفي أفضل الأحوال إدراجها في آخر جدوال الأعمال لرفع عتب شعوبهم، وهذا دليل آخر أنها القضية الأولى دائما، وإن سعى أغلب الحكام بعد "مهزلة القرن" إلى التسليم بالأمر الواقع" على حد قوله.
وتعليقا على ما بات يلحّ عليه بعض المثقفين والإعلاميين العرب من ضرورة الاهتمام بالمصالح الوطنية أولا، وتقليل الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وصف الجماعي تلك الدعوات بـ"البدعة الجديدة المتجددة، فلئن رأينا من بعض "مثقفي السلطان" منذ قيام الكيان المحتل ببسط نفوذه على الأرض، يروجون لمقولة (الوطن قبل القضية)، و(هذا أمر لا قبل لنا به)، فإن هؤلاء يطلبون حقا يراد منه باطل".
وواصل حديثه موضحا أن "القول نفسه قائم على مغالطة ترى تناقضا بين المصلحة الوطنية، وقضية الأمة، ويغفل عن أهم معطى وهو أن الأوطان مرتهنة لأعدائها، وأن العنف في العالم وردود الفعل المتطرفة للتخريب في كل مكان إنما سببه هو حجم الإحساس بالهوان، وقلة الحيلة أمام عدالة القضية الفلسطينية".
وشدد على أن "كثيرا من هذه الدعاوى صادرة إما عن مواقف مدفوعة الثمن، أو عقدة نقص تجاه الآخر، والحق أنها لا تجد رواجا عند الناس، فتظل مجرد أبواق دعاية إعلامية".
اقرأ أيضا : مصدر مغربي: لا مقايضة بين قضيتنا الوطنية وقضية فلسطين
وكان لافتا في الأيام الأخيرة تركيز بعض الكتاب والإعلاميين العرب على أن انقسام الفلسطينين وتشرذمهم، خاصة فتح وحماس، هو الذي أفقد القضية الفلسطينية مركزيتها، وشجع الأنظمة العربية في الوقت نفسه على التطبيع مع إسرائيل، وهو ما نفاه بشدة الكاتب والمحلل الفلسطيني، الدكتور صالح النعامي.
ووفقا للنعامي فإن "توجه الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل لم يكن بسبب الانقسام الفلسطيني، بل لأنها تعاني في الأصل من أزمة شرعية، وأنها ترى أن معالجة هذه الأزمة يتمثل في تأمين الدعم الأمريكي، الذي تراه يتأتى عبر التطبيع مع إسرائيل".
وتابع: "لا يوجد مسوغ آخر، بدليل أن إسرائيل تعمل حاليا ضد مصالح الدول التي يفترض أن تمثلها هذه الأنظمة، فعلى سبيل المثال نتنياهو أجبر ترامب على عدم تزويد السعودية والإمارات بطائرات أف 35، بزعم أن هذه الطائرات المتطورة جدا يمكن أن تقع في الأيدي الخطأ في حال سقوط هذه الأنظمة، كما إن إسرائيل ترفض تزويد السعودية بصواريخ (سفايك) التي تنتجها شركة رفائيل الإسرائيلية بحجة أن هناك مخاوف على استقرار هذه الأنظمة".
ولفت النعامي في تصريحاته لـ"عربي21" إلى أن "الذي يسوغ التطبيع ويوفر الحجة له، هو سلوك السلطة الفلسطينية، فكيف يمكنك أن تقنع أي نظام عربي بعدم التطبيع مع إسرائيل في وقت تواصل السلطة التعاون الأمني مع إسرائيل؟".
بدوره أكدّ الناشط السياسي المصري، أحمد البقري أن "القضية الفلسطينية ما زالت هي قضية الشعوب الأولى رغم الجراح التي تعانيها بلادنا العربية بسبب استيلاء الثورات المضادة على الحكم في بعض الدول المحورية، وعلى رأسها مصر، حيث باتت تلك الأنظمة تهرول لإرضاء الصهاينة، لأنهم لا يتمتعون بأية شرعية شعبية".
وأردف: "فالأنظمة تحاول شراء رضا الغرب مقابل التطبيع مع إسرائيل، وجعل القضية الفلسطينية شأنا داخليا، وهو ما لم يتحقق لهم، حيث أجبرت تلك الدول (الإمارات، البحرين، وعُمان) التي رحبت بالصفقة في لحظتها على عدم قبولها في قرار الجامعة العربية، بعد المظاهرات التي عمت عددا من العواصم العربية وعواصم أخرى".
ولفت البقري في حواره مع "عربي21" إلى أن "خطورة المرحلة الحالية، انعكست بالتأكيد على القضية الفلسطينية، فأصبحت أنظمة الثورة المضادة تُجرم وتحاكم كل من يتعاطف مع فلسطين والقدس، كما حدث مع الشاب المصري الذي رفع علم فلسطين في استاد القاهرة، حيث قام النظام باعتقاله، وكما قامت السلطات السعودية باعتقال عدد من التابعين والمؤيدين لحركة حماس في السعودية ومحاكمتهم بتهمة دعمهم للمقاومة".
وركز في ختام كلامه على أن "العقبة الرئيسة أمام تمرير (صفقة القرن) لا تتمثل بالحكام العرب، بل تتجسد بالشعوب العربية والإسلامية، التي ستظل هي المدافع الأول والأخير عن مقدسات المسلمين، وستظل فلسطين والقدس قضيتنا الأولى رغم جراحنا، وما يحدث في بلادنا".