كتاب عربي 21

الطمع العربي بالدعم الصهيوني

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600

أنظمة العرب في سباق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ويبدو أن أغلبها يطمع في الحصول على دعم صهيوني ينحصر غالبا في مسألتين وهما: المسألة الأمنية التي تقلق هذه الأنظمة، والمسألة الاقتصادية المتعلقة بالتنمية وتحسين الظروف المعيشية للناس وتنويع مصادر السرقات والاختلاسات والفساد المالي.

دول الخليج مثلا معنية بالدعم الأمني الصهيوني لها لأنها تخشى المستقبل، وتحسب حسابات كثيرة لاحتمالات انهيارها كأنظمة قبلية وسحل أركانها في الشوارع ومصادرة أموالها وممتلكاتها التي نهبتها من دماء الشعوب. تخشى أنظمة الخليج من انتشار الحراك العربي بالمزيد ليشملها ويطيحها عن عروشها، وتخشى المنظمات الدولية ومواقف بعض الدول الغربية من مسألة احترام حقوق الإنسان. 

هذه أنظمة قبلية فاشلة ولا تقيم وزنا لحقوق الناس ولا لرفاهيتهم وتحسين ظروفهم على مختلف المستويات المعيشية والإنسانية. إنها أنظمة قمعية مستبدة ظالمة لا تفسح مجالا للمشاركة السياسية ولا تسمح بحرية الرأي ولا بتطوير الوعي الإنساني والشخصية المستقلة الواثقة من نفسها. وأيضا تخشى هذه الأنظمة إيران سواء كانت هذه الخشية حقيقية أو وهمية بهدف صناعة عدو جديد للأمة العربية وفق المزاج الأمريكي. تنظر هذه الأنظمة إلى إيران على أنها عدو دون أن تثبت حتى الآن الإجراءات التي تقوم بها إيران تعبيرا عن عدائها للعرب.

ومن ناحية اقتصادية، قال ملك المغرب السابق ذات يوم إن التعاون العربي ـ الإسرائيلي سيؤدي إلى فائدة كبيرة للطرفين لأن إسرائيل ستساهم بالعقول، والعرب يساهمون بالسواعد فتنتعش التنمية الاقتصادية ويرتفع الإنتاج وتتحسن الأوضاع المعيشية لجماهير الطرفين. أي أن الصهاينة عقل مدبر، والعرب هم البغال التي تسوقها العقول. 

 

يطمع البرهان بسعي الصهاينة لدى الإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب ودعم النظام على الساحة الدولية على اعتبار أن رضا أمريكا يمر عبر الرضا الصهيوني


مع الزمن، ترسخت هذه الفكرة لدى أنظمة العرب، وكانت مصر هي السباقة في هذا الاتجاه، ثم منظمة التحرير الفلسطينية، وثم الأردن. والآن ترى أنظمة عربية عديدة صوابية "البغلنة" العربية وحكمة الصهاينة. دول الخليج تتحدى المشاعر العربية والتاريخ العربي وتزيح القضية الفلسطينية جانبا بطريقة مؤذية، ويسابقها البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني. 

يطمع البرهان بسعي الصهاينة لدى الإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب ودعم النظام على الساحة الدولية على اعتبار أن رضا أمريكا يمر عبر الرضا الصهيوني. والصهاينة مع الأمريكيين يشكلون البؤرة الأولى والأساسية لما يسمى بالمجتمع الدولي. وأيضا يطمع البرهان بمساهمة الصهاينة في تحسين الأوضاع الاقتصادية للسودان، ومن ثم تحسين الأوضاع المعيشية للناس. يطمع السودان بالتقنية الزراعية الصهيونية والتي هي ليست فريدة من نوعها، وبخبرات الصهاينة في التربية الحيوانية، وأيضا في مجال تقنيات التعدين بخاصة تعدين الذهب المتوفر خامه في السودان.

وإجمالا، ترى أغلب أنظمة العرب أن الصهاينة متطورون تقنيا، ومن الممكن الاستعانة بتقنيتهم في مجالي ملاحقة المعارضين ورفع مستويات الإنتاج. الأنظمة مهتمة بتقنية التجسس الصهيونية وذلك لتعزيز قدراتها على ملاحقة المواطنين، وللتجسس على دول ومنظمات المقاومة التي لا ترتاح لوجود الولايات المتحدة في المنطقة ولربيبتها إسرائيل. هم يريدون تقنية التجسس والطائرات  المسيرة والخبرات الحربية لمواجهة إيران.

 

إذا كانت أنظمة العرب معنية بأمنها وأمن دولها، وبالتطوير الاقتصادي فالوصفة بسيطة: وظفوا أموالكم لتوطين التقنية واستقطبوا علماء العرب وخبراءهم باحترام وانتماء كما فعلت إيران،


للوضوح، واهم من يظن أن الصهاينة سيتقدمون الصفوف لمحاربة إيران لأن الصهاينة لا يوظفون جيشهم للقتال بالنيابة عن أحد. جيش الصهاينة ليس للإيجار على عكس العديد من الجيوش العربية التي تستعمل للقتال بالنيابة ولتحقيق مصالح الآخرين. إسرائيل مستعدة للحرب عندما تتطلب مصالحها ذلك وتكون على يقين بأنها ستنتصر. وهي لن تذهب إلى إيران وهي محاصرة بقوتين كبيرتين من الشمال والجنوب وهما حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة. وإذا كانت هي لا تجرؤ على مواجهة تنظيمات عسكريا، فإنها لن تجرؤ، على الأقل، تحت الظروف الحالية على مواجهة إيران. وحتى أنها لم تعد مهتمة بالمساهمة في حرب تشنها أمريكا على إيران.

ومن الناحية الاقتصادية، الصهاينة لا يقدمون خدمات وتقنيات إلا إذا كانوا متأكدين من أرباح هائلة يحصلون عليها. جربت مصر والأردن ومنظمة التحرير التقرب من الصهاينة حبا بالخيرات التي سيجنونها، فلم يجنوا غير الأوهام والمزيد من التخلف الاقتصادي والديون والفوضى الإدارية والمالية. الصهاينة يذهبون إلى ديار الآخرين لمص الدماء وليس لنشر خيرهم، إن كان لهم خير، على البقاع. وثابت عالميا أن أمريكا والصهاينة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يدخلون دولة إلا أفقروها.

إذا كانت أنظمة العرب معنية بأمنها وأمن دولها، وبالتطوير الاقتصادي فالوصفة بسيطة: وظفوا أموالكم لتوطين التقنية واستقطبوا علماء العرب وخبراءهم باحترام وانتماء كما فعلت إيران، وتوقفوا عن الفساد المالي وسرقة أموال الناس. لدى العرب الكثير من الخبرات ومن الأموال، وليسوا بحاجة بتاتا لعقول الصهاينة وخبراتهم.

السودان بلد ثري بموارده، لكنه فقير بقياداته. أما بعض دول الخليج فمشغولة بالإنفاق على الفتن في الساحات العربية. لديها أموال طائلة لتمويل الفتن، ولا يوجد لديها لتوفير مساكن يأوي إليها الناس.

التعليقات (0)