منذ أيام كان الممثل "محمد رمضان" ضيفا على إحدى الشاشات
المصرية، وتطرق اللقاء إلى موقف كان طرفا فيه مع الممثل "باسم سمرة"، وكان رد الأول (كعادته) حادا تجاه الأخير. تناقلت وسائل
الإعلام كلام رمضان، فتواصل إعلامي شهير مع سمرة ليرد على ما قيل بحقه، فبدأ كلامه بمهاجمة الإعلام ولومه؛ إذ أشار إلى أن الإعلام اهتم بالخلافات التي جرت، ولا يهتم بصميم عملهم "التمثيل"، فلفت الانتباه بكلامه (ولو بغير قصد) إلى مساحات اهتمام التوجّه الإعلامي لنظام تموز/ يوليو 2013.
أصبحت أخبار الحوادث تركز بشكل أساسي على جرائم الشرف، إما الدعارة، أو الزنا، أو الاغتصاب، كأن هذه الجرائم هي الأساس في مصر، رغم أن مؤشر الجريمة العالمي (نامبيو) عام 2018 وضع مصر في المرتبة 26 عالميا والثالثة عربيا والثامنة أفريقيا، كما أن الإحصاءات الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية في عام 2017، توثّق ارتفاع جرائم القتل العمد بنسبة 130 في المئة، وارتفاع جرائم السرقة بالإكراه إلى 350 في المئة، بينما مثّلت جرائم الشرف 92 في المئة من نسبة الجرائم الأسرية، بحسب المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
إذا كان لدينا إعلام جاد، فالأولى به أن يساعد في تحجيم الظاهرة الإجرامية عبر المشاركة في بحث أسباب الظاهرة من جهة، وسُبل محاربتها، عبر نشر الوعي من جهة والضغط على النظام السياسي من جهة أخرى. فلا جدال بأن أحد أهم العوامل لانتشار الظاهرة الإجرامية مرتبط بمعدلات الفقر بشكل رئيسي، ثم تأتي عوامل أخرى تسهم في انتشار تلك الظاهرة، كعوامل ضعف التربية الدينية أو القيمية، لكن يظل الفقر هو ركن الفساد الاجتماعي، وهو هادم القيم لسطوة المال على النفس.
غياب الدور الإعلامي ناشئ من تعمّد الدولة نشر الفقر، وناشئ من سيطرة الدولة على وسائل الإعلام ومنعها نشر ما يهاجمها ولو بصورة طفيفة. ولا ننسى حديث السيسي الساذج عن حسده لإعلام عبد الناصر، أو غضبه من عنوان بسيط لا يهاجم شخصه كـ"الحكومة غرقت في شِبْر مياه"، وعقّب حينها بأنه سيشتكي الإعلام للشعب.
مقابل هذا الضعف في الرسالة الإعلامية، يأتي النشاط في تغطية الفضائح الخاصة بالممثلين ليعكس هذا التوجه الذي تدعمه الدولة، أو تغطية وقائع الانحراف السلوكي بكثافة، وبنص واحد لمعظم الصحف أو المواقع الالكترونية، في تأكيد واحديّة المصدر الذي يريد تصوير المجتمع كأنه مجموعة من الساقطات أو الرجال الخائنين، والنتيجة إما أن يكون الشك حاكما للعلاقات الزوجية أو الأسرية، أو تصير الخيانة أو العلاقة الآثمة خارج نطاق الزواج مفهومة في ظل ذيوعها. كما تأتي الأعمال السينمائية أو الدرامية معززة لعلوّ الرغبة الذاتية أو الجنسية على أي قيمة، فالعلاقة خارج إطار الزواج مبررة وهي حق شخصي، والحب يكفي لهدم البيت دون اعتبار لأي عامل اجتماعي مرتبط بالأبناء، أو الطبيعة الخاصة للمجتمع الشرقي، ودون اعتبار كذلك للجانب الأخلاقي الذي غاب خلال تقلّب القلب نحو رجل أو امرأة خلاف الزوجة أو الزوج، مع فارق إجازة الشرع الإسلامي للرجل بالتعدد "في الحلال لا الحرام".
على مدار العقود المتلاحقة، قامت النظم الحاكمة في مصر بعمليات إخلال ثقافي يتبعها إحلال لمنظومة القيم الغربية باعتبارها أساس التحضّر، وفكرة ربط
الثقافة الغربية بعملية التحضّر مبثوثة في الأدبيات السياسية. ويبدو أنها لقيت آذانا صاغية في المشرق، فاتجهت الدعاية الفنية صوب ترسيخ بعض هذه القيم، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى المظهر الخارجي. ولقيت هذه الأفكار قبولا لدى البعض وامتناعا لدى الأغلب الأعم من المجتمع، وظلت المطارق الفكرية تهوي على الرواسخ الثقافية رويدا رويدا، حتى بلغت هذا المستوى الحالي من الظهور الاجتماعي، والبَوْن شاسع بين ذيوع شيء بحيث يصير معروفا أو ملموسا، وبين إمكان وصفه بأنه ظاهرة اجتماعية تمثل حالة عامة داخل مجتمع ما.
كانت عمليات الإخلال والإحلال الثقافيين دائبة ومتلاحقة، وانتقال النجاح من صورة الحالات المعدودة إلى صورة الذيوع ارتبط بشدة انحطاط النظام الحاكم الذي انشغل بتعميق الخلافات الداخلية بين السياسيين، وانشغل بتعميق الخلافات الاجتماعية بين المؤيدين للنظام ومعارضيه على مستوى الفرز الاجتماعي، وعمِد إلى نشر الفقر لينشغل المجتمع بلقمة العيش عن النضال السياسي، فتفككت الأسرة بفعل عوامل عديدة، وأصبحت عملية نقل القيم ضعيفة لانشغال حَمَلَتْها بتوفير لقمة العيش.
لا يمكن فصل النضال السياسي عن النضال الاجتماعي، كما أن النضال الاجتماعي لا يعني الثورة على الموروث الثقافي والاجتماعي بالكلية، لكن تظل بوابة الاستبداد هي البوابة الموصدة أمام أي تقدم يلمس احتياجات المجتمع بصورة فعلية.