هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا كتبه السفير الأمريكي في سوريا، روبرت فورد، يحث فيه واشنطن على حماية السوريين الهاربين من مدينة إدلب.
ويقول فورد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن ممرا آمنا قد يؤدي إلى وقف الأزمة الإنسانية في إدلب.
ويبدأ السفير الأمريكي مقاله بالقول: "في آخر معقل للمعارضة السورية تحققت المخاوف الأسوأ للملايين، وبمساعدة من الهجمات الجوية الروسية الشرسة قامت قوات الحكومة السورية، وخلال الشهرين الماضيين، بالسيطرة على ثلث محافظة إدلب، ما أدى إلى تهجير أكثر من 900 ألف مقيم في المحافظة التي يسكن فيها 3.5 مليون نسمة، ودفعهم للتوجه إلى الحدود التركية، فيما يعيش أكثر من 800 ألف نسمة في ظروف قاسية ومخيمات مزدحمة".
ويرى فورد أن "الموجة الأخيرة من الرحيل هي الأكبر التي تحدث منذ بداية الحرب الأهلية السورية قبل تسعة أعوام، ولم تعد منظمات الإغاثة قادرة على مواجهة الأزمة الإنسانية، فيما تعاني المنطقة من شح الأدوية والغذاء، وأصبحت الخيام والبيوت العامة قرب الحدود التركية مزدحمة بالنازحين، وأجبر 170 ألف شخص على الإقامة في بيوت لم تكتمل بعد، وهناك من ناموا على قارعة الطريق والحقول في ظروف جوية تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، ما أدى إلى وفاة الاطفال الرضع والصغار".
ويقول الكاتب: "من الواضح ما سيحدث لهذه الأمواج البشرية من المدنيين لو استطاع جيش النظام السوري السيطرة على هذه المنطقة، حيث سيتم قتل أعداد كبيرة منهم أو سجنهم، وقامت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال) و(هيومان رايتس ووتش) والمفوضية الأوروبية بالتحقيق في سوريا بتقصي الحقائق بشكل مفصل في جرائم نظام بشار الاسد التي ارتكبت بحق المدنيين السوريين وحتى عمال الإغاثة، وعندما تصل قوات الأسد إلى الحدود التركية فإنه سيتم تقرير مصير هؤلاء اللاجئين الذين فروا إلى الحدود التركية، إلا في حال فتحت تركيا الباب لهم لدخول أراضيها".
ويستدرك فورد بأن "تركيا تواجه أزمة داخلية بسبب وجود 3.6 مليون سوري، وقد نفد صبرها، ولأنها لم تعد قادرة على استيعاب أعداد جديدة من اللاجئين على هذه القاعدة الكبيرة فإنها قامت بنشر قواتها في إدلب؛ أملا في ردع النظام ووقف تقدمه".
ويشير الكاتب إلى أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهد بدفع القوات السورية إلى المكان الذي كانت فيه قبل بداية الأزمة الحالية، إلا أن الطيران الروسي يتحكم في الأجواء السورية في غرب البلاد، وفي الوقت ذاته لا تريد أنقرة افتعال مواجهة مع موسكو في إدلب، ولن يقدم حلف الناتو، الذي تنتمي إليه تركيا، الدعم للقوات التركية العاملة خارج الحدود الوطنية، وقامت الطائرات الروسية والقوات السورية بتوجيه ضربات ضد المواقع التركية، ما أدى إلى مقتل 13 جنديا تركيا، وأرسلت تركيا تعزيزات عسكرية، لكن القوات التركية تصرفت بنوع من ضبط النفس النسبي، فسمحت للقوات السورية بالمرور من المناطق التي تسيطر عليها، بل منحتها الفرصة لحصارها".
ويلفت فورد إلى أن "بشار الأسد تعهد في 17 شباط/ فبراير باستعادة كامل إدلب، وتقوم قواته بالتقدم ثم التوقف ثم التقدم، بحسب الظروف، وفي ظل غياب المقاومة، ما سمح لها بالسيطرة على مناطق جديدة، وإن لم تستطع تركيا وقف تقدم قوات الأسد فإنها ستجد نفسها لا محالة أمام خيار فتح حدودها للاجئين السوريين، ولأنها لن تستطيع استيعاب أعداد جديدة منهم فإنها ستسمح للكثيرين منهم بمواصلة رحلتهم باتجاه أوروبا، وستكون الموجة الجديدة أكبر من تلك التي شهدتها أوروبا في عام 2015، التي فككت السياسة الأوروبية، وأدت إلى زيادة الدعم للجماعات اليمينية في عدد من بلدان القارة".
وينوه السفير إلى الخيار الأفضل، قائلا إن "الوجود العسكري التركي قد يمنح فرصة مؤقتة للراحة لمدينة إدلب، لكن الحكمة تتطلب خطة بديلة تكون جاهزة، والخيار الوحيد الذي يجنب أمريكا التدخل العسكري هو إنشاء منطقة آمنة تقام على الجانب السوري من الحدود التركية، ويقوم بحمايتها الجيش التركي من الصواريخ وأنظمة الدفاع التي تكون منصوبة على الجانب التركي من الحدود، ولو تقدم الطيران السوري من المنطقة الآمنة فسترد الدفاعات التركية، بشكل سيردع المقاتلات السورية عن التحليق قريبا من المنطقة الآمنة، وتوقف الطيارون السوريون عن التحليق في المناطق التي تستخدم فيها الجماعات الموالية لتركيا صواريخ أرض – جو، ولو لم يتم استخدام الطيران فإن المدفعيات التركية سترد على تقدم القوات السورية باتجاه المنطقة الآمنة، ومن هنا فإن المنطقة الآمنة ستكون بمساحة عشرة أميال يمكن للجيش التركي السيطرة عليها".
ويفيد فورد بأن "المنطقة الآمنة ليست فكرة جديدة، فقد تم طرحها عددا من المرات، وقد رفضتها إدارة باراك أوباما التي خدمت فيها، فالمشكلة الكبرى هي حماية المنطقة الآمنة ذاتها، وستحاول القوات السورية فحص قدرة دفاعات المنطقة الآمنة، ما سيؤدي إلى رد دفاعي تركي، ولو قام الطيران الروسي الذي يرافق الجيش السوري بضرب القوات التركية فعلى حلف الناتو تفعيل البند رقم 5 من ميثاق الحلف والدفاع عن القوات التركية المرابطة داخل أراضيها".
ويذكر الكاتب أن "هذا الالتزام موجود منذ انضمام تركيا إلى الحلف قبل 68 عاما، لكن انضمامها سيواجه الامتحان الأكبر الآن، خاصة أن الطيران الروسي وطيران النظام طالما خرقا الأجواء التركية، أو قام الجيش السوري بقصف الحدود عددا من المرات منذ عام 2014، ولم يحدث في تاريخ الحلف أن اندلعت حرب بهذه الكثافة إلى جانب حدود تمس سيادة الناتو".
ويشير فورد إلى أن "لدى تركيا نقادها الكثيرين في واشنطن وعواصم الناتو التي لم ترض عن شراء أنقرة النظام الصاروخي الروسي أس- 400 وبسبب سجلها في حقوق الإنسان وعدائها للأكراد السوريين".
ويستدرك الكاتب بأن "إدلب ليست هي المكان المناسب لتصفية الحسابات مع تركيا، وبعيدا عن الكارثة الإنسانية التي ستحدث، والموجة الكبيرة من اللاجئين التي قد تقوض استقرار أوروبا، فإن على الناتو الوقوف إلى جانب القوات التركية التي ستحمي المنطقة الآمنة".
ويقول فورد إنه "من أجل تخفيف إمكانيات المواجهة بين الناتو وروسيا فإنه يجب أن تكون رسالة الحلف وواشنطن واضحة: يجب على دول الناتو الاعتراف بأن المنطقة الآمنة هي جزء من سوريا، الذي ستتم إعادته لسيطرة الحكومة في حال تم التوصل إلى حل سياسي، ويجب على دول الناتو دعم العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة وتحظى بدعم الأمم المتحدة، وفي الوقت ذاته على الحكومة السورية التوقف عن السياسات القمعية التي تجبر الملايين على الرحيل إلى دول الجوار وخلق أزمة استقرار لها".
ويجد الكاتب أنه "إلى جانب حماية المنطقة الآمنة، فإنه يجب على تركيا وبالتعاون مع دول الناتو فحص الباحثين عن حماية وفصل الجهاديين عنهم وطردهم، فلا تريد الولايات المتحدة ودول الناتو حماية منطقة آمنة تسيطر عليها جماعة إرهابية، وسيقوم مجلس الأمن بإصدار قرار يشرع المنطقة الآمنة وإرسال مراقبين دوليين لفحص المهاجرين وقوات شرطة لحمايتها، وسيسمح القرار لعمال الإغاثة الإنسانية بالوصول إلى المنطقة".
ويؤكد فورد أن "قرار مجلس الأمن يحتاج لموافقة روسية، ولن تقبل موسكو دعم القرار دون حوافز، وعلى الدول الغربية تقديم تنازلات، مثل رفع بعض العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، خاصة تلك المتعلقة بتصدير النفط السوري، وإن خرق النظام السوري وروسيا المنطقة الآمنة فإنه يجب إعادة فرض العقوبات".
ويختم فورد مقاله بالقول إن "المنطقة الأمنة تبقى حلا مؤقتا لن يوقف تقدم القوات السورية تحت مظلة الطيران الروسي، فنصر عسكري سوري روسي ليس بعيدا، لكنه يعني تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى أوروبا، ويجب على أمريكا العمل مباشرة والتواصل مع روسيا حول شكل المنطقة الآمنة وفحص من سيلجأ إليها، وتحديد القواعد للطيران الروسي؛ حتى لا يتم إطلاق النار على الطائرات الروسية التي تخرق الأجواء التركية، وكذلك تعبئة دول الناتو الأخرى لدعم الخطط التركية في تنظيم مهام إغاثة إنسانية، ودعم المنطقة الآمنة، فالحملة القادمة للنظام السوري ستبدأ خلال أسابيع، وليس هناك وقت لتضييعه".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)