هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اشتعلت أمس الخميس، جبهة إدلب وزاد التوتر فيها بعد مقتل 33 جنديا تركيا، في استهداف جوي من قوات النظام السوري، ما دفع تركيا إلى تفعيل المادة الرابعة في حلف الناتو لعقد اجتماع طارئ له.
وقرر الحلف الاستجابة لطلب أنقرة، وعقد هذا الاجتماع لإجراء مشاورات، بموجب المادة الرابعة من ميثاق تأسيس الحلف.
وسبق أن أوضح بيان صحفي صدر عن مجلس الحلف، أنه "بموجب المادة 4 من معاهدة واشنطن المؤسسة لحلف شمال الأطلسي، يمكن لأي عضو أن يطلب التشاور، كلما رأى تهديدا لسلامته الإقليمية، واستقلاله السياسي أو الأمني".
اقرأ أيضا: هذه تحركات تركيا بعد مقتل جنودها.. واجتماع طارئ للناتو
ويثير الأمر تساؤلات حول ما قد تطلبه تركيا من حلف الناتو، وكذلك إن كان الحلف قادرا على التدخل في سوريا إلى جانب تركيا، وكيف يكون شكل التدخل.
شكل الدعم المطلوب
يرجح المختص في العلاقات الدولية علي باكير، أن تطلب تركيا مبدئيا دعما سياسيا، وذلك وفق ميثاق الحلف، مستدركا بالقول: "لكن إذا كان لا بد من التصادم مع روسيا، فسيكون هناك حاجة تركية لاستخدام كل الأدوات الممكنة لتحقيق التوازن مع موسكو، ومنها العلاقة مع أمريكا والناتو بطبيعة الحال".
وأشار باكير في حديث لـ"عربي21" إلى أن "أي دعم ممكن لتركيا جيد لمعادلة الكفة مع روسيا، لكن الناتو مطالب حاليا بإعلان تضامنه السياسي معها، وهي خطوة مهمة جدا في هذه المرحلة وبالطبع هي رسالة لموسكو أيضا".
وتساءل عن مدى التزام الناتو بدعم أنقرة في حال اتجهت الأمور إلى أبعد من وجود رسائل سياسية بين موسكو وأنقرة، معربا عن اعتقاده بأنه "لا توجد مؤشرات حقيقية على إمكانية مساهمة الناتو في دعم هجوم تركي من خلال معدات أو مشاركة أعضاء، لكن ربما يجري الحديث عن أصول دفاعية إذا لزم الأمر".
وأكد باكير أن "الأمر بالنسبة لتركيا لا يتعلق بالقوات، فهي لديها القدرة العسكرية الكافية لسحق نظام الأسد وحلفائه أيضا، لكن المشكلة هي في احتمالية تدخل القوة الجوية الروسية".
وتابع متسائلا: "عندها سيكون السؤال المهم، هل الناتو مستعد لمساندة أنقرة في حال تكرر سيناريو عام 2015؟"، ليرد: "لا أرى مؤشرات على ذلك حاليا، لكن في جميع الأحوال سيكون علينا الانتظار لنرى شكل التصعيد الحاصل".
فرض منطقة آمنة وحظر جوي
من جهته، قال المحلل السياسي حسام شاكر لـ"عربي21": "توجه تركيا لحلف الناتو ومحاولة تحريكه فيما يخص الأحداث الأخيرة في إدلب أمر مفهوم، وذلك لتعزيز موقفها ميدانيا والسعي لإعادة فرض منطقة آمنة، وربما أيضا ستناقش موضوع فرض حظر الطيران في الشمال السوري، وأيضا هي رسالة للجانب الروسي بأن أنقرة لديها أوراق تستطيع استخدامها".
وأشار إلى أن تركيا ستطلب منه محاولة فرض منطقة حظر جوي فوق الشمال السوري، مضيفا: "الموقف في إدلب يفرض على أنقرة خيارات ليست سهلة، وهي محدودة إلى حد ما".
أمريكا مساندة
وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية، وقوفها إلى جانب تركيا "الحليف في الناتو" مؤكدة أنها "قلقة للغاية" بعد الهجوم الذي استهدف القوات التركية في إدلب وراح ضحيته 33 جنديا تركيا.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: "نقف إلى جانب حليفتنا تركيا ونستمر بالدعوة إنهاء فوري لهذه الهجمات الشنيعة من نظام الأسد وروسيا والقوات التي تدعمها إيران، وكما فال الرئيس والوزير نحن ننظر لخيارات حول كيفية تقديم أفضل دعم لتركيا في هذه الأزمة".
اقرأ أيضا: أمريكا تتضامن مع تركيا.. وروسيا تنفي مسؤوليتها
موقف الناتو
في المقابل، لم يتبين إلى الآن موقف الناتو سوى ما ذكره في بيانه أمس، الذي أشار فيه إلى دعوته لعقد الاجتماع التشاوري الذي طلبته تركيا، مما يطرح سؤالا حول إمكانية دعم الحلف لتركيا عسكريا، أو الاكتفاء بإعلان التضامن السياسي كما أعلنت واشنطن.
يجيب على ذلك المحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكي جو معكرون، قائلا: "حلف شمال الأطلسي رفض سابقا التدخل لدعم تركيا في مواجهة القوات الكردية شرقي الفرات، من ثم فلا أعتقد أنه سيقدم لها دعما عسكريا أو سياسيا في المدى المنظور بملف إدلب، ولا أعتقد بأن لديه رغبة في التورط في حرب إقليمية".
ورجّح معكرون أن "تركيا لن تغامر بعلاقتها مع روسيا عبر استدعاء واشنطن أو الحلف الأطلسي، ولا العلاقات الأمريكية- التركية قوية لدرجة أن يتوفر هذا الدعم".
وحول الموقف الأمريكي في حال طلبت تركيا دعما، قال معكرون في حديث لـ"عربي21": "ما يهم إدارة ترامب هو أن تبتعد أنقرة عن موسكو وليس بالضرورة مصالح تركيا في سوريا"، متوقعا أن "يتمكن الأتراك والروس عاجلا أو آجلا من التوصل إلى صيغة ما، لوقف القتال الميداني في الشمال السوري".
من جهته، أشار المحلل السياسي إسماعيل خلف الله إلى أن "احتمالية تقديم الناتو وواشنطن دعما مباشرا لتركيا في حال تصادمت مع روسيا، ضئيلة".
ولفت خلف الله إلى أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائما ما ينتقد الدول التي لم تدفع الأموال للحلف، وخص تركيا بانتقاد لتدخلها العسكري في سوريا ضد الأكراد الذين قاتلوا تنظيم داعش إلى جانب الناتو، وهو الفعل الذي أغضب العالم حسب ترامب، كما أن هناك تصريحا سابقا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن حلف الناتو في حالة موت دماغي".
وتابع خلف الله في حديث لـ"عربي21": "هذه المواقف والتصريحات مؤشرات على أن حلف الناتو، لن يُرسل قوات دفاعية لمساعدة القوات التركية، في حال حدوث تصادم مع القوات الروسية".
وعبّر عن اعتقاده بأن "الناتو يعد تدخل تركيا عسكريا في سوريا ضد القوات الكردية خطأ فادحا، بل يعدونه جرما، ومن ثم فإن وقوفهم معها أمر مستبعد، على الرغم من تصريحات أمريكية هنا وهناك، تقول بأن واشنطن ستقف إلى جانب تركيا".
الناتو وروسيا
واتفق خلف الله مع معكرون في أن أي تصادم للناتو مع روسيا مستبعد، مضيفا أنه "ليس من مصلحة الطرفين حدوث ذلك، وإن كانت تركيا تعرضت لإهانة من خلال هجوم جيش النظام السوري، لكن تبقى هذه الأحداث عبارة عن مناورات روسية تركية، وليس من مصلحة الطرفين أن يحدث هذا التصادم لما بينهما من اتفاقيات متعددة"، وفق تقديره.
بدوره، قال المختص بالشأن الأوروبي حسام شاكر: "الناتو غير معني بالدخول في مواجهة في الشمال السوري خاصة على الجبهة التركية السورية، وذلك لأن أعضاءه غير متفقين على هذا الملف، وهناك أيضا تباين في المواقف بين بعضهم والجانب التركي حول الشأن السوري، حيث لاحظنا في الخريف الماضي كيف تصاعدت النبرة الفرنسية المعارضة للحضور التركي في المنطقة".
ولفت إلى أنه "من غير المضمون أن تنتزع تركيا ما تريده من هذا الاجتماع، ولكنها معنية في هذا الظرف المتدحرج أن تجمع وتحشد أوراقها بشكل جيد وسريع لكي تعيد موازنة الموقف".
وأكد أن مشاركة الناتو في إدلب إلى جانب تركيا أمر مستبعد، وفي العادة مشاركته في مثل هذه المواقف تتخذ أشكال مختلفة، فمثلا تأخذ طابع التعزيز الدفاعي فقط".
وحول إمكانية فرض حظر جوي قال: "هذا الخيار ليس سهلا، فروسيا معنية بأن تبقى لها الكلمة العليا في الميدان السوري، وستحرص على درء حضور الناتو في المشهد السوري".
وخلص بالقول: "من ثم سيبقى الأمر الحاسم هو تجديد التفاهمات التركية الروسية، وربما تحاول تركيا تحسين شروطها التفاوضية مع الجانب الروسي من خلال استدعاء ورقة الناتو، ولكن الأمر سيبقى رهن التفاعلات المتدحرجة في الميدان".