قضايا وآراء

دلالات اعتذار علاوي عن تشكيل الحكومة!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
لقاءات وتحرّكات مكّوكية ليلاً ونهاراً ولأكثر من شهر أفضت إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة.. هذه باختصار نتيجة تحرّكات محمد علاوي، رئيس الوزراء المكلّف، والكتل الداعمة له لتشكيل الحكومة العراقيّة الجديدة بعد استقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الحكومة.

في ساعة متأخّرة من يوم الأحد (الأوّل من آذار/ مارس)، أعلن علاوي اعتذاره عن تشكيل الحكومة، بعد إخفاق البرلمان في منح الثقة له ولحكومته عبر عدم اكتمال النصاب القانونيّ للجلسة.

واتّهم علاوي في تغريدة على تويتر بعض "الجهات السياسيّة"، التي لم يسمّها، بأنّها ليست جادّة بالإصلاح، وبأنّها "وضعت العراقيل أمام ولادة حكومة مستقلّة تعمل من أجل الوطن"!

اعتذار علاوي يحمل في طياته عشرات الدلالات، لكنّنا سنحاول تسليط الضوء على أهمها:

- تنامي المناحرات بين الكتل الحاكمة لدرجة حرجة لم تصل إليها سابقاً، وبروز حالة انقسام كبير داخل الكتل "الشيعيّة" الكبرى، وفي مقدّمتها قائمة الفتح، بزعامة هادي العامري، وهذا مؤشّر واضح على بداية تفتّت البيت الشيعيّ، المُسيطر على الملفّات السياسيّة والأمنيّة في العراق منذ العام 2004.

- ظهور القوى الحاكمة على حقيقتها، وأنّها، وبحسب خطاب علاوي، غير جادّة في الإصلاح، ومنشغلة بالبحث عن مصالحها الحزبيّة والشخصية بعيداً عن تطلّعات الجماهير وأحلامها!

- وضوح ضعف التيّار الصدري، وضياع "هيّبته" وتأثيره في الميادين السياسيّة والبرلمانيّة والشعبيّة، بدليل أنّ مقتدى الصدر قد حثّ القوى السياسيّة على ضرورة التصويت لحكومة علاوي خلال مدّة أقصاها نهاية الأسبوع الماضي، لكنّ دعوته ضاعت نتيجة هبوط "بورصة" تيّاره لدى غالبيّة الكتل السياسيّة والشعبيّة.

- فشل محاولات ترقيع الخرق الكبير داخل البرلمان، وكانت هنالك محاولات حثيثة لإقناع القوى البارزة للتصويت لعلاوي، لكن دون جدوى. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها رئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس هيئة الحشد الشعبيّ فالح الفياض، لإقناع القيادات الكرديّة بالتصويت لعلاوي، إلا أنّ جهودهما لم تُثمر عن أيّ تطوّر يذكر، وعادا من أربيل بخفيّ حنين.

- تغيّر الخطاب السياسيّ في عموم البلاد، وميّله إلى الحديث عن الوحدة الوطنيّة بعد أن كان في الماضي القريب، في غالبيّته، خطاباً مشوهاً طارداً للآخرين.

- فُتور سياسة خلط المفاهيم، واستخدام الدين والمظلوميّة للاستمرار في الحكم، وذلك نتيجة الوعي الكبير لدى الشارع العراقيّ.

- ضرب الدستور العراقيّ من قبل القوى السياسية التي وقعت عليه، بدليل أنّ المادّة 81 (أولاً) من الدستور تنصّ: "يقوم رئيس الجمهوريّة، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأيّ سببٍ كان"، بينما هم يحاولون، حتّى الساعة، الإبقاء على رئيس الوزراء المستقيل عبد المهدي لأطول فترة ممكنة، وهذا يخالف الدستور!

- ضمور التدخّل الأجنبيّ في الضغط على الكتل السياسيّة الواقعة أصلاً تحت ضغط المتظاهرين، ممّا يفتح الباب واسعاً لبداية مرحلة وطنيّة خالصة.

- ضعف سطوة المليشيات في الساحة العراقيّة، على الرغم من عشرات الاغتيالات التي طالت الكثير من الناشطين.

- تراجع الخطاب الطائفيّ في المجتمع، وفي عموم وسائل الإعلام، بما فيها تلك القنوات التي كانت تتباهى بسمومها الطائفيّة، لأنّها اضطرّت لركوب موجة الخطاب الجديد في البلاد.

- وضوح خطاب الشباب وارتفاع صوتهم بضرورة بناء دولة المواطنة، بعيداً عن التقسيمات والتفريعات الطائفيّة والعرقيّة والقوميّة.

- استمرار حالة الصمود الشعبيّ رغم ارتفاع فاتورة التضحيات في صفوف شباب الوطن.

- وقوع كافّة الشخصيّات والقوى الحاكمة تحت ضغط المظاهرات لإيجاد شخصيّة مقبولة من الجماهير، وأن يكون ضمن المواصفات والشروط التي أعلنها شباب العراق، وإلا فإنّ مصيره سيكون كمصير سابقيه، عبد المهدي وعلاوي.

هذه الدلالات الواضحة تقابلها ثورة شعبيّة لن تتوقّف إلا ببناء دولة المواطنة، الحارسة لطموحات المواطنين، والساعية لتحقيق آمالهم والمحافظة على حياتهم وصحّتهم ومستقبلهم. وعند هذه النقطة يمكن أن ننطلق معاً لنبني الوطن، ولتستمرّ رحلتنا على هذا الكوكب في حياة هانئة بعيداً عن القتلة والمجرمين!
التعليقات (0)