هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اعترف
التقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر (حكومي) بوجود تعذيب تمارسه
السلطات المصرية، داعيا لتعديل تجريم التعذيب وسوء المعاملة في قانون العقوبات بهدف
تغليظ العقوبات على المدانين بارتكاب جريمة التعذيب. وأقر في الوقت ذاته بوجود تقييد
وتضييق على الحريات العامة في البلاد.
ودائما
ما تنفي السلطات المصرية وجود تعذيب يحدث بحق المعتقلين والسجناء سواء داخل السجون
أو مقار الاحتجاز، وتزعم من وقت لآخر أن الحريات غير مسبوقة في عهد رئيس الانقلاب
عبدالفتاح السيسي.
وأوضح
التقرير، الذي يُغطي الفترة من أيار/ مايو 2018 حتى تموز/ يوليو 2019، أن الفترة التي
رصدها شهدت وقوع انتهاكات وتضييقات رغم ما وصفه بالمعالجات وتدابير المحاسبة المتخذة،
ومنوها إلى أن "هناك فئات كثيرة من الضحايا لا تنطبق عليهم صفة المتهم، مثل المشتبه
بهم أو أقارب المتهمين الذين يُستغلون للضغط على المتهم".
ولفت
تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى أن "هناك أماكن احتجاز غير خاضعة لأي إشراف
من جانب السلطات القضائية، مثل مستشفيات الأمراض العقلية"، مشدّدا في الوقت نفسه
على "ضرورة استقلالية الطب الشرعي في ضوء دوره الحاسم في توجيه قضايا التعذيب
وتزويده بالإمكانيات التي يحتاج إليها للنهوض بمسؤولياته".
وأكد
أن "الحريات العامة في البلاد تعرضت لتضييق المجال العام خلال العامين 2016 و2017،
من خلال تدابير وإجراءات ذات طبيعة تقييدية أوجدت إحساسا عاما بتراجع هامش الحريات
على نحو كبير، ورغم اتخاذ عدد من الخطوات المهمة لمعالجة هذه الإشكاليات، ومن أهمها:
تعديل قانون التظاهر، وإصدار قانون الجمعيات الأهلية، وتعديل قانون النقابات، وتشكيل
المؤسسات الإعلامية، إلا أن البلاد بحاجة إلى مزيد من الإجراءات والتطبيقات تؤكد إرادة
معلنة للدولة بإفساح المجال أمام حريات التعبير والتجمع والتنظيم، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات
الانتخابية لمجلس النواب ومجلس الشيوخ والتمهيد لانتخابات المجالس المحلية".
وبشأن
حرية الرأي والتعبير، أكد التقرير أن "الإجراءات المتخذة من جانب المجلس الأعلى
لتنظيم الإعلام تميل إلى تقييد الحريات، خاصة ما تجلى في لائحة الجزاءات التي وضعها
المجلس، وتضمنت تعبيرات فضفاضة تتيح إمكانية سحب التراخيص ومنع البث والحجب للمؤسسات
الإعلامية والمواقع الإلكترونية، وتدابير تفرض نوعا من الرقابة غير الصحية على ما يُتداول،
واتخاذ إجراءات عملية في تفعيل ذلك من خلال حجب بعض الصحف والمواقع الإلكترونية".
اقرأ أيضا: مطالب أممية بالإفراج عن 4 أحداث يواجهون عقوبة الإعدام بمصر
وانتقد
تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عدم إصدار قانون حرية تداول المعلومات، مؤكدا أنه
وعلى الرغم من توافر مشروعين للقانون فلم يُنظر أي منهما من جانب مجلس الوزراء، كما
لم يُطرح أي مشروع آخر على مجلس النواب، مما يشكل فجوة كبيرة في توفير مقومات حرية
الرأي والتعبير.
وقال
إنه رغم ما وصفها بالمنجزات والمكتسبات المهمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي،
لاسيما معالجة الأعباء الاجتماعية الهائلة، فلايزال هناك العديد من الاختلالات المرتبطة
بتحديات تراكم تركة الماضي من ناحية، وتقديم مفهوم النمو الاقتصادي على أولويات التنمية
الاجتماعية من ناحية أخرى، والتأخر في إجراء الانتخابات المحلية التي تتيح فرصة تعزيز
مشاركة المرأة والشباب وذوي الإعاقة وتنمية الحياة السياسية في البلاد.
وبشأن
الوفيات نتيجة التعذيب في مقار الاحتجاز، أكد التقرير أن المجلس تلقى عددا من شكاوى
التعذيب، مشيرا إلى أنه بجانب تقدير المجلس الإيجابي للجهود المبذولة في السنوات الأربع
الأخيرة في مجال ردع المتهمين بجرائم التعذيب وسوء المعاملة بصفة عامة ومحاسبتهم، فقد
عبّر المجلس عن قلقه إزاء تراجع العقوبات المقضي بها بحق المدانين بجرائم التعذيب التي
خلصت إليها بعض المحاكمات منذ نهاية العام 2018.
وجدّد
التقرير دعوة المجلس القومي لحقوق الإنسان للسلطات المصرية إلى "تعديل تجريم التعذيب
وسوء المعاملة في قانون العقوبات بهدف تغليظ العقوبات على المدانين بارتكاب جريمة التعذيب،
وعدم جواز استخدام الرأفة للهبوط بمستوى العقوبات، وضرورة تنفيذ العقوبات التبعية التي
تقضى بعزل الموظف العام من وظيفته حال الإدانة".
وأكد
التقرير، الذي يستعرض حالة حقوق الإنسان، من خلال 4 فصول رئيسية، وهي الإطار القانوني،
الحقوق المدنية والسياسية، الحريات العامة، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة
إلى التوصيات النهائية، أن "تيرة تفعيل الالتزامات بحقوق الإنسان المدنية والسياسية
مازالت دون المأمول".
وزعم
أن "البلاد شهدت خلال الفترة التي يغطيها التقرير تطورات مهمة على صعيد تعزيز
حقوق الإنسان، خاصة على طريق الامتثال للالتزامات الدولية، وتفعيل الضمانات الدستورية،
وتعزيز البنية المؤسساتية، وتكثيف المحاسبة على الانتهاكات، وتفاعل سلطات الدولة بصورة
إيجابية مع جماعات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة".
كما
زعم التقرير أن "الدولة كثفت جهودها في المجال التنموي على نحو خاص، وأولت اهتماما
لافتا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحققت تقدما ملحوظا ومنجزات مهمة
في المجالات الاجتماعية والتنموية، وعلى صعيد تمكين المرأة والشباب وذوي الإعاقة".
وذكر
أن "تحديات الإرهاب وتداعيات الاضطراب الإقليمي تُلقى بصعوبات متنوعة على مسيرة
التقدم في تفعيل حقوق الإنسان بمختلف فئاتها، ورغـم الخطوات الإيجابية الملموسة في
مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فلاتزال وتيرة تفعيل الالتزامات بحقوق الإنسان
المدنية والسياسية دون المأمول"، مُعترفا بأن الفترة التي رصدها التقرير شهدت
وقوع انتهاكات وتضييقات رغم المعالجات وتدابير المحاسبة المتخذة.
وأضاف
أن "الإرهاب يمثل تحديا رئيسا أمام حماية الحقوق الأساسية واحترامها خلال الفترة
التي يغطيها التقرير، فقد استمرت الاختلالات بين احترام حقوق الإنسان وجهود مكافحة
الإرهاب تشكل فجوة أساسية أمام الجهود المبذولة للتقدم في ملف حقوق الإنسان، بالإضافة
إلى التحديات التقليدية الأخرى".
وقال:
"رغم برامج الحماية الاجتماعية الممنوحة للطبقات الأشد فقرا ولضمان توفير دخل
للأسر معدومة الدخل ومحدودة الدخل وتعزيز حجم الدعم العيني عبر دعم رغيف الخبز والسلع
التموينية فقد شكل ارتفاع أسعار المحروقات عامل ضغط إضافي على الفئات الأشد فقرا لتأثيره
في ارتفاع استخدامات الطاقة والنقل وتأثيره المنعكس على أسعار السلع"، مؤكدا
أن إجراءات الحماية الاجتماعية المكثفة التي اتخذتها الدولة بتوفير العيش الكريم للمجتمع
ليست على النحو المأمول.
وأردف:
"بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار المحروقات وتكلفة الخدمات الأساسية شكّل عاملا
ضاغطا على فئات الطبقة المتوسطة، خاصة الفئات غير المشمولة في منظومة الدعم، لاسيما
أنها تتحمل بصفة رئيسة تكلفة خدمات الصحة والتعليم عبر القطاع الخاص، وتسهم بالحصة
الأكبر في حصيلة الضرائب العامة بصور جماعية وفردية".
وفي
مقدمة التقرير، أكد رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد فائق، أن "هناك العديد
من الخطوات الإيجابية حيث واصلت الدولة تنفيذ برنامجها الإصلاحي للتنمية وتعزيز الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبرامج الحماية الاجتماعية، إلا أنه وعلى النقيض
وبالانتقال من مسار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى مسار الحقوق المدنية والسياسية
عكس التقرير مشهدا مختلفا تتجاذبه رؤى الأمن ومقتضياته ورؤى الحريات ومعاييرها على
خلفية تحديات الإرهاب ومكافحته، والاضطراب الإقليمي وانعكاساته، والتربص الدولي وأطماعه".
وأضاف
فائق: "التقرير عبّر عن قلق المجلس من إحالة بعض المدنيين إلى المحاكم العسكرية
بدلا من المثول أمام قاضيهم الطبيعي، وتبرير ذلك بالظروف الاستثنائية التي تمر بها
البلاد وتقضي بمسؤولية القوات المسلحة عن حماية بعض المنشآت، وظروف الإرهاب، واستنادا
إلى التعديلات التي أُدخلت على القضاء العسكري".
وأوصى التقرير بعدد من التوصيات الجوهرية لسد الفجوات
التشريعية وأوجه القصور في التصدي لجرائم التعذيب، من أبرزها: إدخال تعديلات تشريعية
على مواد قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقانون السجون، فيما يتصل بتعريف
جريمة التعذيب على نحو ما أوردت اتفاقية مناهضة التعذيب، وكذا أحكام محكمة النقض.