قد يحمل اتهام النظام
السوداني السابق بالتورط في
محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله
حمدوك شيئا من العمق، لكن الأعمق منه توجيه أصابع الاتهام إلى المستفيد من توجيه تلك الأصابع لهذا النظام الراحل.
فمن يوجه الاتهامات سيخلق بلا ريب انقساما مجتمعيا حادا في هذا البلد، من خلاله وصم قطاع عريض من الشعب بالارهاب، ما يعني ضرورة مواجهته بذات السلاح، وبالتالي عليه أن يتخير ما بين الإبادة أو الإقصاء.
وهي ذات الاتهامات التي حاولت سلطة الجار الشمالي للسودان أن تواجه بها جزءا كبيرا من الشعب، وبررت من خلالها تكميم الأفواه والحريات، واستباحة الدماء، وجرّمت حقهم المشروع في المواطنة والتعبير والاحتجاج والتظاهر، مستظلة بشعارات زائفة، بدأتها من الإرهاب المحتمل حتى وصلت للمعركة التي لا يجب أن يعلو صوت فوق صوتها.
والقول بأنه من مصلحة النظام القديم تخريب المسار الديمقراطي للسودان أملا في العودة للحكم، هو في الواقع قول يحمل قدرا من السذاجة؛ لأن أوضاع السودانيين الاقتصادية في ظل النظام الجديد لم تختلف كثيرا عن حالها في ظل النظام القديم، بل إنها ساءت بشكل كبير دون أن يكون للبشير والأحزاب الإسلامية أي تدخل فيها.
يحدث هذا السوء رغم تدفق المعونات والمنح والقروض على الحكومة الجديدة من القوى الخليجية الراغبة في ضم الخرطوم لأحلاف اقليمية معينة، ورغم رفع قسم كبير من العقوبات الأمريكية والأوروبية عن السودان، وهي العقوبات التي كبلت نظام
البشير وأوصلت الوضع الاقتصادي إلى حد الثورة عليه.
كما أن تحميل النظام السابق مسؤولية الانهيار الاقتصادي في السودان (رغم مساوئه التي لا تعد ولا تحصى) فيه تحامل كبير عليه، لأنه أصلا لم يتسلم السودان واحة خضراء فبوّرها، لكنه تسلمها من سابقيه، وهم كثر، على هذا الخراب، فأهمل فيها كما سيهملها من يحكمون الآن.
شيطنة الإسلاميين
وعلى غرار ما حدث في شمال الوادي من ظهور، حركات وجماعات لم يسمع بها ولا بنشاطها الشارع المصري قط سوى بعد انقلاب 2013، حدث في جنوبه، وخرجت بيانات من جهات غير معروفة من قبل تعلن تحملها المسؤولية عن التفجير. والغريب أن جميعها تحمل مسميات أو شعارات ذات طابع إسلامي، منها مثلا "حركة الشباب الإسلامي السوداني- طالبان" و"داعش السودان".
كما ترافق مع الدقائق الأولى للهجوم، إسراع أحزاب وجهات وشخصيات مشاركة في الائتلاف الحاكم بإدانة حزب البشير واتهامه بالتورط في الحادث، رغم عدم وجود أي دلائل توحي بذلك، واستباقا لأي تحقيقات.
وهذا يوحي بأن الهدف هو شيطنة الحركات والأحزاب الإسلامية السودانية، رغم أنها نفت علاقتها بالحادث جملة وتفصيلا، وسارعت للتعبير عن إدانته في اللحظات الأولى، فضلا عن أنها الأحرص على ألا يتكرر المشهد المصري في السودان.
واللافت أن صحف وفضائيات الإمارات والسعودية ومصر دون سواها، اهتمت بالحادث اهتماما كبيرا، وتوجهت بـ"ربطة معلم" باتهام الإخوان في تدبير الحادث، داعية لسرعة تصفيتهم من المجتمع السوداني.
الرابح والخاسر
في الواقع هناك فئات كثيرة ستستفيد من الحادث، وفي المقابل هناك جهة واحدة تضررت بشدة منه.
أول المستفيدين من الحادث، هي تلك الدول التي تناصب الإسلام السياسي العداء، وتحاول أن تقصيه من السودان، وأن توجد لنفسها موطئ قدم ينافس الوجود التركي في جزيرة سواكن والصومال، لا سيما في هذا البلد صاحب السواحل الهائلة على البحر الاحمر، والمعبر الحيوي لأدغال أفريقيا، والأراضي الزراعية الوفيرة. وفي مقدمة هؤلاء الإمارات والسعودية ومصر.
ثاني المستفيدين، هي القوات المسلحة التي تم إرغامها عبر المظاهرات والمسيرات وتردي الحالة الاقتصادية وغيرها على القبول بمشاركة القوى المدنية في الحكم، وهذه القوات بحاجة لتبرير العودة للقبضة الحديدية تدريجيا حتى يتسنى لها في نهاية المطاف الإطاحة بحلفائها المدنيين، على غرار ما حدث في مصر.
ولا ننسى أيضا أن هناك عدة محاولات انقلابية نفذتها جهات في الجيش في وقت سابق، لكنها فشلت.
ثالث تلك الجهات هي التيارات ذات الطبيعة الراديكالية في القوى المدنية، كالأحزاب الشيوعية والعلمانية والتي تريد صبغ أيديولوجيتها على الحكومة، وهي بالمناسبة من أكثر الكارهين للتيار الإسلامي.
يأتي رابعهم الحركات المسلحة في السودان، وهي كثيرة وقادرة على تنفيذ أجندتها بقوة السلاح.
ورغم كل ذلك، فإن البعض يحلو له تحميل حزب البشير المسؤولية رغم أنه هو الخاسر الأكبر من سلوك هذا المسلك، وأن زيادة معاناة الناس جعل البعض يترحم على أيامه، على غرار ما حدث في مصر.