هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا، تقول فيه إن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، اختار عطلة نهاية الأسبوع عندما كان العالم منشغلاً بفيروس كورونا لتأكيد مكانته في الداخل والخارج.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ابن سلمان ضرب أسواق النفط، لكن القصة الحقيقية وراء هذا القرار أنه قام وخلال 24 ساعة بشن حرب أسعار مع روسيا، وهمش منافسا له، وقوى من موقعه في داخل المملكة.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذا التحرك على المسرح الدولي والمحلي كان في طور التنفيذ منذ عدة أشهر، ففي الوقت الذي كانت تخطط فيه السعودية العام الماضي لطرح أسهم من شركة النفط السعودية، وتعاونت مع روسيا لتحديد إنتاج النفط، والحفاظ على أسعاره في مستوى مرتفع، فإن الشراكة كانت تترنح، وقادت إلى الاكتتاب العام في الأسابيع الأولى من كانون الأول/ ديسمبر، وقام محمد بن سلمان بحملة قمع ضد منافسيه في الرياض.
ويفيد التقرير بأن ذروة هاتين الخطتين تكشفت بشكل واضح يوم الجمعة، عندما قام عناصر أمن ملثمون باحتجاز عدد من الأمراء البارزين، وفي يوم السبت عندما تخلى ولي العهد عن التحالف مع روسيا، وقرر إغراق أسواق النفط بالنفط الخام الرخيص، فيما رد المستثمرون بتخفيض أسعار الأسهم.
وتعلق الصحيفة قائلة إنه "ليس من الواضح إن كان تحركا الأمير مترابطين، خاصة أن الحكومة السعودية لم تقل شيئا عن الاعتقال، إلا أن ما هو واضح هو اختيار ولي العهد، الذي يعد واحدا من أقوى الرجال في الشرق الأوسط، نهاية الأسبوع والعالم منشغل بانتشار فيروس كورونا وتراجع الأسواق ليعزز من موقعه في الداخل والخارج، موطدا مكانته داخل المملكة، ومظهرا قدرته على استخدام نفوذها على أسواق النفط لتحقيق أهدافه السياسية".
ويبين التقرير أن ولي العهد استعرض بهذه الطريقة عضلاته في السوق العالمية، بطريقة لم تقم بها السعودية منذ أربعة عقود، ومنذ استخدام الملك فيصل عام 1973 سلاح النفط ضد الغرب، كما يقول الزميل في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، عادل حميزة.
وتنقل الصحيفة عن كريستين سميث ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، قولها: "من المنطقي النظر إلى هذه الاعتقالات الملكية في سياق انهيار المفاوضات حول النفط مع روسيا"، وأضافت أن "ولي العهد كان يدرك أن الأمور ستتعقد من الناحية الاقتصادية، ويريد التأكد من أن الجميع يتبنون الرأي ذاته قبل التحديات الجديدة، فهو يريد موارد إضافية".
ويورد التقرير نقلا عن عن العارفين بعملية اتخاذ القرار في المملكة، قولهم إن ولي العهد تجاوز رأي وزير النفط الحالي، أخيه، عندما بدأ حرب أسعار نفط، مشيرا إلى أن السفارة السعودية في واشنطن رفضت التعليق أو تسهيل عقد لقاء مع وزير النفط عبد العزيز بن سلمان أو مع ولي العهد، فيما لم يرد ممثل عن الديوان الملكي على أسئلة الصحيفة.
وتقول الصحيفة إن الأمير محمد بن سلمان قام بتخفيف القيود الاجتماعية في محاولة لتنويع الاقتصاد، لكنه قام في الوقت ذاته بتهميش المعارضين له وسجنهم، وقام عملاء تابعون له بقتل الصحافي جمال خاشقجي مع انه ينفي أي علاقة له بالجريمة.
وينوه التقرير إلى أن طرح شركة "أرامكو" العام كان من أهم الخطوات في خطة التنويع، لكن المستثمرين لم يرضوا عن هذا الاكتتاب الذي كان أكبر اكتتاب في العالم، وجمع 25.6 مليار دولار، وزاد من قيمة الشركة إلى 1.7 تريليون دولار؛ لأنه تم في السعودية وليس في سوق مالية عالمية كما تم التخطيط له في البداية.
وتشير الصحيفة إلى أن حملة الجمعة كانت بمثابة استمرارية لعملية الاعتقال الإجباري لمحمد بن نايف الذي فرضت عليه قيود بعد الإطاحة به من ولاية العهد في حزيران/ يونيو 2017، لافتة إلى أن ابن نايف بالإضافة إلى أحمد بن عبد العزيز، عم ولي العهد الحالي، يعدان من أكبر منافسي محمد بن سلمان.
ويورد التقرير نقلا عن مقربين من ابن نايف، قولهم إن ولي العهد الحالي وضع ابن عمه تحت الإقامة الجبرية، لكن سمح له في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بالتنقل بين بيته في الرياض وفي الصحراء وحضور المناسبات العائلية، إلا أنه تم تجميد حسابه المصرفي، وأصبح الأمير، الذي كان قويا وعلى علاقة مع المخابرات الأمريكية، متجهما وكثير الشكوى.
وتفيد الصحيفة بأن رجال محمد بن سلمان راقبوا ابن نايف ونقلوا تذمره إلى سيدهم، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر زار ابن نايف عمه، أصغر أشقاء الملك سلمان، أحمد بن عبد العزيز، واشتكى له قائلا إنه تم "تجويع" زوجته وبناته بعد تقييد الرواتب المقدمة وحصصهن، مشيرة إلى أن تذمرا كهذا في داخل السياسة السعودية المشحونة قد يكون مؤججا للنار، فقد قطع ولي العهد رواتب عائلة ابن نايف، وصادر أرصدتها، ومنعها من السفر.
ويذكر التقرير أن ابن نايف تلقى في تشرين الثاني/ نوفمبر مكالمة طلبت منه زيارة الحرس الوطني، وإن لم يفعل فإن عليه مواجهة التداعيات، بحسب أشخاص على علاقة به، إلا أن ولي العهد السابق تجاهل المكالمة، وبعد أيام داهم الحرس الوطني قصره، واعتقلوا عددا من موظفيه المقربين، من بينهم مساعدوه والعاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات ومن بقي لديه من حرس، وصادروا أجهزة إلكترونية، واعتقلوا موظفين غير سعوديين، وقاموا ببناء سياج حول مهبط الطائرة المروحية لابن نايف خوفا من هربه.
وبحسب الصحيفة، فإن الحرس الوطني حقق مع الموظفين حول خطط ابن نايف للهروب، أو أنه كان يخطط لانقلاب، وأفرج عن الموظفين أما الحرس الخاص فتم نقلهم إلى مسؤولين في الديوان الملكي، مشيرة إلى أنه عندما اعتقل الأمير أحمد، الذي يقول أشخاص على معرفة بالعائلة إن أفرادا منها لا يتفقون مع محمد بن سلمان يعتقدون بأحقيته بالملك، فإنه كان قد عاد من رحلة صيد.
ويستدرك التقرير بأن توقيت الاعتقالات يظل محيرا، فلم يكن محمد بن نايف أو أحمد بن عبد العزيز يعتقدان أنهما عرضة لخطر الاعتقال، إلا أن وزيرا في الحكومة، واسمه مساعد العيبان، اتصل مع أفراد العائلة وأخبرهم بأن الأميرين اعتقلا بشبهة الخيانة، مشيرا إلى أن قرار العائلة للتحرك ضد الأميرين جاء على فرضية انشغال العالم بفيروس كورونا، ولذلك فإن اعتقالهما لن يؤدي إلى ضجة دولية.
وتذكر الصحيفة أن المفاجأة الثانية لولي العهد كانت حرب الأسعار مع روسيا، وهو الأمر المرتبط بقلقه الدائم من انخفاض سعر النفط، ما اضطر الحكومة للاقتراض لتسد العجز في الميزانية، لافتة إلى أن طرح أرامكو العام كان محاولة من الحكومة لتوليد المال، لكن أسعار النفط المنخفضة جعلت من الأسهم أقل جاذبية.
ويلفت التقرير إلى أن السعودية حصلت على معونة من التحالف مع روسيا لتخفيض الإنتاج والحفاظ على أسعار النفط في مستوى مقبول، وقد ساعد هذا التحالف في الطرح العام لأرامكو نهاية عام 2019، لكن روسيا أظهرت رغبة في زيادة الإنتاج من أجل دفع اقتصادها، مشيرا إلى أن ولي العهد طلب من والده الاتصال مع فلاديمير بوتين والطلب منه تخفيض الإنتاج، وفي البداية تعلل بوتين بالانشغال، ما اعتبر تجاهلا للملك، وعندما تمت المحادثة في 3 شباط/ فبراير، وعد بوتين بالتعاون لكنه لم يقدم التزاما.
وتفيد الصحيفة بأن السعوديين والروس حاولوا عقد علاقة قوية وتحالفا طويل الأمد، وبموجب هذا السياريو فإن السعودية كانت ستزيد من الاستثمار في روسيا، والتعاون في سوريا، إلا أن محمد بن سلمان تردد في تقوية العلاقات بطريقة تغضب الأمريكيين.
وينقل التقرير عن ممثل روسي لاجتماع منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط "أوبك"، قوله إن بلاده لن تعقد صفقة لأنها لم تقيم بعد أثر فيروس كورونا على الطلب العالمي للنفط، إلا أن ولي العهد كان يتوقع صفقة، وبحسب شخص مطلع فإن "الأمور هنا بدأت تبدو سيئة للكثيرين منا".
وتقول الصحيفة إن الوضع تطور عندما حاول وزير النفط السعودي الضغط، يوم الخميس، باتجاه خفض الإنتاج لمدة 3 أشهر، إلا أن ولي العهد رفض، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي كان يحاول فيه الضغط على منافسيه في الداخل فإنه أراد في الوقت ذاته الضغط على الروس مطالبا إياهم بخفض كبير للإنتاج، وعندما لم يستجب الروس، فإنه أخبر عددا من الوزراء السعوديين بالتحضير لسيناريو لن يتم فيه توقيع عقد لا يشمل على خفض للإنتاج، رغم ما تعانيه السوق العالمية من تراجع للطلب بسبب فيروس كورونا.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول سعودي مطلع، قوله: "كانت الرسالة التي يريد السعوديون تقديمها للروس هي إما أن توافقوا على التخفيض أو لا توافقوا"، إلا أن الروس صمدوا، وعلق عضو في وفد لـ"أوبك"، قائلا: "لا أعلم بماذا كان يفكر السعوديون عندما مارسوا هذا النوع من الضغط على بوتين"، وأضاف: "كان هذا بمثابة انتحار كبير ونتيجته كارثية".
وتنوه الصحيفة إلى أن السعوديين قرروا في يوم السبت زيادة الإنتاج بدلا من خفضه، وكما قال مسؤول سعودي بارز، فإنه "كان إعلانا سعوديا للحرب على بوتين"، مشيرة إلى أنه في غضون ساعات طلب الديوان الملكي من وزارة المالية تحضير ميزانية تتعامل مع وضع يصل فيه سعر برميل النفط برنت إلى ما بين 12- 20 دولارا، وخافوا أن يؤدي خفض النفقات إلى تدمير الاقتصاد السعودي، الذي تأثر بعد منع العمرة والزيارات لمكة والمدينة.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن الديوان الملكي السعودي بدأ في الإفراج عن محمد بن نايف والأمراء الذين اعتقلوا في الحملة الأخيرة، بالإضافة إلى نشر صور تبدد الشائعات حول صحة الملك.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)