هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأكاديمي كريس ميلر، يقول فيه إن انهيار أسعار النفط يشكل تهديدا وجوديا للدول من نيجيريا إلى إيران، حيث تعتمد الحكومات على الثروة النفطية لاستقرار السلطة ولدفع التكاليف المختلفة.
ويشير ميلر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الانهيار الأسطوري لأسعار النفط، الذي تسببت به روسيا والسعودية الأسبوع الماضي، فيه رابحون وخاسرون واضحون؛ الرابحون: أي شخص يملك سيارة وبلدان مثل الصين والهند واليابان، التي تملك القليل من الموارد النفطية الخاصة بها، والخاسرون: روسيا والسعودية وقطاع نفط الصخور الزيتية في أمريكا".
ويلفت الكاتب إلى أن "قرار الرئيس فلاديمير بوتين بأن يسمح لصفقة تخفيض الإنتاج بأن تنهار، وما تبعه من حرب أسعار بدأها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد يكلفان كل بلد 100 مليون دولار من عائدات تصدير النفط اليومية، بالإضافة إلى أن شركات نفط الصخر الزيتي الأمريكية تواجه الخسائر ذاتها، حيث تعاني من تراجع في الإنتاج ومن المديونية".
ويقول ميلر: "نعم، إن لدى هذه القوى الثلاث ما يكفيها من الموارد لتعبر الأزمة، وقد يفلس منتجو نفط الصخور الزيتية، لكن ذلك لن يدمر الاقتصاد الأمريكي، فلدى روسيا 650 مليار دولار احتياطي، وليست عليها، تقريبا، ديون حكومية، ولديها فائض عن ميزانيتها، أما السعودية فمجال المناورة لديها أقل، لكن هناك الكثير من القوة المالية التي ستحمل محمد بن سلمان عبر الأزمة وحتى تتعافى الأسعار ثانية".
ويستدرك الكاتب بأن "خلف هذه الدول الكبيرة هناك قائمة من الدول النفطية في أنحاء العالم، حيث تمول الثروة النفطية الاقتصاد، وتثبت السلطة، وتدفع المديونيات المتنافسة، وحيث تعد عائدات النفط هي المصدر الرئيسي لدخل الحكومة، وعلى خلاف روسيا والسعودية وأمريكا، فإن تلك الدول النفطية ليست لديها الموارد التي تسمح لها بأن تتحمل الصدمة لاقتصادها، ناهيك عن تراجع طويل الأمد في أسعار النفط، بل على العكس فإن كثيرا منها تعتمد على ارتفاع أسعار النفط للحفاظ على استقرار سياسي واجتماعي يهدد الآن بالانهيار".
ويفيد ميلر بأن "إيران، كونها المنافس الجيوسياسي العظيم للسعودية، هي أيضا هدف لحرب أسعار النفط التي تشنها الرياض، فاقتصاد إيران المترنح تضاعف دماره بسبب العقوبات التي أعيد فرضها عليها، ما تسبب بتراجع صادرات النفط منذ عام 2018، والشعب يعيش حالة فقر، أضف إلى هذا الكوكتيل الاقتصادي السام نتيجة وباء فيروس كورونا، الذي ضرب إيران أشد من أي بلد آخر باستثناء الصين، وكان العدد الرسمي لحالات الإصابة المؤكدة في 11 آذار/ مارس، 9 آلاف حالة و354 حالة وفاة، وقد تكون الأرقام الحقيقية أكبر بكثير، وقد أصيب عدد من أعضاء الحكومة ورجال الدين أو ماتوا بالفيروس".
وينوه الكاتب إلى أن "زعماء إيران نجوا على مدى 40 عاما في السلطة من العديد من الصدمات، وكانت التنبؤات بانهيار النظام دائما ما يثبت فشلها، فهل ستكون هذه المرة مختلفة؟ من الصعب تخيل أن ينجو النظام دون أضرار من صدمة مركبة من عقوبات وفيروس كورونا وانهيار تام في أسعار النفط".
ويشير ميلر إلى أن "نيجيريا تمتلك عناصر الدولة النفطية كلها، ومع أنها تجاوزت جنوب أفريقيا لتصبح أكبر اقتصاد في القارة عام 2019، إلا أنها لا تصدر سوى النفط الخام، ويعتمد الاستقرار السياسي فيها على موازنة معقدة بين مجموعات النخبة ومراكز القوى المختلفة مع كون النفط هو المادة التي تبقي هذا الخليط المتنافر معا، بالإضافة إلى أن عائدات نيجيريا من النفط تساعد على تخفيف الاحتكاكات بين الجنوب المسيحي الأكثر ثراء والشمال المسلم الفقير، وفي الوقت ذاته تشتري الحكومة السلام من المليشيات المتمركزة في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط بشكل جزئي بمشاركتهم عائدات النفط، ومع وجود الكثير من المشاريع التي تحتاج إلى تمويل والكثير من الأشخاص الذين يجب إرضاؤهم، فإن الحكومة النيجيرية تحتاج أن يكون النفط بسعر 57 دولارا للبرميل أو أكثر، وأعلنت الحكومة في 10 آذار/ مارس عن خطط طوارئ لتخفيض الميزانية".
ويلفت ميلر إلى أن "الجزائر، حيث يشكل النفط والغاز 95% من الصادرات، هزتها سنة كاملة من المظاهرات ضد رئيسها عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن قرر في شباط/ فبراير 2019 بأنه يسعى للترشح لدورة رئاسية خامسة، فالجزائريون غاضبون بعد عقود من الركود تحت حكم النخبة العسكرية التي ترفض مغادرة السلطة، وقدم بوتفليقة استقالته في نيسان/ أبريل 2019، وانتقال القيادة الذي يجري الآن سيتضمن إعادة توزيع معقد للكعكة الاقتصادية، وحيث يتوقع أن تتضاءل إيرادات النفط ستكون هناك أموال أقل للتوزيع، ومجال أقل للأخطاء في الانتقال الجاري، وفي 10 آذار/ مارس حذر رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد بأن البلد تواجه (أزمة متعددة الأبعاد) يزيدها تفاقما انهيار أسعار النفط، وطلب من الجزائريين أن يقللوا مطالبهم من الحكومة، وأي انهيار اقتصادي وسياسي ستكون له تداعيات تتجاوز حدود الجزائر، وترسل موجات المهاجرين باتجاه أوروبا".
ويفيد الكاتب بأن "كازاخستان دولة نفطية أخرى تواجه مزيجا من الغضب الشعبي وسط عملية خلافة معقدة، فقد تنحى الرئيس السابق نور سلطان نزار باييف، الذي حكم بقبضة حديدية منذ عام 1990، عن الحكم العام الماضي، وسلم السلطة رسميا لعضو مخلص في الحزب الشيوعي، وهو قاسم جومارت توكاييف، لكن ابنة نزار باييف تتمتع بنفوذ كبير بصفتها رئيسة لمجلس شيوخ الدولة، وتسببت هذه الخلافة الوراثية المحتملة بمظاهرات قامت الحكومة بقمعها بعنف، والنتيجة الحتمية لانخفاض سعر النفط هي تخفيض الصرف الحكومي الطارئ، وهو ما أعلنه توكاييف فعلا، وهو ما قد يضعف من قبضة عائلة نزار باييف على السلطة".
ويبين ميلر أنه "بسبب الطلب الصيني الكبير على النفط، فإن إنتاج النفط انتعش في العقود الأخيرة، والآن وكون الاقتصاد الصيني توقف بسبب فيروس كورونا، ولأن النفط السعودي والروسي الرخيص يغرق السوق، فإنه يمكن أن تقع المزيد من الدول النفطية تحت الضغط، فبالنسبة لأنغولا التي تحاول الخروج من مصيدة الديون التي تركت البلد رهنا في أيدي الدائنين الصينيين، فإن انهيار الأسعار ما كان يمكن أن يقع في وقت أسوأ، وعمان، وهي إحدى دول الخليج النفطية الأفقر، ولديها سلطان جديد يسعى لتعزيز سلطته، فإنه وقت سيئ لميزانيات تقشفية، أما فنزويلا فقد تتأثر أقل من غيرها بسبب علاقتها العميقة بشركة النفط الروسية العملاقة المملوكة حكوميا (روس نفط)".
ويتساءل الكاتب: "كيف نعرف متى تبدأ الدول النفطية بالتصدع؟ لا نحتاج النظر إلى أبعد من عملاتها، ولأن أسعار النفط بالدولار فإن معظم الدول النفطية تحاول إبقاء عملتها مرتبطة بالدولار، فالسعودية مثلا حافظت على سعر الريال 3.75 للدولار منذ عام 1986، وكذلك النيرة النيجيرية والدينار الجزائري والتينغ الكازاخستاني بقيت مستقرة بالنسبة للدولار، لكن مع تفاقم ميزان المدفوعات فإن البنوك المركزية للدول النفطية ستواجه صعوبة في إبقاء عملتها مستقرة، وفي الوقت الذي تملك فيه السعودية احتياطيا ماليا يكفيها سنوات، إلا أن المنتجين الأصغر لا يملكون ذلك، فنيجيريا التي تعاني عملتها من الضغوط خسرت 20% من احتياطيها من العملات الأجنبية منذ منتصف عام 2019، وحتى قبل انهيار أسعار النفط، وفي عمان توقعات بأن يتم تخفيض قيمة الريال قريبا".
ويختم ميلر مقاله بالقول إن "حرب أسعار النفط هي معركة بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، لكن روسيا والسعودية وأمريكا كلها قادرة على استيعاب الصدمة، وإن أصبح الألم أكبر من أن يحتمل فما على بوتين إلا أن يرد على الهاتف عندما يتصل به محمد بن سلمان، لكن دول النفط الأصغر لا تملك هذا الترف".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)