هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مازال موضوع المرأة وموقعها في الإسلام يثير جدلا فكريا وحقوقيا وسياسيا في مختلف مواقع القرار في العالم.. ولازالت الاتهامات للإسلام والإسلاميين باستضعاف المرأة وامتهانها تجتاح الكثير من المنظمات الحقوق وتقاريرها ذات التأثير السياسي الكبير.
ومع أن علماء الإسلام من الرجال والنساء، قبل قادة العمل الإسلامي قد برهنوا بالملموس على فهم تقدمي لحقوق الإنسان بشكل عام، والمرأة بشكل أخص، إلا أن ذلك لم يحسم الجدل بشأن المطلوب من أجل الوصول لتحقيق العدل في العلاقة بين المرأة والرجل باعتباره جزءا من تحقيق العدل بين مختلف بني البشر.
ولقد فتحت ثورات الربيع العربي التي أسقطت جدران الخوف والاستبداد الباب واسعا للنقاش حول مختلف الملفات من دون خطوط حمر، وعاد ملف المرأة مجددا ليتصدر المشهد، ليس فقط في المستوى الحقوقي المتصل بالقضايا الأسرية العابرة، وإنما في القضايا الفقهية الرئيسية المتصلة بالحقوق المدنية، ولا سيما منها الميراث والولاية..
"عربي21" تفتح ملف الحقوق الأساسية للمرأة في الإسلام، في سلسلة من التقارير والحوارات الفكرية، في سياق إدارة حوار فكري بناء يسهم في تقديم فهم أعمق للحقوق الأساسية للمرأة في الإسلام ولدورها في المجتمع.
ونبدأ الملف بتقرير أعده خصيصا لـ "عربي21" الكاتب والإعلامي الجزائري حسان زهار:
تبقى مقولة أن المرأة هي "المظهر الأوضح لجمال الله ولطفه ورحمته وغفرانه"، وأن الأنثى هي الوحي الصادق لرحمة الله وإبداعه" كما قال ابن العربي، هي الأروع على الإطلاق كمنطلقات فكرية من عمق التصوف الإسلامي، لفهم موقع المرأة هذا المخلوق العجيب في الإسلام، الذي أخذ مكانة راقية لم تكتشفها حتى المرأة نفسها وهي تبحث اليوم عن "حريتها في فلسفات وضعية".
موقع المرأة في الإسلام، قبل أن يدرس فقهيا، من المهم أن يستدل عليه جماليا أولا، فهو قصيدة حب لم يكتبها بعد شعراء الرومانس، وإلا كيف تكون العطور والنساء في صلب محبة الرسول الكريم، جنبا إلى جنب لا يزاحمهما في قلب أطهر الناس، سوى استشعار الراحة الربانية في الصلاة؟ إنه موقع أعلى من فهم الفقهاء العابرين للنصوص، إذا لم تنبش عن الجنة التي عرضها السماوات والأرض تحت أقدام الأمهات المدرات لحليب المحبة.
الجانب الفقهي وحده لا يفي بغرض البحث عن موقع المرأة في الإسلام، خاصة وقد باتت هذه المرأة التي كرمها الله أما وأختا وزوجة وإبنة، الخاصرة الرخوة التي يتم استهداف الأمة من خلالها، عبر سهام التيارات الفكرية المنحرفة، وعبر تشكيكها ليس فقط في دينها وحرمتها وقدسيتها التي جعلها الإسلام كجوهرة في بؤبؤ عين الرجل، وإنما تشكيكها حتى في أنوثتها، عبر دفعها لانتزاع حقوق الاسترجال والذكورة.
فما هي مكانة تلك التي كانت "موؤودة".. فصارت ريحانة بسببها يدخل الأب والإبن الجنة؟ بل وكيف تجلت رحمة الله وإبداعه المطلق فيها؟
لا تمييز على أساس الجنس
لا تصمد الفكرة التي يروجها أعداء الإسلام لحظة بأنه دين يعتبر المرأة مخلوقا ناقصا (ناقصات دين وعقل)، أو أنه يفرق بين المرأة والرجل (التمييز على أساس الجنس)، إذا ما عرضت على نصوص الشرع والعلم، فالاتجاه العام للخطاب القرآني وفي الأحدايث النبوية الشريفة، تبرز فكرة المساواة التامة، إلا في ما فرضته الاختلافات الفزيولوجية، وتلك الاختلافات حولت المرأة إلى دائرة الأفضلية عن الرجل، كأن يتم فرض الجهاد على الرجل ويسقطه على المرأة، والنفقة على الرجل وتعفى منها المرأة، ولا تكون قوامة الرجل إلا بقيامه بالنفقة، وغيرها من الاستثناءات التي زادت من تقديس الإسلام للمرأة وحفظ ذاتها وكرامتها وجسدها.
ولا تتوقف فكرة المساواة في الإسلام بين الرجل والمرأة عند حدود التكليف، إنها تمتد إلى حدود الطبيعة، فالمرأة بالنص القرآني هي من ذات طبيعة الرجل (الذي خلقكم من نفس واحدة)، بل ومن نسيج واحد (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، وهي لذلك استحقت أن تفوز بحق امتلاك الذمة المالية، قبل المرأة الغربية بقرون طويلة، حيث ظلت تلك المرأة وإلى غاية القرن التاسع عشر في أوروبا تعامل باعتبارها قاصرا لا يحق لها التصرف في المال، بينما منح الإسلام المرأة المسلمة أن تكسب المال وتملكه عن طريق البيع أو الشراء أو أي عمل مباح آخر، كما لها حق إبرام العقود من دون أي تدخل .
بل إن السيرة النبوية الشريفة تظهر لنا معالم راقية في تقدير عقل المرأة وأمانتها، وقد أتيح لسيدتنا نسيبة رضي الله عنها القيام بمراقبة الموازين والغش في السلع ومنع الاحتكار، وذلك بعد أن عينها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب محتسبة (قاضية) على سوق المدينة، وبالتالي فإن المبدأ العام في الإسلام أنه لا تمييز في الجنس إطلاقا، بل هنالك وحدة كاملة في الأصل والمنشأ والمصير، أهلية تامة للملك والتصرف فيه بكل أشكال التصرف من بيع وشراء ووقف وإجارة واستغلال.
ثم إن المرأة في الإسلام، ليست مجرد ريحانة نشم عبقها ثم نضعها على الجانب في الرف.. إنها أيضا بطلة وسياسية ومجاهدة وقائدة.. فلقد أباح لها الإسلام تاريخيا المشاركة بداية في "عقد تأسيس الدولة الإسلامية" في بيعة العقبة الأولى والثانية قبل الهجرة، كما تؤكد كتب السيرة، وأقرت الشريعة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المرأة كما على الرجل، بما يعني ذلك حق المشاركة في العمل العام، والتي هي بالمفهوم الحديث المشاركة السياسية كالحق في الانتخابات والترشح للمناصب النيابية والسياسية، حتى وإن كان ما زال هنالك من يحمل الإسلام تبعات رؤى تقليدية أغمطت المرأة حقها في المشاركة السياسية لأن من يقومون بسحب حقها ذاك إنما يقومون به باسم الإسلام.
كما شرع الإسلام للمرأة أن تشارك الرجل نشر الإسلام والدفاع عنه، فشاركت في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، ورافقت الرجل في الهجرة إلى المدينة المنورة، وكان طبيعيا أن يبيح الإسلام للمرأة المشاركة في الغزوات الحربية لنشر الإسلام، وقد تجاوزت نساء صحابيات جليلات، دائرة التمريض والطبخ، إلى حمل السيف وخوض المعارك رغم أن الإسلام لم يكلفها بذلك.
رحمة الإسلام بالمرأة
حين نقول إن المرأة هي "المظهر الأوضح لجمال الله ولطفه ورحمته وغفرانه"، فإن الإسلام لا يتوقف عند دائرة المحسنات البديعية كما تفعل قصائد الغزل الجميلة، إن الإسلام في تعامله ذلك يحدث تناغما رائعا كما هو الكون في تناغمه حين تقبل الشمس الأرض بمحبة مطلقة، وتسقط الأمطار فتنبت الجنان بروعة مطلقة، فلقد رحم الإسلام المرأة بداية بأن أنقذها من الوأد، ثم رحمها بأن جعل لها ميراثا من زوجها وأخوانها وأولادها ووالديها، ولم يكلفها بأي نوع من النفقة، وفرض على من يريد زواجها مهرا لا يحق له أن يأخذ منه شيئا إلا بأمرها، وشدد العقوبة على من قذفها في عرضها بالجلد ثمانين جلدة، مع التشهير بالجاني بين الناس، ولا تقبل شهادته أبدا، كما أعلى من حرمتها وحرمة بيتها، فجعل من يقتل في سبيل الدفاع عن شرفها أو عرضها شهيدا.
ليس في شرائع الدنيا، سابقا ولا حاضرا ولا مستقبلا، من أسقط النفقة عن المرأة حتى عن نفسها، فهي تُخدم ولا تخدم، فكيف بأن تنفق على أهلها وزوجها وولدها ووالدها؟ لقد أعفاها الإسلام من كل حمل وكلف غيرها برعايتها وكسوتها وتحقيق مطالبها، لتكون بذلك طريقا للجنة لوالدها وهي صبية، ولزوجها عندما تكبر.
والحقيقة التي ربما لا تقال، أن الإسلام الذي أنزل سورة كاملة باسم "النساء" ولم ينزل سورة باسم الرجال، لم يساو بين المرأة والرجل، وإنما ربما يكون قد فضلها على الرجل تفضيلا، وهو يسقط عنها تكليف حضور الجمع والجماعات في المساجد، ويسقط عنها الشهادة في الدماء والجنايات احتراما لمشاعرها الرقيقة، ويسقط عنها فريضة الجهاد وأهواله، ويسقط عنها الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس رحمة بها وما تعانيه من آلام خلال ذلك.
ثم إنه الإسلام العظيم، دين الحب والمحبة، أجاز للمرأة خلع زوجها إذا كرهته وأبى طلاقها وأرادها كالمعلقة، ونهى عن تزويج الفتيات من دون رضاهن، وحرم زواج المتعة لأن المرأة ليست أداة للمتعة ترمى على قارعة الطريق بعد قضاء الوطر، وحرم إكراه الإماء والبنات على البغاء، لقد طهرها الإسلام في الواقع، وزاد عن ذلك أن طهرها في تحمل وزر الخطيئة الأولى وحدها، كما تفعل أطروحات أخرى تراها مصدر الذنوب والآثام. لقد وسع الإسلام للمرأة من دوائر الحب الصادق، الحب المنزلي الذي افتقده الغرب، والحب الروحي الذي يغمر بأنواره الإلهية روح المرأة الطاهر، مع متسع من الحب العذري الجميل.
يقول سالي جان مارش في شهادة مثيرة تصديقا لهذا المنحى: "إن المشكلات العائلية التي يعاني منها الغرب، لا وجود لها بين الأسر المسلمة التي تنعم بالسلام والهناء، وكذلك الحب، فلا الزوج ولا زوجته في ظل الإسلام يعرفان شيئًا عن موعد العشاق، ومودة الصديقات، السائدين هذه الأيام في الأقطار غير الإسلامية، لقد أحببت هذا الجانب من الحياة الإسلامية كثيرًا، لأنه يمنح الزوج والزوجة والأبناء ما يحتاجونه من حب، وإخلاص، وسلام يعمر حياتهم، وليس ذلك فحسب، بل بفضل هذا الإخلاص في العلاقات الزوجية بين المسلمين، هم واثقون من أن أبناءهم من أصلابهم فعلاً غير دخلاء عليهم، وهذا مفقود في المجتمعات الأخرى" .
هل تكون المرأة المسلمة رئيسة للدولة؟
تشكل قضية ولاية المرأة في الإسلام أو الإمامة العظمى أو الرئاسة بالمفهوم الحديث، أحد أبرز الإشكاليات التي يثور حولها الجدل الفقهي والفكري منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا، حيث تشير الباحثة في الحضارة العربية الإسلامية / جامعة السوربون فاطمة الزهراء فكاني، جزائرية مقيمة بفرنسا، أن الكثيرين بهذا الشأن يثيرون الحديث النبوي الشريف "لا يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة" ونُغفل عن قصد أو جهل سياق الحديث الذي جاء فيه وهو تنديد بالاستبداد لا بالنساء، هذا الحديث وكما نعلم قيل عند تولي ابنة كسرى الحكم والظلم الذي رافق عهدها فرأى بعض الفقهاء على قلتهم أن الحديث "واقعة عين" أي لا تحتمل التعميم.. ويبقى الاختلاف موجودا ولكل حججه في ذلك.
وترى فاطمة الزهراء فكاني في حديثها لـ "عربي21"، أنه من موقعها كامرأة مسلمة إلى جانب الحديث السابق ذكره يتبادر لذهني آيات عالقة تمجد حكم بلقيس وحكمتها في إدارة شؤون مملكتها، من هنا أقول إن اللغط "الفقهي" الدائر حول جواز ولاية المرأة من عدمه هو انقلاب على مكتسباتها المحفوظة بآيات من الذكر الحكيم وأحاديث نبوية صريحة تحدثت عن المساواة والدليل على ذلك تراجع بعض من حقوق المرأة في عصر الخلفاء مقارنة بحقبة الرسول والتي كانت المرأة تبايِع فيها وتستشار في الحرب والسلم مثلا، وهذا ما اختفى أو تراجع على الأقل بعدها في عصر الخلافاء.. أما الحل في هذه المسألة فلا يمكن أن يكون دون مراجعة صريحة للمعايير الفقهية التي يجب أن لا تتجاوز النص القرآني الصريح".
في المقابل، ترى الباحث الجزائرية في العلوم السياسية روميلية بوحفص أنه إذا تتبعنا مفهوم الولاية السياسية وإسقاطها قديما على نظام الحكم الإسلامي نجد أنها كانت محدّدة وبشكل دقيق وهي الولاية العامة على المسلمين، ولهذا أغلب الفقهاء كانوا يحرمونها على المرأة نظرا لأهمية دور الخليفة في القرارات، أما الآن في الديمقراطية الحديثة نجد أن الرئيس لا يمتلك الحكم المطلق بل يشترك مع سلطات أخرى أو يتقاسم معها الحكم، إذن فصورة الولاية السياسية التي هي تعني الحكم المطلق للحاكم لا توجد الآن إلا في الحكم الملكي، ومنه فالمرأة تستطيع أن تكون رئيسة في بلدان ديمقراطية يطبق فيها الفصل بين السلطات الثلاث.
وفي الاتجاه نفسه تقريبا، تقر هجيرة بن زيطة / باحثة في العلوم السياسية، أن بعض الفقهاء لا يجيزون الولاية السياسية للمرأة في الإسلام إلا أننا نجد أنها مكفولة من خلال الخطاب القرآني وأيضا من خلال ممارسة المسلمين. ولذلك نجد كثيرا من الفقهاء المعاصرين يجيزون للمرأة أن تكون وزيرة وأن تكون منتخبة في البرلمان والمجالس المحلية وغيرها من الوظائف السياسية بما فيها الولاية العامة، ذلك أن السياسي في هذا العصر لا يمكنه ممارسة الإدارة السياسية بشكل مطلق، فأنظمة الحكم اليوم تقوم على توزيع القوة والسلطة والصلاحيات على عدد من المؤسسات السياسية وفق دستور محدد وقوانين مفصلة تتناول الصلاحيات والمسؤوليات، كما تلعب مراكز الفكر والتخطيط والمستشارين أدوارا كبيرة في توجيه سياسة الدول فلا معنى لإقصاء المرأة بحجة عدم الأهلية، وتبقى قضية الولاية السياسية للمرأة معضلة إنسانية حتى في كبرى الديمقراطيات في العالم ذلك أنها تتعلق بالممارسات وليس الاعتقادات وتبقى معضلتنا هل التنافس السياسي النزيه مضمون بين الرجال حتى تستثنى منه المرأة؟ !
المساواة.. التطابق.. التماثل
وحول فلسفة المساواة تناقش الناشطة والإعلامية التونسية عايدة بن عمر القضية من زاوية، أنه إذا ثبت أن المرأة والرجل متطابقان في خلقتهما وخصائصهما ومؤهلاتهما بالتمام والكمال، فيلزم حينئذ التسوية بينهما بالتمام والكمال. وإذا ثبت أنهما متطابقان بدرجة كبيرة جدا، ولكنهما يختلفان بنسبة محدودة جدا، فمن العدل ومن الإنصاف ومن الصلاح أن يسوى بينهما بنفس الدرجة وبنفس النسبة، بلا زيادة ولا نقصان.
والذي لا شك فيه أن التطابق والتماثل بين الرجل والمرأة كبير جدا، وهو الأصل فيهما وفي أحكامهما. فهما جميعا جنس واحد وأصل واحد "كلكم لآدم وآدم من تراب" وهم جميعا "ذرية بعضها من بعض".
وتدلل عايدة بن عمر رؤيتها لـ "عربي 21" بنص ما قاله العلامة التونسي الكبير محمد الطاهر بن عاشور إن "الإسلام دين الفطرة، فكل ما شهدت الفطرة بالتساوي فيه بين المسلمين فالتشريع يفرض فيه التساوي بينهم، وكل ما شهدت الفطرة بتفاوت البشرية فيه، فالتشريع بمعزل عن فرض أحكام متساوية فيه".
ثم يقول: "فالمساواة في التشريع أصل لا يتخلف إلا عند وجود مانع، فلا يحتاج إثبات التساوي في التشريع بين الأفراد أو الأصناف إلى البحث عن موجب المساواة، بل يكتفى بعدم وجود مانع من اعتبار التساوي، وإذا كان المسلمون وغير المسلمين قد بالغوا ـ عبر العصور ـ في توسيع دائرة التفريق والتمييز وعدم التسوية بين الرجل والمرأة، على غير أساس من الدين أو الفطرة، فليس من الإنصاف ولا من الإصلاح الذهاب إلى الطرف المضاد، وفرض التسوية الإجبارية المطلقة ضد الفطرة البشرية، وضد مصلحة الحياة البشرية، بل ضد مصلحة المرأة ذاتها وضد كرامتها وسعادتها.
وتؤكد عايدة بن عمر أن هذه الحدود تبرز في اختلافات فسيولوجية، واختلافات نفسية، واختلافات في شخصيتهما ودورهما الاجتماعي، وبالتالي فإن التسوية في بعض الأمور فيها ظلم وإجحاف، ولهذا فالمطلوب هو العدل وليس التسوية المطلقة، فبينهما تفاوت؛ حيث تختص المرأة بحقوق ويختص الرجل بحقوق أخرى، وليس بينهما تعارض، بقدر ما بينهما تكامل، من أجل تحقيق فطرة الإنسان وبناء المجتمع الفاضل القائم على التعاون والتكامل بين الجنسين.
العدل أم المساواة؟
وحول ذات الإشكالية الفلسفية، تذهب فاطمة الزهراء فكاني إلى أنه إذا نظرنا للخطاب القرآني بنظرة سطحية قد يتراءى للقارئ بعض نقاط عدم المساواة.. ما يستوجب قبل الخوض في هذا النقاش أن نفرق بين العدل والمساواة، فالنص القرآني عدَل ولم ويساوي وهذا لا ينقص من قيمة المرأة في شيء على العكس تماما بل احترم خصوصية المرأة واختلاف التركيب الفيزيولوجي بينها وبين الذكر وهو شيء واضح بالعين المجردة وهذا ما لا يمكن إغفاله.
إذن العدل هو وضع الأمور بمواضعها مع مراعاة الاختلاف، أما المساواة فهو التقسيم بالتساوي بغض النظر عن خصوصية المتلقي وهذا ما نجده في النص القرآني في أكثر من موقع... وبالتالي إذا اقتنعنا باختلاف الرجل عن المرأة ولو فزيولوجيا سنتقبل ونتفهم لماذا فرق الإسلام في الأنثى والذكر أحيانا، وبنظري قد نساوي ولا نعدل وفي المساواة المطلقة ظلم أحيانا .
وتعترف فاطمة الزهراء فكاني من خلال تجربتها الشخصية، أنها لم تعد تخفي اليوم أنه كانت تراودنها بعض الأسئلة وكانت تتهرب من التفكير في ما كانت تحسبه تناقضات "وهنا أتحدث عن شهادة المرأة في الإسلام وتوليها لمنصب قاض وكنت أقول هل يعتبرهن الإسلام ناقصات عقل ولذا لا تقبل شهادة المرأة وحدها في الإسلام!! ولم أقتنع بإجابةٍ رغم بحثي الطويل من سنوات شبابي... ولم يروي ظمأ السؤال سوى خبرة السنون فمع الوقت والخبرة والتجارب اقتنعت طواعية أنني حين يتعلق الأمر بإتخاذ قرارات حاسمة في حق أناس ولو كانوا ظالمين أتردد و اتعب و أضعف وفي أحيان كثيرة اسامح فكيف يمكن لي أن اكون قاضية !!فسبحان الله الخالق العظيم".
من جانبها تقر الأستاذة هجيرة بن زيطة عند تناولها الموضوع مع "عربي21"، أن هذه المساواة تتوقف عند حدود أنوثة المرأة وفطرتها التي فطرها الله عليها فالفوارق البيولوجية الموجودة بين الرجل والمرأة تفرض عليها أن تحترم أنوثتها وأن لا تنحرف بها إلى الإباحية الاجتماعية وكل ما يؤذيها ويهدد هويتها الجنسية التي بدورها تهدد هوية الجنس البشري.
لقط كان القرآن واضحا في مساواته بين الرجل والمرأة كما تقول الباحثة الجزائرية روميلة بوحفص، فجعل من النساء شقائق للرجال وكان الخطاب القرآني جامعا وغير منحاز للرجل دون المرأة ، فقد خاطب الله عز وجل المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وجعل تكليفهم تكليفا واحدا ووضعهم أمام نفس المسؤولية،وأما موضوع الاختلاف فيظهر جليا في الأدوار الطبيعية ولقد أثبت العلم أن لكل جنس أدواره البيولوجية التي حتما هي لا تتشابه بين الرجل والمرأة.
وتختم روميلة بوحفص حديثها لـ "عربي21" بهذه الجمالية في الطرح، من كون الإسلام جعل من المرأة أيقونه المجتمع، مصانة باحترام وتقدير الجميع ابتداء من والدها مرورا بزوجها وأولادها، فالإبنة تأخذ بيد أبيها إلى الجنة إذا ما أحسن تربيتها وتعليمها والزوجة أيضا تكمل نصف دين الرجل، ولم نجد دين أعطى هذه المكانة للمرأة في أن تصبح نصف دين الرجل إذا ما كانت زوجه صالحه، وأما أن تكون المرأة أمّا فهي كل الجنة وكل الخير بالنسبة للأبناء إذا ما بروا بها.
الأنثى.. حضارة الروح
بالمحصلة لن يكتشف العالم أن الأنثى في الاسلام هي الوحي الصادق لرحمة الله وإبداعه" كما قال ابن العربي، إلا بالمعايشة، وليس عبر النصوص الفقهية التي لا يطلع عليها الآخر، ومع ذلك شاهدنا أن العالم المغيب عن الحقيقة بدأ ينتفض أمام فضاعات الوضع المأساوي للمرأة الغربية، حتى رأينا الألمانيات عام 1991، في مؤتمر نسوي حاشد يطالبن بالحقوق التي تتمتع بها المرأة المسلمة، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.
لقد تفوقت المرأة المسلمة في الحقوق التي منحها لها هذا الدين العظيم، بحسب القواعد القرآنية ومقتضيات السنة، عن المرأة وموقعها في جميع المجتمعات السابقة، منذ أثينا وروما إلى يومنا هذا، وقد اعترف مفكرون ومستشرقون غربيون بذلك صراحة من أمثال كوستاف لوبين الذي اعترف أن المواريث في الإسلام تفوقت على القوانين الفرنسية والإنجليزية.
غير أن أكبر صفعة وجهها الإسلام العظيم بفقهه القديم الذي هو خلاصة وحي رباني معجز، وتحديدا في موضوع المرأة التي أريد لها أن تكون سلعة تسخدم لتهديم الدين، كانت لمفكري الحداثة وأصحاب النظريات المعاصرة من أمثال ماركس وفرويد ودوركايم التي قادت البشرية المنفلتة من عقال الدين عموما، وناصبت الإسلام تحديدا العداء، إلى هذه الهاوية الأخلاقية التي يسقط فيها جل سكان المعمورة.. فمسح نظرياتهم بالأرض، وها هو اليوم الغرب المعتد بفلسفته وعلمه، يراجع نفسه في قضايا المرأة والأسرة، حتى كتب كبار السياسيين أمثال غورباتشوف وجيمس بيكر مراجعات فكرية حول الحشمة وضرورة العودة الى الأسرة المتماسكة.
وحتى نوجز في الأمر، نقول أنه في الوقت الذي كان فيه الفلاسفة في أوربا يتصارعون حول سؤال : هل تمتلك المرأة روحا أم هي كائن بلا روح؟ وهل إذا كان لها روح، هل هي روح إنسانية أم روح حيوانية؟ كان ابن العربي الذي استلهم الإسلام الى حد التصوف، ومن سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام مع زوجاته ونساء المؤمنين، يرى في الأنثى هي الوحي الصادق لرحمة الله وإبداعه، فسبحان من خلق فأبدع فكانت المرأة عنوانا لتلك الرحمة وذلك الابداع.