هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقف الجزائر، على أعتاب أزمة اقتصادية،
بفعل الضرر المزدوج الذي ألحقه فيروس كورونا، على مداخيل البلاد المتأتية حصريا من
صادرات البترول، وعلى نشاط المؤسسات الداخلي الذي يعرف تأثرا متزايدا.
وبتهاوي أسعار البترول إلى ما تحت حاجز
30 دولارا، تكون الميزانية الجزائرية المبنية في العادة على سعر برميل يفوق 50
دولارا، غير قادرة على استيعاب تراجع المداخيل إذا استمرت الأزمة إلى نهاية السنة
الحالية.
وتقدّر خسائر الجزائر، وفق تقديرات غير
رسمية، بحوالي مليار دولار شهري، شباط/فبراير وآذار مارس، جرّاء انخفاض أسعار
البرميل، في وقت كانت التقديرات تشير إلى إمكانية تحصيل الجزائر أكثر من 30 مليار
دولار نهاية السنة.
وتعتمد الجزائر، في مداخيلها من العملة
الصعبة، على صادراتها من البترول والغاز، بنسبة 98 بالمائة، كما أن مداخيل البلاد
الجبائية تعتمد أيضا على 50 بالمائة من الجباية البترولية، وتُدفع 70 بالمائة من
الرواتب على أساس هذه المداخيل.
ومن سوء حظ الجزائر، أن زبونيها
الرئيسيين في أوربا والعالم، إيطاليا وإسبانيا، هما الأكثر تضررا حاليا من أزمة
فيروس كورونا، ما يثير مخاوف من إمكانية تراجع الطلب أو تعطل الدفع في هذين
البلدين، علما أن البلاد ترتبط بأنبوبي غاز نحو إسبانيا، وبآخر باتجاه إيطاليا.
تضاعف عجز الميزانية
وفي ظل هذه المعطيات، يرى الخبير في
المالية كمال سي محمد، أن الوضع المالي للجزائر سيكون جد حرج، إذ كان المتوقع قبل
أزمة كورونا عجز بـ13 مليار دولار في الميزانية، واليوم مع وصول هذه الأزمة قد
يتضاعف.
وأوضح سي محمد في تصريح لـ"عربي21"، قائلا: "إذا استمرت أزمة كورونا، فالجباية البترولية التي كانت
متوقعة بـ2800 مليار دينار سيتم تقليصها إلى النصف، وهو ما يعني عجزا إضافيا
بـ1400 مليار دينار يضاف إلى العجز الأصلي المتوقع بـ1500 مليار دينار، أي أن
العجز تقريبا سيتضاعف ليصل إلى ما قيمته 2900 مليار دينار وهو ما يعادل 26 مليار
دولار تقريبا".
ولمواجهة هذا الوضع، قال الخبير في
المالية، إن الحكومة الجزائرية، ستكون بين خيارين، إما اللجوء إلى التمويل غير
التقليدي أو ما يعرف إعلاميا بطبع النقود، وهو إجراء سبق للحكومة ما قبل الأخيرة اتخاذه وأثار انتقادات واسعة، وإما
الاعتماد على تمويلات خارجية عبر الاستدانة التي تظل من جانبها، خطا أحمرا ترفض الحكومة تجاوزه.
اقرأ أيضا: احصائيات كورونا حول العالم أولا بأول
وتحتفظ الجزائر رغم خطورة الأزمة،
بهامش أمان، بفضل احتياطاتها من العملة الصعبة المقدرة بنحو 55 مليار دولار وكذلك
ضعف مديونيتها الخارجية التي لا تتجاوز 3 مليارات دولار.
لكن الخبير كمال سي محمد، يؤكد بأن
احتياطي الصرف الذي يتم استعماله لسداد عجز ميزان المدفوعات، قد ينفذ في غضون
السنة المقبلة إذا لم تسترجع أسعار النفط مستويات مقبولة.
وشرح دكتور الاقتصاد فكرته بالقول:
"كان عجز ميزان المدفوعات السنة الماضية، 12 مليار دولار، وإذا استمرت
الأوضاع كما هي اليوم، سيصبح العجز مع نهاية السنة 22 مليار دولار، أي أن احتياطي
الصرف سينزل إلى أقل من 40 مليار دولار، وهو ما يعني امتلاك الجزائر لسنة واحدة من
الاستيراد فقط".
أزمة سيولة
ويبدو البنك المركزي الجزائري واعيا
بخطورة الوضع، وهو ما دفعه إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة نقص السيولة المتوقع،
جراء الأزمة الحالية.
وقرر البنك المركزي المعروف بـ"بنك
الجزائر"، إجراءين الأول هو تخفيض معدل الفائدة التوجيهي بمعدل 0.25 بالمائة،
وتخفيض معدل الاحتياطات الإجبارية في البنوك بـ2 بالمائة، مشيرا إلى أن قراراته
"ستسمح بتحرير هوامش إضافية للسيولة بالنسبة للنظام البنكي، وبالتالي توفير
للبنوك والمؤسسات المالية وسائل دعم إضافية لتمويل الاقتصاد الوطني بتكلفة
معقولة".
وبحسب الخبراء، فإن هذه القرارات، تهدف
إلى تشجيع البنوك للاقتراض من البنك المركزي من أجل الحصول على السيولة، كما تسمح
بتحرير جزء من سيولة البنوك المجمدة كاحتياطيات إجبارية في مواجهة الأزمة، مخافة
ظهور تصاعد مفاجئ في الطلب على سحب الأموال بسبب حالة الهلع من تفشي فيروس كورونا.
اقرأ أيضا: كورونا يصيب الجزائريين بحمى الشراء.. ودعوات لتحجيمها
ومع إقرار الرئيس الجزائري، عبد المجيد
تبون، إجراءات عزل جديدة للمدن، للحد من انتشار فيروس كورونا، ستكون هناك تداعيات
لا مفر منها على وضع آلاف المؤسسات في البلاد.
ومن بين القرارات التي اتخذها
الرئيس، وقف جميع وسائل النقل الجماعي
العمومية والخاصة داخل المدن وبين الولايات وكذلك حركة القطارات، وتسريح 50
بالمائة من الموظفين والاحتفاظ فقط بمستخدمي المصالح الحيوية الضرورية مع الاحتفاظ
برواتبهم، وتسريح النساء العاملات اللواتي لهن أطفال صغار، وغلق المقاهي والمطاعم
في المدن الكبرى بصفة مؤقتة.
مؤسسات في "وقت عصيب"
وفي تقدير دكتور الاقتصاد هارون عمر،
فإن المؤسسات الجزائرية، تعيش وقت عصيبا لم يسبق له مثيل، خاصة تلك المؤسسات التي
يرتبط نشاطها مباشرة بالتعامل مع الخارج، سواء من خلال جلب المواد الأولية أو قطاع
الخدمات على غرار الوكالات السياحية وشركات الطيران والتأمين التي تكبدت وستتكبد
خسائر فادحة .
وأبرز عمر هارون، المختص في إنشاء
المؤسسات، في تصريح لـ"عربي 21"، أن الجزائر بالإضافة إلى ما ستخلفه الأزمة الحالية، بحاجة لخطة متكاملة
لإنقاذ المؤسسات المتعثرة الممولة من هيئات الدعم والبنوك المحلية، حيث تقدر في
حدود 60 بالمئة من حوالي مليون مؤسسة منشأة في عهد الرئيس السابق.
وتابع المتحدث: "إن هذا الأمر
يتطلب خلق هيئة خاصة لمرافقة المؤسسات المتعثرة من خلال تقديم الدعم المالي
والمرافقة الإدارية والمعرفية، يضاف إلى ذلك إصلاحات في المجال الجبائي الذي تحتل
الجزائر فيه المرتبة 157 من 190 دولة، وكذا إصلاح ورقمنة النظام البنكي والمسارعة
لإدراج الصيرفة الإسلامية فيه وإن تطلب الأمر إدراجها في قانون المالية التكميلي"
.
ومن المعضلات الأخرى التي تسبب بها
فيروس كورونا، هو ذلك الضغط الكبير المسجل على المواد الاستهلاكية والتي يرتبط
إنتاجها محليا بمواد أولية مستوردة من الخارج، ما ولّد مخاوف من حدوث ندرة في
التموين.
ولتفادي ذلك، أعلنت وزارة التجارة
الجزائرية، تنصيب لجنة متابعة بـ"توقع واستباق الحالات التي قد تؤدي إلى
اضطراب في تموين السوق مع اتخاذ كافة التدابير ووضع كل الآليات الكفيلة بضمان
التموين العادي للمواطنين".
مخاوف من ندرة التموين
بموازاة ذلك، شنّ وزير التجارة، كمال
رزيق، حملة على المضاربين من التجار، الذين وصفهم بمصاصي الدماء بعد أن رفعوا
الأسعار إلى مستويات خيالية، وقال بأنهم وضعوا أنفسهم ضد المجهود الوطني المبذول
للخروج من الأزمة بأقل الأضرار على المستهلك.
وفي رأي رئيس الاتحاد الوطني للتجار،
الطاهر بولنوار، فإن التعميم خاطئ لأن أغلبية التجار ملتزمين بتطبيق هوامش ربح
معقولة، أما المضاربين، فلا بد من تطبيق القانون عليهم.
وأبرز بولنوار في تصريح لـ"عربي21"، أن السوق في نهاية الأسبوع عرف اضطرابا نتيجة الارتفاع المبالغ فيه في
الطلب والذي أدى إلى ندرة مؤقتة في بعض السلع التي يتطلب التموين بها وقتا، لكنه
أشار إلى أن الاستقرار سيعود مع يوم الأحد المقبل.
وطمأن بولنوار المواطنين، بأن مخزون
السلع التموينية يكفي لغاية نهاية السنة الجارية وبداية العام المقبل، داعيا
المواطنين إلى الابتعاد عن هوس الشراء، لأنه يعطي انطباعا بوجود ندرة كما أنه يسمح
بظهور المضاربين.