طالب
عدد من السياسيين في
مصر بضرورة استعادة الصف الثوري وتجاوز ما جرى من
خلافات بين ثوار
يناير خلال السنوات الماضية.
وحمّل
السياسيون مسؤولية ما جرى لثورة يناير للعسكر، متهمين إياهم بالتربص بالثورة والتفنن
في نشر الخلافات بين الثوار؛ سواء عبر هذا
الاستفتاء أو آليات أخرى؛ مؤكدين إمكانية استعادة الصف الثوري مرة أخرى، من خلال دعوة العقلاء في كل معسكر للوحدة ونبذ الخلافات،
خاصة في ظل آلة قمع لا تفرق بين أحد من أبناء
ثورة يناير.
و جاءت هذه المطالبات في الذكرى التاسعة لاستفتاء مارس الشهير، الذي جرى يوم 19 آذار/ مارس2011، حيث شهد جدلا كبيرا ما بين مؤيد ومعارض،
وتمت الموافقة من خلاله على تعديل الدستور بأغلبية كبيرة وتمت بناء عليه العملية السياسية، التي انتهت نهاية مأساوية على يد العسكر.
وكان حوالي 18 مليون ناخب من أصل 45 مليون ناخب مسجل قد أدلوا بأصواتهم
في الاستفتاء، حيث صوت أكثر من 14 مليون ناخب (77%) لصالح التعديلات الدستورية، في
حين أن نحو 4 مليون ناخب (23%) قد صوتوا ضدها.
وتضمنت
التعديلات وضع قيد على مدد الرئاسة بحد أقصى مدتين لفترة أربع سنوات، وبنود تضمن الإشراف
القضائي على الانتخابات، واشترط على الرئيس تعيين نائب واحد على الأقل، وتشكيل لجنة
لصياغة دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية، وسهولة أكثر في شروط الترشح للانتخابات
الرئاسية. وتم تأجيل قضية الحد من صلاحيات الرئيس إلى ما بعد الانتخابات، كجزء من
عملية صياغة الدستور الجديد.
كما شملت تلك التعديلات أيضا، إقرار
عقد الانتخابات البرلمانية في غضون ستة أشهر من تاريخ إقرار تلك التعديلات، تقوم خلالها
مجموعات العمل بإنشاء أحزاب سياسية جديدة، وعمل حملات للمرشحين وتشجيع الحضور بين أنصارهم.
وفي
سياق تعليقه على هذا الأمر، قال القيادي بحزب الحرية والعدالة أحمد رامي، إن الزمن تجاوز
الاستفتاء وما جرى وقته من خلاف في الصف الثوري؛ لأن هذه الخلافات لم يكن الاستفتاء
السبب الوحيد فيها، بل كان أحد الأسباب التي استغلها العسكر، ولم يقف الأمر عند هذا
الحد فقد تفننوا في تعميق هذه الخلافات مستغلين الأدوات والحيل كافة، سواء الاستفتاء
أو غيره، ومن هنا يمكن القول إن الأمر كان
مدبرا، وهو ما كشفت عنه تطورات الأحداث لاحقا، سواء بإلغاء البرلمان المنتخب أو تكوين
جبهة الإنقاذ، ثم عزل الرئيس المنتخب في نهاية المطاف.
وأضاف
رامي في حديثه لـ"عربي21"، أن من الحكمة "تجاوز هذا الأمر وعدم تكرار
الحديث عنه، والعمل على استعادة وحدتنا لمواجهة من يمكرون بثورتنا وأن نعتبر مما جرى،
ولا نكرر الخطأ مرة أخرى، ونكون صفا واحدا لمواجهة أركان دولة يوليو والثورة المضادة، وأساليبهم وألاعيبهم التي أدت في النهاية إلى ما نحن فيه".
وحول
وحدة الصف الثوري وإمكانية ذلك، أكد القيادي بالحرية والعدالة أن الأمر "سيحدث
حتما"، ولكن "يجب على العقلاء والحكماء أن يدعوا إليه ويعجلوا به، لأن تأخره
أمر غير جيد؛ لأنه يكلفنا الكثير من هدر دماء
ومزيد من السجناء".
من جانبه
أكد سمير عليش أحد قيادات الحركة المدنية، أن هذا الاستفتاء بالفعل كان من أحد أسباب
شق صف الثورة المصرية، حيث كان هناك من يرفض هذه التعديلات ويريد دستورا متكاملا يكون
بمنزلة الخط الذي سوف تسير عليه الثورة، ويكون هو المرجعية لها في حال حدوث أي خلاف
حول أي تصور مطروح، ومن ثم معالجة الأمور وفق هذا الدستور بدلا من تعديلات دستورية
مستمدة من دستور قديم، وكان هناك في المقابل من يرى أن دستور 71 فيه مواد جيدة جدا بشأن
الدولة المدنية، وكانت المشكلة فيه المواد الخاصة بمنصب رئيس الجمهورية وآلية الترشح
وشروطه؛ ومن هنا تحمس الطرف الآخر للتعديلات.
وأضاف
عليش في حديثه لـ"عربي21": "ما عمق الخلاف أكثر، هو المواد التي تم إضافتها
إلى التعديلات الدستورية ولم يكن تم الاستفتاء عليها، وتم اعتمادها ضمن الإعلان الدستوري، وكانت هذه إشكالية أخرى أضيفت إلى الخلاف السابق،
ما أدى الى تأزم الوضع أكثر فأكثر وعمّق الخلاف، وكان هذا بفعل المجلس العسكري الذي
قام بإضافة هذه المواد، باعتباره صاحب السلطة في البلاد في هذه الفترة، وكان يهدف من
وراء ذلك تعميق الخلاف بين أطراف المعسكر الثوري".
وحول
إمكانية الاستفادة من هذا الدرس واستعادة اللحمة الثورية، قال عليش: "يجب التوحد
واستعادة الصف الثوري مرة أخرى، وهذا من الممكن تحقيقه إن لم يكن في هذه الفترة وجيلنا
الحالي، فمن المؤكد سيكون في الأجيال الثورية والشبابية القادمة المؤمنة بالثورة ومبادئها،
خاصة في ظل سلطة تعادي هذه الثورة وتعتدي على كل من ينتمي إليها أو شارك فيها دون تفرقة، وهذا كاف لأن يتوحد أبناء يناير
لاستعادة ثورتهم".
أما
المستشار الإعلامي لحزب البناء والتنمية خالد الشريف فقال: "لو تحدثنا عن هذا
الاستفتاء، فأنا أعتقد أنه لم يكن السبب المباشر فيما آلت إليه الأمور، ولكن كانت هناك
قوى تتربص بالثورة متمثلة في العسكر وبقية معسكر الثورة المضادة، وتم استغلال التعديلات
الدستورية لإحداث الوقيعة ونشر الخلاف بين فصائل الثورة في محاولة لشق صفها، وهو ما
حدث لاحقا من خلال الاستفتاء ونتائجه، وكذلك بوسائل وأدوات أخرى أدت إلى انقضاض الثورة
المضادة على ثورة يناير انتهاء بعزل مرسي".
وأضاف
الشريف في حديثه لـ"عربي21": "للأسف لم يكن عند الثوار رؤية كاملة للقضاء
على الثورة المضادة وتماسك القوى الوطنية وتطهير مؤسسات الدولة، واستغل العسكر عدم
خبرة الثوار وعظموا خلافاتنا كثيرا، وكان يمكن تجاوز ذلك بالتوافق على أي اختيار سواء
تعديلات دستورية أو دستور متكامل، وربما كان ذلك أفضل، لكن المشكلة الكبرى كانت في تغذية
الخلافات، وهو ما نجح فيه العسكر".
وحمّل
الشريف القوى المدنية مسؤولية ما جرى للثورة بقوله: "القوى المدنية أجرمت في حق
مرسي بتحالفها مع العسكر ومساعدة الانقلاب، بداية من تكوين جبهة الإنقاذ إلى تأييد 30
يونية وانقلاب السيسي، ظنا منهم أنهم سيتخلصون من منافس سياسي قوي، هم الإخوان المسلمين،
فإذا بالسيسي يتخلص من الجميع ويقضي على الثورة".
وأكد
الشريف أن الدرس قاس جدا وتعلم منه الجميع، وأنه لا أمل إلا بنبذ الخلافات والاصطفاف
والوحدة من أجل إنقاذ مصر من سلطة فاشلة، تفرط في حقوقنا وتوردنا المهالك جميعا دون
تفريق".