هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للناشط في حقوق الإنسان ومؤسس "مبادرة الحرية"، محمد سلطان، يقول فيه إن الأكثرية في هذا العالم خلال الأسبوع المنصرم شلت حركتهم، وكانوا أقرب الى منازلهم بسبب وباء كورونا.
ويستدرك سلطان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بأن "الخوف لم يقتصر عند البعض على الصحة الخاصة، أو توفير المواد الأساسية، من طعام وأدوات تعقيم في المتاجر العامة، بل إن الخوف تركز على الأحباء المسجونين ظلما في النصف الآخر من العالم".
ويقول الناشط: "في صباح يوم الثلاثاء، استيقظت على أخبار متداولة عن أول إصابة بفيروس كوفيد-19 في سجن وادي النطرون، وهو المكان الذي حجز فيه والدي سجينا سياسيا في مصر منذ عام 2013، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول تخيل السجناء المصريين وهم محشورون كعلب السردين في زنازين تحت الأرض دون تهوية، والموت الذي ينبث في وسطهم، إن هذه الحالة تبدو للقارئ كأنها مشهد من فيلم رعب، لكنها الحقيقة المرة التي يعيش فيها ستون ألف سجين سياسي في مصر عندما يتفشى الوباء حول العالم ويتسلل عبر أبواب الزنازين".
ويضيف سلطان: "خلال الأسبوعين المنصرمين، سربت رسالة من سجن آخر يدعي وجود حالات تحمل أعراضا مماثلة للكورونا، ومع قيام بعض الأنظمة القمعية في المنطقة بإطلاق سراح أسرى لمنع الكارثة الإنسانية، مثل إيران والبحرين والأردن، فإن مصر ما تزال متأخرة".
ويشير الكاتب إلى أن "السجناء المصريين يعرفون بالحالة غير الإنسانية لظروف سجنهم، حتى عند زوال خطر تفشي الوباء، فخلال هذا العام، مات صديقي مصطفى قاسم عن عمر يناهز 54 عاما، وهو مصري أمريكي، بعد إضراب عن الطعام احتجاجا على ست سنوات من الاحتجاز غير المشروع، ومصطفى كان الأمريكي الأول الذي يتوفى في السجون المصرية في التاريخ الحديث، لكنه كان واحدا من أصل 678 مصريا ممن عانوا من الإهمال الطبي والوفاة في السجون المصرية في الفترة ذاتها".
ويقول سلطان: "لقد عشت هذه المعاملة في عام 2013، عندما خضعت لعملية جراحية ارتجالية في سجن الطرة على يد أحد الزملاء المساجين دون أدوات تعقيم أو تخدير، لقد استخدم الطبيب في ذلك الوقت زرادية وشفرة مستقيمة بدلا من مشرط طبي لإزالة مسامير بحجم 13 بوصة كانت تدعم وتداوي ما لحق بالذراع اليسرى من أضرار نتيجة الإصابة برصاص الأمن المصري، وبقيت لأشهر دون عناية طبية رغم المطالب المتكررة من الحكومة الأمريكية".
ويضيف الناشط: "لقد عشت بصعوبة، لكن في النهاية تحررت، تخيل معاناة عشرات الآلاف من المصريين الذين كانوا أقل حظا، الذين ما يزالون يقبعون في الزنازين والسجون قليلة الهواء المتجدد، ويشارك فيها كل 20 سجينا منهم مساحة 200 قدم مربع، ويتشاركون في صنبور واحد للماء، ويستخدمون فتحة أرضية حماما".
ويلفت سلطان إلى أن "السجناء ليسوا هم فقط الضحايا المحتملين لهذا الفيروس، فالحراس وذوو الرتب الصغيرة في السجون ممن يستخدمون وسائل النقل العام للوصول إلى السجون يمكنهم الإصابة ونقل الفيروس بينهم، مثل السجناء، فمن المعروف عن الفيروس أنه لا يفرق بين سجين ومسجون، وبالتالي فإن من غير المحتمل أن تحصل كلتا المجموعتين على الرعاية الطبية اللازمة للكشف عن الفيروس واحتوائه لإنقاذ الأرواح".
وينوه الكاتب إلى أن "المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها أعلن عن وجود 60 حالة على الأقل بين 15 ولاية مرتبطة برحلات لنهر النيل، ما يجعل مصر بؤرة ساهمت في تصدير الوباء حول العالم، كما قدر باحثون من جامعة تورونتو في كندا وجود 6 آلاف حالة إصابة في مصر، بالتزامن مع إعلان الحكومة المصرية عن 210 حالات فقط".
ويفيد سلطان بأن "الرد المصري كان أبطأ بدرجات مضاعفة من الانتشار المتوقع للوباء، فبدلا من زيادة الاختبارات ونشر الشفافية، قامت السلطات المصرية بسحب اعتماد الصحافة من الصحافي المصري الذي نشر مقالا في صحيفة (الغارديان) يكشف فيه عن نتائج الأبحاث في جامعة تورونتو، أما بالنسبة للسجون، فقامت السلطات المصرية بمنع الزيارات لها لمدة 10 أيام، بالإضافة إلى أنها اعتقلت أربع نساء تظاهرن احتجاجا على الخطر الوشيك الذي سيواجه أحباءهن في السجن".
ويؤكد الناشط أن "الوباء هو من الأعداء الأشد فتكا للإنسانية، ولا طريق للقضاء عليه إلا من خلال التعاون المشترك، وهذا التعاون يجب أن يشمل التعامل مع الحالات التي يمكن لها أن تنشر الوباء كالنار في الهشيم، ويمكن للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يحفظ ماء وجهه وأن يحظى بدعم سياسي هو بأمس الحاجة إليه إذا فعل ما هو منطقي وإنساني: تقليص أعداد السجناء بإطلاق سراح السجناء الضعفاء، مثل كبار العمر، والسجناء ممن يعانون من مشكلات صحية، وسجناء الحبس الاحتياطي، وفي الوقت الذي تتحضر فيه السلطات المصرية لفرض حظر التجول في البلاد يجب أن تكون الأولوية للاقتراحات السابقة قبل فوات الأوان".
ويقول سلطان: "لا أستطيع إخفاء الخوف على والدي المسجون ظلما، الذي يواجه خطرا كبيرا، إذ بلغ من العمر 61 عاما، ويعاني من مرض السكري وضغط الدم، والتهاب الكبد ج، بالإضافة إلى خوفي على آلاف الأرواح البريئة المهمشة والمنسية ولعائلاتهم التي تعاني أصلا أشد أنواع المعاناة".
ويختم الكاتب مقاله بالتأكيد على ضرورة عدم نسيان من هم أكثر عجزا حول العالم والسجناء المصريين، وطالب بالدعم والمطالبة بإطلاق سراحهم، فـ"هي مسؤولية جماعية لئلا تتحول تلك السجون -مقابر الأحياء- إلى مقابر أموات".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)