نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحافيين أشلي باركر وجوش داوسي وياسمين أبو طالب، يقولون فيه إن الرئيس
ترامب حاول خلال الإحاطة اليومية للإعلاميين، يوم الاثنين، أن يجر منسقة مواجهة فيروس
كورونا، ديبرا بيركس، إلى انتقاد الإعلام، وهو توسل تجنبته ببراعة وبابتسامة تحدثت عن حجم المعرفة التي اكتسبتها حديثا عن "التباعد الاجتماعي والأمراض التنفسية".
ويشير الكتّاب في مقالهم، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ترامب حاول يوم الثلاثاء، وخلال برنامج "فيرتشوال تاونهول" على "فوكس نيوز" مع فريق التعامل مع الفيروس، أن يدفع بيركس لانتقاد حاكم نيويورك أندرو كوومو (ديمقراطي) على التفشي السريع لفيروس كورونا في ولايته، فسأل ترامب بيركس: "هل تلومين الحاكم لذلك؟"، لكنها أهملت السؤال واستمرت في جوابها.
ويعلق الكتّاب قائلين إن "ذلك التمثيل المسرحي المكلف بين ترامب وأحد كبار مسؤوليه في الصحة العامة يبرز التوتر الموجود في البيت الأبيض: فريق من العلماء وخبراء الصحة -بينهم بيركس والخبير في الأمراض المعدية أنتوني فوسي- وجدوا أنفسهم في لعبة جر حبل مع ترامب، ففي الوقت الذي يسعون فيه لتقديم وجهة نظر تقوم على بيانات وأدلة في الجناح الغربي، فإن الرئيس يحلم في علاج (معجزة)".
ويلفت الكتّاب إلى أن "ترامب قام بشكل متزايد بالتقليل أو التخلي عن الكثير من الخبراء العلميين والصحيين، واعتمد بدلا من ذلك على نصائح المستشارين الاقتصاديين والأصوات الخارجية من عالم الأعمال، الذين يحثونه على تقديم الاقتصاد على كل شيء آخر، وقال ترامب يوم الثلاثاء لـ(فوكس نيوز) إنه يأمل أن يفتح البلد مرة أخرى مع حلول عيد الفصح في 12 نيسان/ أبريل، وهو توقيت يتناقض تماما مع توصيات الخبراء، مثل فوسي الذي قال سابقا بأن إجراءات التباعد الاجتماعي ربما تحتاج أن تستمر (عدة أسابيع)".
ويفيد الكتّاب بأن هذه ليست هي المرة الأولى التي يختلف فيها الرئيس علنا مع التوصيات العامة والخاصة لفوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، مشيرين إلى أن ترامب صدم المجتمع العلمي، يوم الأحد، من خلال تغريدة تعكس رغبته في فتح البلد قريبا، فكتب: "لا يمكن أن نسمح للعلاج بأن يكون أسوأ من المشكلة ذاتها".
وتنقل الصحيفة عن السيناتور لندزي غراهام، قوله إنه تحدث مع فوسي يوم الاثنين بعد وقت قصير من سلسلة تغريدات لترامب في الاتجاه ذاته، وأشار إلى أن فوسي اختلف مع تقييم ترامب للأزمة، وقال غراهام: "إنه (فوسي) يعتقد أنه يجب علينا أن نفعل المزيد وليس أقل".
وينوه الكتّاب إلى أن فوسي، الذي كان غائبا عن عدد من النشاطات المتعلقة بفيروس كورونا قبل عودة ظهوره في الإحاطة اليومية في البيت الأبيض مساء الثلاثاء، قلل في مقابلة سريعة معه من شأن مؤشرات التوتر مع ترامب، وقال فوسي: "الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أقوله لكم هو أنه كل مرة أتحدث معه حول شيء ما يستمع إليه بحرص ويزنه.. إنه مسؤول عن أكثر بكثير مما أنا مسؤول عنه".
ويؤكد الكتّاب أن "هذه الصورة (التي يرسمها المقال) من التوتر المتزايد بين الرئيس والمجتمع العلمي هي نتاج مقابلات مع 15 مسؤولا كبيرا في الإدارة ومعاونين ومستشارين خارجيين وغيرهم من المطلعين على المداولات الداخلية، وكثير منهم تحدث بشرط عدم ذكر اسمه لمشاركة تقديراته الصريحة".
ويقول الكتّاب إن "ترامب أنشأ عملية شبيهة بالمصارعة الرومانية لإدارة أزمة فيروس كورونا، فيجادل المستشارين والخبراء كلهم بقوة وجهة نظره -سواء كانت تتعلق بالصحة العامة أو النمو الاقتصادي- ما ولد ديناميكية جعلت بيركس وفوسي وغيرهما يقدمون توصيات لترامب هو غير راغب في سماعها".
وتذكر الصحيفة أنه خلال مؤتمره الصحافي يوم الاثنين، سئل ترامب إن كان فوسي يتفق معه حول إعادة الاقتصاد للعمل ثانية على حساب إجراءات التباعد الاجتماعي التي أوصى بها فوسي وغيره لفترة طويلة، وأجاب ترامب بالنفي، مستخدما النفي المكرر ليبرز المسافة بين إجماع الصحة العامة وبين الرئيس، الذي يرى في الاقتصاد علاقة مباشرة لفرص إعادة انتخابه.
وينقل الكتّاب عن أحد الأشخاص المطلعين على حوارات فريق التعامل مع الفيروس، قوله إن ترامب بقي يدفع بأسماء أدوية تجريبية غير مثبتة تعالج كل شيء، بالرغم من عدم وجود بيانات كافية تظهر فعالية تلك الأدوية وعلى عكس نصائح مستشاريه العلميين؛ لأنه "يريد هذه اللحظة السحرية عندما ينتهي هذا الأمر بشكل كامل".
وتشير الصحيفة إلى أن أحد رجال الأعمال، الذي كان جزءا من حوارات الإدارة، وهو على اطلاع على آراء الرئيس، وصف التوتر بين السياسيين والأطباء على أنه "توتر طبيعي" داخل الفريق الذي يعمل بعقلية "سنقوم بإنقاذ الأرواح جميعها"، بغض النظر عن عدد القيود التي يحتاجها الوضع، وقال هذا الشخص: "وظيفة السياسي هي أن يوازن بين المخاطر والمكاسب ويقرر بناء على ذلك.. هذا المرض سيقتل بشرا لكن الفقر سيقتل المزيد منهم على فترة أطول من الزمن".
ويجد الكتّاب أنه على خلاف بيركس وفوسي، اللذين يحاولان جهدهما عدم انتقاد الرئيس علنا أو بشدة، فإن الكثير في المجتمع العلمي قلقون جدا من كلام ترامب ومقترحاته ولا يحاولون إخفاء قلقهم هذا.
وتلفت الصحيفة إلى أن رئيس تحرير مجلة "سيانس" كتب هذا الشهر، قائلا إن مطالب ترامب بتصنيع تطعيم مباشرة ضد فيروس كورونا، الذي يتوقع أن يأخذ عاما، إن لم يكن أكثر، شبيهة بالطلب بأن يتم إيجاد علاج على "وارب درايف" (مركبة فضائية خيالية يمكنها السير بأضعاف سرعة الضوء)، ونبّه الرئيس بأن عليه أن "يبدأ بالتعامل مع العلوم ومبادئها باحترام".
وينوه الكتّاب إلى أن المفوض السابق في إدارة ترامب في إدارة الغذاء والدواء، سكوت غوتليب، حذر من خلال عدد من التغريدات من أنه بالرغم من "رغبة قوية ومفهومة للعودة إلى أوقات أفضل واقتصاد يعمل"، فإن الفشل في مكافحة انتشار كوفيد-19 قد يكون كارثيا.
وكتب غوتليب قائلا: "ما دام كوفيد-19 ينتشر دون سيطرة، فإن كبار السن سيموتون بأعداد تاريخية، والذين هم في أواسط عمرهم سيقضون فترات طويلة في غرف الإنعاش في محاولة للنجاة، وستصبح المستشفيات مكتظة، ومعظم الأمريكيين يخشون مغادرة بيوتهم، أو تناول الطعام في الخارج، أو الركوب في قطارات الأنفاق، أو الذهاب إلى الحدائق العامة".
وتفيد الصحيفة بأن مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض (CDC) كان في الوقت ذاته أقل ظهورا خلال الإحاطات اليومية التي يعقدها البيت الأبيض حول فيروس كورونا، وعقد عددا أقل من المؤتمرات الصحافية من حالات التفشي السابقة، إلا أن بعض مسؤولي الإدارة يصرون على أن (CDC) لا يزال يؤدي دورا رئيسيا في اجتماعات فريق التعامل مع فيروس كورونا، حيث يتم اتخاذ القرارات.
ويذكر الكتّاب أنه تم تعطيل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية (HHS) منذ أن عين ترامب نائبه بنس للإشراف على فريق التعامل مع فيروس كورونا في الجناح الغربي للبيت الأبيض، مشيرين إلى أنه في الوقت الذي يحضر فيه مسؤولون من HHS اجتماعات الفريق، ويشاركون في مكافحة الفيروس، إلا أن مشاركتهم تم خفضها إلى أقل مستوى من الجهود الرئيسية.
ويقول الكتّاب: "فمثلا لم يكونوا جزءا من صناعة القرار بخصوص مبادرة الفحص في السيارة التي قادها جاريد كوشنر ووكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية FEMA الذي تم اتخاذه مؤخرا لتنسيق التعامل مع الفيروس، وهو ما زاد من تهميش HHS. وكان كل من مدير CDC، روبرت ريدفيلد، وسكرتير HHS، أليكس آزار، من بين المسؤولين الأساسيين الذين يقدمون إحاطات لترامب، لكن ذلك توقف".
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤولين كبيرين في الإدارة، قولهما إن دور FEMA في التعامل مع الكوارث مناسب لهذا الوباء.
وينقل الكتّاب عن الأستاذ في جامعة هارفارد ومدير معهد الصحة العالمي في هارفارد، أشيش جا، قوله إنه مع أنه مرتاح لبقاء بيركس وفوسي حول ترامب، إلا أنه لا يبدو أن الرئيس يستمع لنصحهما، وأضاف جا: "ما تشعر به هو أنه في الوقت الذي يبقى فيه بعض العلماء بالقرب منه، فإن الكثير مما يتلفظ به وما يصدر عن البيت الأبيض لا يتوقع أن يكون هو النصح الذي يقدمه العلماء.. هناك الكثير من الذي يصدر عن البيت الأبيض يشعر الشخص أنه لا يقف خلفه مستشارون علميون".
ويرى الكتّاب أنه "مع ذلك، فإن ترامب بشكل عام لديه مشاعر جيدة نحو الاختصاصيين الطبيين المشاركين في الفريق، خاصة بيركس وفوسي، وقال في مجالس خاصة إن فوسي ذو كفاءة عالية ويفيض بالخبرة، وعادة ما يعامل العلماء خلال الاجتماعات باحترام ويعطيهم الفرص لشرح المعطيات ومواقفهم، بينما يقوم بسؤالهم مجموعة من الأسئلة، ودائما تحضر بيركس معها الرسوم البيانية والبيانات لتعرضها على الرئيس، بحسب ما قاله المسؤولون".
وتستدرك الصحيفة بأن الرئيس بدأ في الأيام الأخيرة ينزعج من تصحيحات فوسي اللطيفة لتصريحاته "ترامب" من المنصة، وخلال مجموعة من المقابلات الصريحة مع الإعلام، مشيرة إلى أنه في مقابلة مع "سيانس" تم نشرها على الإنترنت، مساء الأحد، وصف فوسي صعوبة التعامل مباشرة مع تصريحات ترامب الخاطئة المتكررة، فقال: "لا يمكنني القفز أمام الميكروفون ودفعه.. نعم لقد قال ما قال، فلنحاول تصحيح ما قاله المرة القادمة".
ويشير الكتّاب إلى أن هناك مسؤولين آخرين بدأوا يضيقون ذرعا بفوسي؛ وذلك جزئيا لأنه لم يعد يحصل على موافقة مسبقة على مقابلاته الإعلامية، التي يرونها أحيانا بأنه يهدف منها التسويق لرؤيته الشخصية أكثر من كونه الرئيس، بحسب ما قاله مسؤول كبير في الإدارة.
وتلفت الصحيفة إلى أن المستشارين منزعجون أيضا من بعض التغريدات والمقابلات التلفزيونية لغوتليب، الذي كان يقدم الاستشارة للفريق بشكل غير رسمي، التي يعارض فيها الرئيس.
ويورد الكتّاب نقلا عن أحد الجمهوريين الذين يتصلون باستمرار بالبيت الأبيض، قوله إن ترامب في الأساس هو رجل أعمال، وعندما يتم تجاذبه بين قطبين -هما الخبراء الطبيون ومجتمع الأعمال- فإن الرئيس في الغالب سيميل إلى الأخير.
وتستدرك الصحيفة بأن بعض حلفائه حاولوا إيصال حجم الأزمة للرئيس، وحذروه في جلسات خاصة من أنه إن قام بتعديل سياسته الصحية لدعم الاقتصاد، وحصل ارتفاع شديد في وفيات فيروس كورونا، فإنه سيتم توجيه اللوم له شخصيا.
ويختم الكتّاب مقالهم بالإشارة إلى قول دان ايبرهارت، وهو متبرع بارز للجمهوريين: "يحتاج ترامب إلى مقاومة ميله للاستماع للاقتصاديين حتى نهزم الفيروس.. وإن حاول ترامب إعادة بدء الاقتصاد في وقت أسرع واستمر الوباء في الانتشار فإن ذلك سيكون هو إرثه، وسيكون إرث فشل"، ودعا الرئيس أن ينتظر.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)