هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أظن عن نفسي أني مسالم كثيرا، وأكره العنف، ولا أحبذه كأسلوب في التعامل مع الحياة والناس والأشياء، وهذا الطبع من الأشياء القليلة التي تعجبني في شخصيتي، وتجعلني أتقبل نفسي في الأوقات التي أبحث فيها عن السلام معها.
لكن الأشياء ليست دائما كما تبدو، وقد يكون لدى كل إنسان سلوكيات لا يعلم بوجودها، وكل ما في الأمر أن الفرصة لم تتح له ولم تتهيأ الظروف المناسبة لظهورها إلى العلن.
ومع أني أحبذ السلام حتى مع الأعداء الظاهرين الذين يحملون البنادق ويعتمدونها كوسيلة للتفاهم، إلا أني اكتشفت مؤخرا أن هذا ليس كل شيء. وأن السلام مسألة فيها نظر، وأن هنالك أعداء رغم ما أدعيه من تسامح وجنوح للطف وبعد عن العنف لم أستطع حتى تخيل أني لن أسومهم سوء العذاب لو كنت مسؤولا عن عقابهم.
وجدت أن لدي ميولا سادية تجاه من يؤذون الآخرين بنذالة وخسة، والأيام الأخيرة قرأت وشاهدت كثيرا من الأخبار عن هذه العينة من الكائنات البشرية.
الذي يبصق - أجلكم الله - على العملات المعدنية، أو يلوث الطعام متعمدا أو يمارس الغش في أمر يتعلق بحياة الناس وصحتهم؛ كائنات عصية على التعاطف أو تفهم سلوكهم الإجرامي.
وقد قرأت خبرا أن عصابات إجرامية في البرازيل قررت فرض حظر للتجول في إحدى المناطق التي تقع تحت سيطرتها، حرصا على صحة الناس لأن الحكومة لم تفعل ذلك، وقرأت عن عصابات قررت تعليق نشاطها الإجرامي في هذه الفترة تعاطفا مع ضحايا الوباء الذي يجتاح العالم، ومع أني لست واثقا من صحة ما قرأت على وجه اليقين، إلا أني لا أستبعد صحة مثل هذه الأخبار لأن المجرمين ليسوا كلهم أنذالا، النذالة شيء قبيح يضاف إلى قبح الجريمة نفسها.
الأخبار التي أنا واثق من أنها قد وقعت بالفعل تتعلق مثلا بالكشف عن مجموعة صيدليات في السعودية تبيع أدوية وحليب أطفال منتهيا الصلاحية، ومعقمات مغشوشة. وتستغل الوضع الراهن في بيع بضائعها الضارة بأسعار مرتفعة.
وعودة على بدء فقد فكرت فيما لو كنت الشخص الذي سيعاقب أمثال هؤلاء، ووجدت أنه لا علاقة بيني وبين التسامح والرحمة وأن ما كنت أتوهمه عن نفسي غير دقيق تماما.
الغش وحده جريمة، والغش في الدواء جريمة مركبة، فأنا وأنت وهو وهي حين ندخل إلى الصيدلية أو المشفى فإننا ندخل بشعور الأمان باحثين عن أمل الشفاء، وأن هذا المكان هو المكان الأخير في هذا الكوكب الذي لن يدخله الغش والتلاعب. وفي هذا الظرف تحديدا الذي يتوب فيه المجرمون نستبعد فكرة أن هنالك من يراه فرصة لمزيد من الخسة والنذالة والإجرام.
وعلى أي حال..
أحترم الأعداء الواضحين، الذين يشهرون بنادقهم في الوجه مباشرة، الذين يخبرونك بوضوح أن هدفهم هو وضع حد لحياتك، هؤلاء يسهل التعامل معهم، وتفهم دوافعهم مهما كانت مؤذية، ويمكن التعامل معهم بالمثل وأظنهم يتقبلون ذلك ويرونه وضعا عادلا.
لكن الأنذال الذين يبيعون الموت في علب الحياة، الذين يرون في كل كائن متحرك فرصة لزيادة أرصدتهم بأي طريقة، الذين يعتبرون الخسة أسلوب الحياة الأفضل، هؤلاء لا يستحقون الشفقة ولا الرحمة وسيعيشون أنذالا ويموتون أنذالا. هم أرذل وأحط حتى من أن يكونوا مجرمين.
عن صحيفة "مكة" السعودية