صحافة دولية

ساينس: حرب بين العلم ونظريات المؤامرة بإيران لمواجهة كورونا

ساينس: إيران تواجه كورونا بمزيج من العلم ونظريات المؤامرة- الأناضول
ساينس: إيران تواجه كورونا بمزيج من العلم ونظريات المؤامرة- الأناضول

نشرت مجلة "ساينس" تقريرا للكاتب ريتشارد ستون، يقول فيه إن إيران تواجه فيروس كورونا وسط معركة بين العلم ونظريات المؤامرة.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما أصيب مهدي فريجي بمرض كوفيد-19 في أوائل آذار/ مارس، فإنه عزل نفسه في شقته في طهران ليتجاوز المرض، لكن الراحة في البيت لم تساعد، فأصبح يعاني من ضيق النفس وتراجع في مستوى الأكسجين في الدم لديه، حينها أدرك فريجي، الطبيب البالغ من العمر 43 عاما، الذي يدير عيادة المنطقة 21 في طهران، مدى خطورة ما يواجهه.

 

وينقل ستون عن فريجي، قوله في فيديو سجله على هاتفه قبل أيام من وفاته: "أتناول ثلاثة أنواع من الأدوية، لكنها لا تجدي نفعا بالنسبة لي".

 

وتقول المجلة إن فيديو حزينا، في 20 آذار/ مارس، يظهر أربعة عمال يلبسون الملابس الواقية والكمامات يقومون بتجهيز قبره في ساحة أحد المزارات في مسقط رأسه، بلدة ساري، فيما لم تحضر زوجته وأطفاله الدفن خشية العدوى، مشيرة إلى أن ذلك كان بعد منتصف الليل في عيد النوروز، رأس السنة الفارسية، التي تكون عادة بداية أعياد واحتفالات.

 

ويلفت التقرير إلى أن دفن فريجي "الغريب والكئيب" كان تجسيدا للمعاناة التي تواجهها إيران لزميله سيد ناصر عمادي، وهو صديق لفريجي وطبيب الأمراض الجلدية في جامعة طهران للعلوم الطبية، مشيرا إلى أن صفوف العاملين في الصحة لم تتضرر في أي بلد كما هي الحال في إيران، فقد سجلت بينهم 43 وفاة إلى الآن، وقال عمادي: "عندما بدأنا رؤية العديد من زملائنا يموتون أدركنا مدى سوء الوضع".

 

ويفيد الكاتب بأن هناك اليوم 38309 حالات مؤكدة في إيران، و2640 وفاة، وهو ما يشكل أعلى أرقام في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه بحسب تقديرات العلماء في جامعة نيو ساوثويلز، من خلال آخر نموذج محاكاة، فإنه يتوقع أن يصاب 48 مليون شخص بالفيروس -أكثر من نصف عدد سكان إيران- دون جهود كبيرة لوقف انتقال العدوى، فيما توقع نموذج محاكاة آخر أنه دون تدخل كبير فإن عدد الوفيات في إيران قد يصل إلى 100 ألف شخص.

 

وتجد المجلة أن "هناك أمرين خاصين بإيران يؤثران على ردة فعلها، الأول، بحسب العلماء الإيرانيين، هو العقوبات الأمريكية التي تشل إمكانية استيراد الأدوية واللوازم الطبية الواقية أو إنتاجها في البلد، وقال رئيس المعهد الدولي لهندسة وعلم الزلازل، محمد كاظم جعفري، غاضبا: (إنه إرهاب طبي ضد المدنيين الإيرانيين)، والثاني ضرر تلحقه إيران بنفسها: فالإعلام الإيراني كان مليئا بـ(وصفات) مشكوك فيها لمرض كوفيد-19 -وتتحدث التقارير عن وفاة مئات الإيرانيين بسبب تناولهم الميثانول- إضافة إلى الحديث عن التفشي على أنه خطة غربية، ويقول المتخصص في الشأن الإيراني في جامعة ييل والمسؤول البيئي في إيران سابقا، كاوه مدني: (إنها حرب كبيرة بين العلم ونظريات المؤامرة)".

 

وينوه التقرير إلى أن إيران أعلنت عن أول حالة كوفيد-19 مؤكدة في 19 شباط/ فبراير: حالتي وفاة في مدينة قم، مشيرا إلى أن الكثير من المراقبين يعتقدون بأن الفيروس حصل على موطئ قدم في وقت سابق، وأن انتشاره تسارع خلال التجمعات في أنحاء إيران في 11 شباط/ فبراير لإحياء ذكرى ثورة 1979، التي جذبت مئات آلاف المشاركين، ثم الانتخابات البرلمانية بعد عشرة أيام من ذلك، وقد حث المرشد الأعلى علي خامنئي الإيرانيين للذهاب للاقتراع، وقال إنه يتم استخدام الفيروس "لتثبيط الناس عن التصويت".

 

ويبين ستون أنه مع انتشار المرض، فإن وزارة الصحة الإيرانية تعاونت مع الجيش والمتطوعين لتجهيز وتشغيل 1200 مركز على مستوى البلد لفحص حالات الإصابة بالفيروس، بحسب ما قاله نائب وزير الأبحاث، رضا مالك زاده، مستدركا بأن الحكومة قاومت فرض التباعد الاجتماعي، وقال الرئيس حسن وحاني، في 25 شباط/ فبراير، إن فيروس كورونا المستجد هو "إحدى مؤامرات العدو لإغلاق بلدنا من خلال نشر الذعر".

 

وتذكر المجلة أن الحكومة لم تغلق مزارات قم، التي تجذب الحجاج من أنحاء إيران كلها ومن خارجها، حتى 17 آذار/ مارس، بعد أن وصل عدد الحالات في إيران إلى 16169 حالة، وعدد الوفيات 988 وفاة، مشيرة إلى أن المدارس تحولت في البلد كله إلى التعليم على الإنترنت، وأغلقت المحال التجارية الرئيسية، وتم تعليق خدمات قطار الأنفاق في كل من أصفهان وشيراز، إلا أن مكاتب الحكومة لا تزال مفتوحة بأعداد موظفين أقل، ولم توضع أي منطقة تحت الحجر الصحي، مع أن السلطات الآن تحاول أن تمنع تنقل السيارات بين المدن.

 

ويشير التقرير إلى أن النظام الصحي في إيران لم يكن مستعدا للتعامل مع الانفجار في إصابات كوفيد-19، فيما تمكن عدد من الجمعيات الخيرية من شحن كميات محدودة من المستلزمات الطبية لإيران، مستدركا بأن العديد في إيران يلقون باللوم بسبب النقص في هذه المواد على العقوبات الأمريكية التي قامت الإدارة الأمريكية بمضاعفتها العام الماضي بعد الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015. 

 

ويفيد الكاتب بأن أمير حسين تاقيان وزملاءه من جامعة طهران للعلوم الطبية، كتبوا رسالة في 17 آذار/ مارس لمجلة "ذي لانسيت" الطبية، قالوا فيها إن تلك العقوبات تغرم الشركات غير الأمريكية لعلاقاتها التجارية مع إيران، "وهو ما يساوي تقريبا إغلاقا اقتصاديا كاملا.. و(هذا) يعطل بشكل مباشر أو غير مباشر نواحي الوقاية والتشخيص والعلاج كلها، و(يجعل) البلد تفشل في مواجهة الأزمة".

 

وتلفت المجلة إلى أن بعض جيران إيران، ممن لديهم أنظمة صحة أضعف ويخشون انتقال المرض إلى بلدانهم، دعوا أمريكا إلى التدخل، ففي 22 آذار/ مارس ناشد رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أمريكا أن ترفع العقوبات عن إيران حتى ينتهي وباء كوفيد -19، وكان رد الحكومة الأمريكية هو فرض المزيد من العقوبات، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد عرضت في أواخر شباط/ فبراير تزويد إيران بالمساعدة والإمدادات الطبية.

 

وينوه التقرير إلى أن خامنئي رفض هذه العروض في 22 آذار/ مارس، وقال إن أمريكا "متهمة بتصنيع الفيروس.. لا أدري مدى دقة ذلك الادعاء، لكن مع وجود مثل هذه التهمة، فأي شخص عاقل يمكنه أن يثق بكم؟".

 

ويقول ستون إن الحكومة سحبت في اليوم التالي التصريح الذي منحته لجمعية أطباء بلا حدود لإقامة مستشفى ميداني، بخمسين سريرا، في أصفهان لمعالجة المصابين بكوفيد-19، وكانت وحدة العلاج قد هبطت في طهران، وكان قد وصل فريق من تسعة أشخاص إلى أصفهان، وقالت منظمة أطباء بلا حدود إنها "فوجئت بشكل كبير" بهذا القرار، الذي جاء بعد انتشار شائعات على الإنترنت بأن هدف الفريق هو سرقة معلومات عن التركيبة الوراثية لفيروس كوفيد-19 المنتشرة في إيران. 

 

وتعلق المجلة قائلة: "يبدو أن هذه الحساسية تعيق الجهود لجمع معلومات حول سلالات الفيروس المنتشرة في إيران، وقال المتخصص في الأمراض المعدية في جامعة بريريا في كولومبيا، ألفونسو رودريغيس موراليس: (لا نعلم بعد الفرق بين المعزولين في إيران وغيرهم في الشرق الأوسط وآسيا)، لأن إيران لم تسجل التسلسل الوراثي (لسلالة الفيروس) في قاعدة المعلومات العالمية GISAID. 

 

ويذكر التقرير أن هذا البلد الشرق أوسطي يوفر من خلال وجود أكبر عدد من الإصابات بفيروس كوفيد-19 فرصة لتجريب بعض الأدوية المحتملة، حيث ستشارك إيران في التجربة الواسعة التي تجريها منظمة الصحة العالمية لفعالية بعض الأدوية، مثل علاج يستخدم ضد فيروس نقص المناعة البشرية وعلاج للملاريا، بالإضافة إلى أن العلماء الإيرانيين يقومون بعدة تجارب إكلينيكية على عقاقير مثل تلك المستخدمة ضد الروماتيزم والسكر، مشيرا إلى أن فريقا يقوم بحقن مرضى كوفيد-19 بدم أشخاص أصيبوا وتعافوا من المرض، الذين يحتوي دمهم على كميات جيدة من الأجسام المقاومة للمرض.

 

ويشير الكاتب إلى أن فريقا يقوده مدير معهد رويان لتكنولوجيا وعلوم الخلايا الجذعية، حسين باهارفاند، يقوم بحقن مرضى كوفيد-19 بخلايا جذعية وسيطة لفحص إمكانية مساعدة هذه الخلايا أن تحفز جهاز المناعة على إفراز الببتيدات المضادة للميكروبات لوقف العدوى.

 

وتلفت المجلة إلى أن إيران تحاول اتباع أسلوب جديد لقتل الخلايا السرطانية والميكروبات: البلازما الباردة (CAP)، حيث يولد الغاز المتأين جزيئات أكسجين ونيتروجين متفاعلة تعيق أغشية الخلايا، وربما البروتينات الفيروسية، مشيرة إلى أن هذا الأسلوب بدا واعدا في تعقيم الأسطح، بحسب مايكل كيدار، وهو فيزيائي متخصص في البلازما ومهندس طب حيوي في جامعة جورج واشنطن، الذي يقوم بتطوير "فرشاة بلازما" لتعقيم الكمامات وغيرها من الأجهزة المستخدمة خلال علاج مرضى كوفيد-19. 

 

وينقل التقرير عن كيدار، قوله إن البلازما الباردة جربت على عدد قليل من مرضى السرطان، وأضاف أن تجريبها على مرضى كوفيد-19 "صعب وخطير"، لكن العلماء الإيرانيين يزعمون وجود نتائج مشجعة. 

 

وينوه ستون إلى أن فريقا بقيادة جلال الدين غنوي من معهد الأبحاث القومي للسل وأمراض الرئتين، قام بتجربة سلامة على 14 مريض كوفيد-19، نصفهم أعطي هيليوم متأين من خلال كمامة التخدير، مشيرا إلى قول غنوي، الذي يسجل لتجربة أوسع، إن المرضى تحسنوا.

 

وتقول المجلة إنه "كما هو الحال بالنسبة للعديد من زملائه على جبهة مكافحة كوفيد-19، فإن عمادي أصيب بالمرض، فبعد قضاء أسبوع في علاج مرضى كوفيد-19 في مستشفى ياس في طهران، شعر في 2 آذار/ مارس بضعف وآلام، تبعهما سعال جاف، ويقول إنه (شعر بالإصابة بالإنفلونزا)، وبعد أن أصبح يتعرق ويقشعر كشفت صورة أشعة عن وجود ظل على رئتيه، وهو ما يشير إلى مرض كوفيد-19، لكنه تحسن بسرعة".

 

وبحسب التقرير، فإن عمادي يخشى من أن عشرات آلاف المسنين الإيرانيين والذين يعانون من أمراض مزمنة أو أمراض رئوية بسبب التعرض لغاز الخردل، خلال الحرب العراقية الإيرانية، ستكون فرصهم في النجاة ضئيلة، مشيرا إلى أنه قام بعلاج العديد من هؤلاء المرضى، ويخشى أنهم سيعانون من أعراض قوية ستوصلهم إلى وحدات العناية المركزة وما هو أسوأ من ذلك.

 

وتختم "ساينس" تقريرها بالإشارة إلى أنه في 25 آذار/ مارس أصيبت زوجة عمادي بكوفيد-19، وتم نقلها للعناية المركزة، لكنها شفيت بسرعة وأعادها اليوم إلى البيت.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)