هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: موسوعة المخيمات الفلسطينية، الجزء الأول، مخيمات سوريا 2019
الكاتب: أحمد مصطفى الباش
الناشر: مركز أجيال للتوثيق، السويد، مدينة مالمو
(247 صفحة من القطع المتوسط).
بعد إنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار/ مايو من عام 1948 بدعم غربي، برزت قضية اللاجئين الفلسطينيين كقضية جوهرية، نظراً لأنها طالت القسم الأكبر من أراضي فلسطين التاريخية، ونحو (61) في المائة من إجمالي الشعب الفلسطيني؛ حيث أقيمت دولة الاحتلال الصهيوني على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومترات مربعة، وتمّ طرد (850) ألف فلسطيني من وطنهم، ليصبح عددهم في بداية العالم الحالي 2020 أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، الغالبية منهم يتركزون في دول الجوار الجغرافي العربية الأردن ولبنان وسوريا.
أهمية التوثيق
تعتبر عملية التوثيق لاتجاهات تطور أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم غاية في الأهمية بعد تشتت الشعب الفلسطيني إثر النكبة الكبرى في عام 1948. وفي هذا الاطار تندرج أهمية الجزء الأول من موسوعة المخيمات الفلسطينية، الذي تطرق إلى اتجاهات تطور المخيمات الفلسطينية في سوريا، حيث اضطر (85) ألف فلسطيني اللجوء إلى سوريا إثر نكبة عام 48، ارتفع مجموعهم ليصل إلى (535) ألف لاجئ فلسطيني في عام 2012، إضافة إلى (62) ألف نازح فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، اضطروا النزوح إلى سوريا خلال عامي 1967 و1970.
وبالنسبة إلى التوزع الجغرافي للاجئين الفلسطينيين في سوريا؛ فتشير دراسات متخصصة، إلى أنه كان يتركز (67) في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في العاصمة السورية دمشق حتى نهاية عام 2012، والمخيمات القائمة في ضواحيها. في حين توزع (33 ) في المائة على المحافظات الأخرى. وبشكل عام، كان يقطن اللاجئون في تسعة مخيمات في سوريا معترف بها من قبل وكالة أونروا نحو (40) في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في سوريا، وترتفع إلى (60) في المائة إذا أخذنا في الاعتبار مجموع سكان مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين الذي وصل إلى (151) ألف لاجئ فلسطيني في نهاية عام 2012. ولا يعتبر مخيم اليرموك مخيماً وفق تصنيفات الأونروا رغم انتشار خدمات الأونروا من صحة وتعليم بشكل كبير، نظراً لأنه كان يدار من قبل وزارة الإدارة المحلية السورية عبر بلدية اليرموك.
الثابت أن العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين وصلوا إلى سوريا بعد النكبة الكبرى عام 1948، حيث طبق الصهيونيون سياسة سكانية قامت على الاقتلاع والتطهير العرقي، وأدت إلى طرد (850) ألفا من الفلسطينيين خارج أرضهم، ووصل من بين هؤلاء (85) ألفا إلى سوريا كما أشرنا، كانوا يمثلون (10) في المائة من اللاجئين المقتلعين من فلسطين إثر النكبة عام 1948، واستمرت عمليات ترحيل محدودة للفلسطينيين إلى سوريا، حتى نهاية النصف الأول من الخمسينات. وثمة (90) في المائة من اللاجئين بشكل عام من الجليل والساحل الفلسطيني.
الثابت أن العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين وصلوا إلى سوريا بعد النكبة الكبرى عام 1948، حيث طبق الصهيونيون سياسة سكانية قامت على الاقتلاع والتطهير العرقي، وأدت إلى طرد (850) ألفا من الفلسطينيين خارج أرضهم،
ومرة أخرى ونتيجة ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية، مرتبطة بما تعرض له الشتات الفلسطيني من أزمات، فقد جاءت إلى سوريا عام 1956، أعداد من اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ودول مضيفة أخرى للاجئين، وشكل هؤلاء فئة خاصة من حيث تعامل القانون السوري معهم، وإن كانوا قد أضيفوا إلى الكتلة الأساسية التي وفدت سنة 1948، والسنوات التي تلتها. وإثر عدوان 1967 قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بطرد (460) ألف فلسطيني من الضفة الغربية والقطاع. وتعود أصول اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى (300) قرية في الجليل والساحل الفلسطيني، وتتبع (16) مدينة هي مراكز أقضية في فلسطين.
اتجاهات تطور المخيمات
يشير الباحث الفلسطيني أحمد الباش إلى أن موسوعة المخيمات التي ستصدر وتنشر تباعاً عبر خمسة أجزاء، تهدف إلى إلقاء الضوء على اتجاهات تطور المخيمات الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا، وهي نطاق عمليات الاونروا الخمسة.
الجزء الأول من عمله البحثي الذي نعرض له كان حول المخيمات الفلسطينية في سوريا، حيث رصد الباحث في فصول كتابه (البحث) التطورات المختلفة لأوضاع المخيمات الفلسطينية في سوريا منذ نشأتها بعد نكبة عام 1948، يضاف إليها ملخص عما آلت إليه تلك المخيمات خلال الأزمة السورية. اللافت قدرة الباحث أحمد الباش استحضار عناوين متشعبة وهامة لتغطية كافة جوانب الحياة واتجاهات تطورات في مخيمات سوريا، وعززها بالمعطيات والتحليل المنهجي، حيث تطرق إلى بدايات نشأة المخيمات وتطورها العمراني والمتغيرات الديموغرافية والجغرافية فيها والظروف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية وكذلك الحراكات الرياضية والثقافية والسياسية والتربوية، كما سلط الضوء على دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في المخيمات الفلسطينية في سوريا، ومعاناتها خلال الأزمة السورية، حيث كان لها آثار كارثية على المخيمات وتجمعات اللاجئين أنفسهم، وكان من ابشع صورها تدمير أجزاء كبيرة، وخاصة مخيم اليرموك ومخيم درعا وحندرات في حلب، كما تمً تهجير أعداد كبيرة من سكان المخيمات الفلسطينية إلى المنافي البعيدة والقريبة المستحدثة. أكد الباحث الباش أن كلا من الأونروا والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب قد أشرفتا على الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في سوريا.
وأهم ما تضمنه الكتاب (البحث)، تسليط الباحث الضوء على أهم أوجه المعاناة للاجئين الفلسطينيين في سوريا منذ عام 2012، وتتمثل، بفقدان الأمن والأمان ومجهولية المصير، وتغيير أولويات اللاجئين بعد طردهم من بيوتهم، وفقدان اللاجئين ثقتهم بالفصائل الفلسطينية، والأهم البحث عن جواز سفر يحميهم خلال تنقلهم بالمطارات العربية، في الوقت الذي ينتابهم الخوف من الاعتقال وانسداد الأفق والملاحقة، والأخطر من ذلك كله تشتت العائلات الفلسطينية من سوريا في العديد من دول العالم وصعوبة تجميعها من جديد.
وأشار الباحث إلى وجود عشرة مخيمات تديرها الأونروا في سوريا، منها ستة مخيمات تم إنشاؤها بعد نكبة عام 1948، في حين أنشئت المخيمات الست الأخرى بعد نكسة حزيران / يونيو 1967، وفي هذا السياق لا يعتبر مخيم اليرموك من المخيمات المذكورة رغم انتشار خدمات الأونروا من صحة وتعليم فيه بكثافة، فهو يتبع لوزارة الإدارة المحلية السورية عبر خدمات تقدمها بلدية اليرموك الموجودة في شارع فلسطين وسط المخيم.
وأكد الباحث أن سوريا استقبلت (85) ألف لاجئ فلسطيني إثر نكبة عام 1948 (60) في المائة تركزوا في العاصمة السورية دمشق والمخيمات القائمة هناك، نظراً لأن العاصمة تعتبر مركز جذب اقتصادي بالدرجة الأولى.
وصل مجموع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا خلال عام 2012 إلى (535) ألف لاجئ فلسطيني، إضافة لـ (62) ألف نازح فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة. وحتى العام المذكور كانت المخيمات الفلسطينية تستأثر على (40) في المائة من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين، وإذا أضفنا عدد اللاجئين في اليرموك والبالغ آنذاك (151) ألف فلسطيني، فإن المخيمات كانت تستحوذ على نحو (60) في المائة من عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين تنحدر غالبيتهم من مدن وقرى الجليل والساحل الفلسطيني.
أكد الباحث أن سوريا استقبلت (85) ألف لاجئ فلسطيني إثر نكبة عام 1948 (60) في المائة تركزوا في العاصمة السورية دمشق والمخيمات القائمة هناك، نظراً لأن العاصمة تعتبر مركز جذب اقتصادي بالدرجة الأولى.
رغم أهمية موسوعة المخيمات الفلسطينية التي صدر الجزء الأول منها خلال العام المنصرم 2019 ووثقت بالارقام والمعطيات اتجاهات تطور المخيمات الفلسطينية في سوريا، لكن كان لزاماً على الباحث أن يفرد فصلاً خاصاً بعمليات الترانسفير التي طالت غالبية المخيمات الفلسطينية في سوريا، وتالياً البحث عن نسب النزوح الداخلي والتهجير إلى المنافي القريبة والبعيدة، حتى تكتمل الصورة، وكان من الضرورة بمكان أن يتصدى الباحث أيضاً للآثار الكارثية التي أصابت اللاجئين الفلسطينيين في سوريا جراء القتل والاعتقال والملاحقة حيث طالت الآلاف منهم.
حتى تكتمل الصورة
بعد تدمير قسم كبير من المخيمات الفلسطينية في سوريا، تمّ تهجير نحو (60) في المائة من اللاجئين الفلسطينيين من أماكن لجوئهم في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا، وبات أكثر من (150) ألف لاجئ فلسطيني من سوريا في مناطق لجوء جديدة عربية وأوروبية، وخصوصاً في السويد وألمانيا وهولندا التي أصدرت قراراتٍ، من شأنها لم شمل عائلة من يصل إلى أراضيها من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، فيما يعاني اللاجئون الفلسطينيون الذين نزحوا من سوريا إلى دول عربية، مثل لبنان والأردن ومصر، من تعامل غير إنساني، على المستويين، المادي والمعنوي، وتعتبر قضيتهم في تلك الدول أمنية بامتياز وغير إنسانية.
ومن المعطيات المهمة ما أشارت إليه مجموعة العمل من اجل فلسطينيي سوريا ومقرها العاصمة البريطانية لندن، حيث أكدت المجموعة وجود (1780) معتقلاً فلسطينياً في الأفرع الأمنية المختلفة التابعة للنظام السوري حتى بداية نيسان/ أبريل الجاري 2020، من بينهم (110) لاجئات فلسطينيات، إضافة إلى عشرات الأطفال دون سن الثمانية عشرة من العمر، هذا فضلاً عن سقوط (4040) شهيدا فلسطينيا في سوريا حتى التاريخ نفسه، وهناك تقديرات تشير إلى استشهاد (250) طفلا فلسطينيا منذ عام 2012 وحتى الآن.
تكمن أهمية الجزء الأول من موسوعة المخيمات، بأن الباحث وثق بشكل منهجي لتطور أوضاع المخيمات الفلسطينية في سوريا على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والجغرافية منذ إنشائها بعد نكبة عام 1948 وصولاً إلى سنوات قريبة، لكن اللافت إغفال الباحت أحمد الباش لتداعيات الأزمة السورية بشكل مباشر على وجود اللاجئين المادي، وعدم التطرق إلى الخارطة الديموغرافية القسرية التي رسمت بفعل تدمير المخيمات وعمليات التهجير القسري التي طالت عشرات الآلاف من سكان المخيمات الفلسطينية ومن اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في المدن والقرى السورية بسبب الملاحقة والاعتقال اليومي على الحواجز، سواء في العاصمة السورية دمشق أوغيرها من المدن السورية الأخرى.
ومن جهة أخرى فإنه على الرغم من أهمية عملية التوثيق التي قامت بها مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا منذ عام 2012، سواء للشهداء والمعتقلين وكذلك أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا داخلياً والى المنافي البعيدة. واللافت أن عددا كبيرا من الشهداء والمعتقلين بين اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في المدن والقرى والبلدات السورية لم يتم توثيقهم بشكل كلي، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك؛ حيث سقط عدد كبير من الشهداء وتمّ اعتقال عشرات الفلسطينيين القاطنين في قرى وبلدات الغوطتين الشرقية والغربية في دوما وحرستا وعربين وسقبا وجسرين وحمورية ومعضمية الشام وداريا وغيرها من القرى والبلدات، فضلاً عن الفلسطينيين الذين كانوا ضحية القتل أو الاعتقال من سكان مناطق المَزَّة وبرزة والقابون وحتى داخل العاصمة دمشق.
ولهذا فإن عملية التوثيق غير المبتور يحتاج إلى جهود منظمة التحرير الفلسطينية بالتعاون مع وكالة "الأونروا" والصندوق القومي الفلسطيني ومكتب الإحصاء الفلسطيني، ناهيك عن أهمية تفعيل دور مؤسسة اسر شهداء وجرحى فلسطين في العاصمة السورية، وهي قادرة على ذلك كونها أحد مؤسسات المنظمة الرئيسية وتمتلك طاقات وكفاءات جيدة، فضلاً عن القدرات المالية.
*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا