هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا للصحفية، أليسا روبين، من مدينة النجف العراقية، حول العادات و"الممارسات الدينية" في العراق، وكيف تعرقل جهود السيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد.
وبحسب ما ترجمته "عربي21" قال الدكتور وسام كونا، الذي يعمل مع دائرة الصحة المحلية في مدينة النجف، جنوب العراق، ويعمل الآن على فحص الحالات المشتبه بها للعائلات العائدة من إيران حديثا، إن أحد الرجال طلب منه ومن العاملين معه عدم ركن سيارة الإسعاف أمام باب المنزل، لأنه يشعر بالخجل من الجيران.
وتابع التقرير بأنه بالنسبة للعراق فإن أحد أكبر العقبات التي تواجه العاملين في الصحة والذين يكافحون فيروس كورونا هو "العار" المرتبط بالحجر بسبب المرض، وهذا الأمر متجذر لدرجة أنهم يتهربون من الفحص، ويمنعون أفراد العائلة الذين يريدون الفحص من ذلك حتى تتدهور حالتهم الصحية بشكل كبير.
ويبرر التهرب من الحجر والتردد في الاعتراف بالمرض العدد المنخفض المعلن لحالات الإصابة بفيروس كورونا في العراق، بحسب ما قاله عدد من الأطباء العراقيين.
وعلى عكس ذلك، في إيران المجاورة، والتي يصل عدد سكانها ضعف عدد سكان العراق تقريبا فإن العدد الرسمي للمصابين هو قرابة 71 ألفا، وفي السعودية المجاورة أكثر من ثلاثة أضعاف الحالات المؤكدة في العراق.
وقال الدكتور حازم الجميلي، نائب وزير الصحة العراقي: "لدينا حالات مخفية وذلك لأن الناس يخشون من أن يبادروا بالفحص وهم خائفون من الحجر الصحي والعزل".
وقالت الصحيفة إن "الوصمة" المرتبطة بالمرض وبالحجر الصحي في العراق وبعض دول الشرق الأوسط تعكس أحيانا المعتقدات الثقافية والدينية، لكنها أيضا مرتبطة بعدم الثقة بالحكومة والاعتقاد بأن الذهاب إلى المستشفى يعني الموت.
اقرأ أيضا: إيران تخطط لاستئناف زيارة "العتبات المقدسة" بسوريا والعراق
وأظهر مقطع مصور منتشر عددا من المريضات في الحجر الصحي في أحد مستشفيات البصرة ينمن بالقرب من بعضهن البعض بدون كمامات، يسعلن ويطلبن المساعدة لأن إحداهن توفيت.
وقال مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة العراقية، الدكتور عماد عبد الرزاق: "البعض يعتقد بأن الإصابة بالفيروس تعني بأن الله غاضب منهم، أو أنها عقوبة على ارتكاب إثم ولا يريدون أن يعرف أحد ذلك".
وتابع: "بالنسبة للكثير منهم من العيب أن تقول الأنثى إنها مصابة بهذا المرض أو ذاك، كما أن الكثير من الناس لا يثقون في النظام الصحي".
ويصل الربط بين الوفاة بسبب الفيروس والذنوب إلى أن العائلات الأخرى ترفض أن يوضع المتوفون في ثلاجة، فيها شخص توفي بكورونا، أو أن يدفنوا في نفس المقبرة.
وقالت أستاذة الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة كاليفورنيا، شيرين حامدي، والتي عملت بشكل مكثف في المجتمعات الشرقية بأن بعض المخاوف المتعلقة بالمرض منبثقة من الخطوات التي يجب اتباعها بعد الموت.
وقالت: "يريد الشخص أن يموت داخل العائلة.. فالأسوأ من الموت نفسه، هو أن تموت بعيدا على العائلة".
وقال أستاذ الإنثروبولوجيا الطبية في جامعة راتجرز، عمر دواشي، الذي ولد ونشأ في العراق: "فيروس كورونا والجوائح بشكل عام تسبب إرباكا للممارسات الاجتماعية والدينية".
وتابع: "حجر المصابين يشكل إهانة مضاعفة للكثيرين في المجتمع العراقي، فمعنى أن يصاب الرجل بالمرض مثلا، أنه غير قادر على حماية زوجته وأطفاله وإن كان أخا كبيرا، حماية إخوته الأصغر منه، أي أنه أصبح غير قادر على القيام بوظيفته في العائلة".
وبعض العائلات التقليدية أحيانا ترفض أن يتم فحص الإناث لفيروس كورونا خشية أن تكون النتيجة إيجابية، وتذهب إلى المستشفى.
وقالت الدكتورة منى الخفاجي، وهي طبيبة أشعة تعمل من عيادتها الخاصة في بغداد: "في هذا المجتمع ليس مقبولا للأنثى أن تكون بعيدة عن عائلتها".
وأشارت إلى أن أب وأخ إحدى المريضات رفضا أن يتم فحصها لفيروس كورونا، حتى بعد أن وصلت لحالة سيئة من المرض.
والعراق ليست البلد الشرق أوسطي الوحيد الذي يعاني من الوصمة المحيطة بالفيروس.
فنفور المصريين من الحجر يعود إلى بدايات القرن العشرين عندما اجتاحت الكوليرا ثم السل البلاد، وبعض من وضعوا في الحجر لم يعيشوا.
وظهرت مخاوف شبيهة في أفغانستان، حيث قام الناس بمهاجمة عمال الصحة وتسللوا من نوافذ المستشفيات للهروب من الحجر.
وقال الدكتور محمد وهيب، كبير أخصائيي الرئتين في مدينة بغداد الطبية: "إن الأمر صعب في هذه الثقافة لأن كل شيء نفعله فيه مشكلة .. إن أرسلنا سيارة إسعاف لجلب الشخص ينزعج الناس لأن الجيران سيرونها".
وأضاف: "ويحصل نفس الشيء أو أسوأ إن أرسلنا أفرادا من القوات الأمنية.. فعندها يشعر الناس كأنهم تحت حكم صدام".
وفي مشهد آخر: "أطلت امرأة مسنة ترتدي عباءة سوداء من بوابة صفيح لترى من الطارق، وعندما رأت العشرات يرتدون الملابس الطبية والكمامات والبزات الواقية تصاحبهم كاميرات وضباط شرطة وأعضاء في ميليشيا مقتدى الصدر وبعض رجال الدين المحليين.. قامت بإغلاق البوابة بغضب".
وقال الدكتور باسم عبود، الذي يشرف على المنطقة لوزارة الصحة، بينما كان يدق على بوابة العجوز دون جدوى، إن الناس في مدينة الصدر متشككون تجاه الوزارة.
وقال: "إذا اعتقد الناس أني مع الحكومة، فإنهم سيغلقون الباب".