هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب السياسي، والإعلامي البريطاني من أصل هندي، مهدي حسن، إن معاداة السامية هي أقدم كراهية في العالم لكن "الإسلاموفوبيا" أشدها غرابة في العالم.
وفي مقاله المنشور في "إنترسبت"، قال الكاتب إن "فيروس كورونا الجديد الذي تنتشر عدواه بين الناس في كل بلد وفي كل أرض على سطح الكوكب، تحول إلى سلاح يستخدمه اليمين المتطرف لمهاجمة الإسلام والمسلمين؟".
اقرأ أيضا: ترويج لمخاوف ضد مسلمي بريطانيا بسبب كورونا.. وردود غاضبة
وضرب مثالا عن الهند، قائلا إنه "عندما انتشر فيها الفيروس أطلق عليه أنصار حكومة بي جيه بيه اليمينية المتطرفة اسم "كورونا جهاد"، وزعموا أنه مؤامرة دبرها المسلمون لنشر العدوى بين الهندوس وتسميمهم. بل إن الحكومة نفسها حملت المسؤولية عما يقرب من ثلث الإصابات المؤكدة بوباء كوفيد 19 لمجموعة دعوية مسلمة اسمها جماعة التبليغ".
وتابع: "ظهرت لوحات إعلانية تحظر على المسلمين دخول أحياء معينة في ولايات شملت دلهي وكارنتاكا وتيلانغانا وماذيا براديش، وهناك تقارير تفيد بتعرض المسلمين لاعتداءات، بعضها ضرباً وبعضها قتلاً".
ولفت إلى أن الأمر لم يقتصر على الهندوس القوميين، بل "سرعان ما اقتحمت الصحافة المحترمة الميدان. إذ نشرت صحيفة ذي هيندو ذات التوجه اليساري رسماً كاريكاتيرياً يظهر فيه العالم أسيراً في قبضة فيروس كورونا، مصوراً الفيروس في ثياب يرتديها عادة المسلمون، واعتذرت الصحيفة فيما بعد".
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته"عربي21":
إذا كانت معاداة السامية أقدم كراهية في العالم فلربما كانت الإسلاموفوبيا أشدها غرابة في العالم.
وإلا فكيف نفسر حقيقة أن وباءً ذا أبعاد كونية وتاريخية، فيروس كورونا الجديد الذي تنتشر عدواه بين الناس في كل بلد وفي كل أرض على سطح الكوكب، تحول إلى سلاح يستخدمه اليمين المتطرف لمهاجمة الإسلام والمسلمين؟
خذ الهند على سبيل المثال، عندما انتشر فيها الفيروس أطلق عليه أنصار حكومة بي جيه بيه اليمينية المتطرفة اسم "كورونا جهاد"، وزعموا أنه مؤامرة دبرها المسلمون لنشر العدوى بين الهندوس وتسميمهم. بل إن الحكومة نفسها حملت المسؤولية عما يقرب من ثلث الإصابات المؤكدة بوباء كوفيد 19 لمجموعة دعوية مسلمة اسمها جماعة التبليغ، حتى أن أحد وزراء بي جيه بيه أطلق على ذلك عبارة "جريمة طالبانية". وكما نشرت صحيفة الغارديان "باتت مؤسسات المسلمين التجارية في أرجاء الهند مقاطعة، وأطلق على المتطوعين منهم الذين يوزعون المعونات عبارة "إرهابيو فيروس كورونا" واتهم آخرون بالبصق في الطعام وبتلويث موارد المياه بالفيروس. وظهرت لوحات إعلانية تحظر على المسلمين دخول أحياء معينة في ولايات شملت دلهي وكارنتاكا وتيلانغانا وماذيا براديش. وهناك تقارير تفيد بتعرض المسلمين لاعتداءات، بعضها ضرباً وبعضها قتلاً.
هل تصرف أعضاء جماعة التبليغ بتهاون وتهور؟ نعم. هل يتحمل جميع مسلمي الهند البالغ عددهم مائتي مليون نسمة المسؤولية عن سلوك تلك الجماعة؟ لا. كتبت الصحفية الاستقصائية رنا أيوب في صحيفة الواشنطن بوست تقول: "بين عشية وضحاها غدا المسلمون جناة يتحملون وحدهم المسؤولية عن نشر فيروس كورونا في الهند."
ولكن لا يقتصر الأمر على سياسيي أو قطعان الهندوس القوميين، بل سرعان ما اقتحمت الصحافة المحترمة الميدان. إذ نشرت صحيفة ذي هيندو ذات التوجه اليساري رسماً كاريكاتيرياً يظهر فيه العالم أسيراً في قبضة فيروس كورونا، مصوراً الفيروس في ثياب يرتديها عادة المسلمون. (اعتذرت الصحيفة فيما بعد عما قالت إنه قرارها "غير المقصود" لربط الأزمة بالإرهابيين المسلمين، واستبدلت الصورة بأخرى أكثر حيادية.)
في تلك الأثناء بثت قناة "إنديا تودي" (الهند اليوم)، وهي قناة إخبارية تعمل على مدى 24 ساعة في اليوم، تحقيقاً سجل بالخفاء عما يسمى النقاط الساخنة في المدارس الإسلامية حيث زعمت أنه يتم نشر الفيروس، كما بثت رسماً بيانياً حول عدد الإصابات في صفوف جماعة التبليغ تم تركيبه على سطح طاقية الرأس التي يلبسها المسلمون عند أداء الصلاة. ردت على ذلك الناشطة اليسارية كافيتا كريشنان في مقطع فيديو سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم قائلة: "هذه ليس صحافة، سوف يذكركم التاريخ، ولسوف يحكم عليكم التاريخ."
وهي محقة في ذلك. في موطني بريطانيا، تحقق شرطة مكافحة الإرهاب في مجموعات يمينية متطرفة متهمة بالسعي لاستخدام أزمة فيروس كورونا للتحريض على الكراهية والعداء للمسلمين، وذلك طبقاً لتقرير نشرته مؤخراً صحيفة الغارديان.
تحصل هذه المجموعات على مساعدة شخصيات يمينية متطرفة بارزة مثل الإعلامية السابقة كاتي هوبكينز التي اقترحت أن على الشرطة البريطانية الاعتداء بدنياً على أي مسلم يمسك به متلبساً بالصلاة في الأماكن العامة، ومثل تومي روبنسون من رابطة الدفاع الإنجليزية الذي عمل شير لمقطع فيديو يزعم أن مسلمين بريطانيين يظهرون فيه وهم يصلون في "مسجد سري"، وهو المقطع الذي فضحه ورفضه مسؤولو السلطات القانونية المحلية.
وثقت منظمة "تيل ماما" (أخبر أمي)، التي ترصد جرائم الكراهية التي ترتكب ضد المسلمين في بريطانيا، العديد من الحالات التي تعرض فيها المسلمون البريطانيون خلال الأسابيع الأخيرة للمضايقة، بما في ذلك نزع الحجاب عن رأس امرأة مسلمة في جنوب لندن، والتي قالت إن رجلاً اقترب منها وسعل في وجهها مدعياً أنه حامل لفيروس كورونا، ثم انهال عليها شتماً وسباباً كما قالت.
وكما هو الحال في الهند نجد أن استخدام الوباء للتحريض ضد المسلمين لا يقتصر على شخصيات التيار اليميني المتطرف، بل يصدر ذلك أيضاً عن وسائل الإعلام في التيار العريض. ففي تغريدة بتاريخ 23 مارس / آذار، نشرت ذي إيكونوميست تقريراً حول المالديفز تقول فيه إن "وصول كوفيد 19 كان متوقعاً، أما انتشار التطرف الإسلامي فقد كان مفاجئاً."
فيما بعد حذفت المجلة التغريدة، ولكن التقرير ظل موجوداً.
في هذه الأثناء سعى بعض كبار الصحفيين في بريطانيا وفرنسا إلى استخدام مناسبة قدوم شهر رمضان لنشر الخوف من المسلمين في الغرب، بحجة أنهم سيخالفون في رمضان الإرشادات الخاصة بالتباعد الاجتماعي وسيساهمون بذلك في نشر الفيروس. وذلك بالرغم من انعدام أي دليل يثبت أن المسلمين في بريطانيا أو في فرنسا يؤيدون التراخي في الالتزام بالإرشادات والتوجيهات أو أنهم يخططون لإعادة فتح المساجد في تحد لهذه الإرشادات. (وليكن معلوماً أن امرأة مسيحية، لا مسلمة، هي التي قالت في مقابلة مع سي إن إن إنها ستتحدى التوجيهات الخاصة بالتباعد الاجتماعي وستسعى إلى المشاركة في اللقاءات الدينية لأنها تؤمن بأنها محمية بما قالت إنه الدم المقدس!).
وهنا أيضاً، في الولايات المتحدة، يقوم اليمين المتطرف بالتحرك سعياً لاستغلال فيروس كورونا من أجل نشر الكراهية والعنف. ففي شهر مارس / آذار، أصاب عناصر من المباحث الفيدرالية (إف بي آي) في مقتل شخصاً اسمه تيموثي ويلسون، وهو متطرف معروف بعدائه للحكومة، لأنه كان ينوي تفجير مستشفى كانساس "الذي كان يقدم عناية حرجة أثناء وباء فيروس كورونا الحالي." وكان قبل ذلك قد خطط لشن هجوم على أهداف أخرى: "مراكز إسلامية".
لم يكن "ذئباً منفرداً"، حيث يقول مسؤولو أمن الوطن في نيوجيرسي إن مجموعات من النازيين الجدد يشجعون أنصارهم على "التحريض على الهلع بينما يشارك الناس في العزل الاجتماعي أثناء انتشار كوفيد 19، بما في ذلك إطلاق النار داخل المدن وعمل ثقوب بالرصاص في نوافذ السيارات."
وكما في بريطانيا والهند، تستمد مثل هذه المجموعات عوناً وثقة من شخصيات محافظة معروفة داخل وسائل الإعلام. غرد نيل بورتز، الكاتب ومقدم البرامج الإذاعية، مخاطباً أتباعه في تويتر قائلاً: "هل تظنون أن كوفيد 19 شيء سيء؟ انتظروا إلى أن يغزو المسلمون بأعدادهم الغفيرة أمريكا. وحينها سوف تترحمون على هذه الأوقات."
إلا أن الصحفية في لوس أنجيليس تايمز جوهانا بويان (وهي مسلمة) غردت بالرد الأمثل على بورتز الفج، حيث قالت: "يا عزيزي، الجميع الآن يغسلون أياديهم أكثر من خمس مرات في اليوم، ويغطون وجوههم ولم يعودوا يصافحون، ويتجنبون الحانات. لم يعد الأمر يقتصر على وجودنا نحن هنا، بل كلكم صرتم الآن مسلمين. سلام يا أخي."
وهنا تكمن المفارقة الكبرى: بينما يسعى المتعصبون ضد المسلمين إلى استغلال فيروس كورونا لتلطيخ سمعة المسلمين وشيطنتهم، فإن الوباء ذاته يفضح مدى سخافة التعصب ضد المسلمين.
في سنة 2011 ثم في سنة 2017 سنت حكومتا فرنسا وأستراليا على التوالي قوانين تحظر ارتداء الأغطية على الوجه، وذلك ضمن سعيهما لاستهداف وتجريم النساء المسلمين اللواتي يرتدين النقاب. وها هي اليوم الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا تدعو إلى فرض لبس أقنعة الوجه (الكمامات) على كل شخص يغادر منزله أثناء فترة الإغلاق. أما الحكومة الأسترالية ففرضت لبس قناع الوجه على كل من يدخل سوبرماركت أو محلاً للتسوق.
وفي عام 2018 أصرت الحكومة الدنماركية على فرض المصافحة على المواطنين الجدد أثناء الاحتفال بتجنيسهم – وهو تحرك، كما قالت حينذاك صحيفة نيويورك تايمز، كان يستهدف بالذات المسلمين الذين كانوا يأبون المصافحة لأسباب دينية حيث لا يسمح لهم دينهم بلمس الجنس الآخر.
لعلك تفترض أن الدنماركيين قرروا الآن بسبب الظروف الحالية إسقاط المصافحة الإجبارية، صحيح؟ لا، خطأ. بحسب ما أوردت نيويورك تايمز "طالبت الحكومة الدنماركية رؤساء المجالس المحلية بتعليق احتفالات التجنيس ... وعدم التنازل عن شرط المصافحة لمن يرغبون في الحصول على الجنسية."
قد نتمكن في الشهور القادمة من التغلب على كوفيد 19، ولكن سيستغرقنا وقتاً أطول بكثير إلحاق الهزيمة بالمرض المسمى إسلاموفوبيا.
ذي إنترسيبت
14 إبريل / نيسان 2020