حقوق وحريات

صحيفة: هل يمكن للمظاهرات الشعبية أن تستمر في زمن الكورونا؟

ذي أتلانتك: على المظاهرات أن تتأقلم مع عالم التباعد الاجتماعي- جيتي
ذي أتلانتك: على المظاهرات أن تتأقلم مع عالم التباعد الاجتماعي- جيتي

تساءلت مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية عن مصير الحراكات والتظاهرات الشعبية في ظل تفشي وباء كورونا المستجد.

وقالت الصحفية ياسمين سرحان في مقال لها، ترجمته "عربي21"، إنه طالما كان ميدان رابين في تل أبيب موقعا مفضلا للتظاهر؛ حيث اجتمع الإسرائيليون فيه للاحتجاج على الحرب في غزة عام 2014 وللمطالبة بحقوق المثليين في 2018. وهو المكان الذي اجتمع فيه خلال عطلة نهاية الأسبوع أكثر من 2000 متظاهر للاحتجاج على سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.


ولكن الاحتجاج الأخير كان مختلفا عن الاحتجاجات السابقة.

 فمن ناحية كان غطى المشاركون وجوههم. وبدلا من أن يملؤوا الميدان بالناس المتقاربين، قام المتظاهرون بالانتشار لإبقاء مسافات بينهم، حيث تجمعوا على علامات رسمت على بعد ستة أقدام بعضها عن بعض.

وأعطى التباعد بين المتظاهرين انطباعا بكثرة عددهم، حيث شغل الحاضرون كل الميدان الذي كان يتسع لعشرات الآلاف من قبل. بعضهم لبس كمامات كتب عليها crime minister ، بينما حمل آخرون اللافتات والأعلام.

مثل هذه الصورة لم تكن متصورة قبل أشهر قليلة. ولكن كما هو الأمر بالنسبة لأشياء كثيرة حول فيروس كورونا كل ذلك.

واليوم على المظاهرات أن تتأقلم مع عالم التباعد الاجتماعي. حيث لا تشجع فيه على المظاهرات الكبيرة وتحظر في بعض الأماكن. ولكن الجائحة لم تنه المظاهرات الكبيرة ولكنها غيرت شكلها.

فقبيل الجائحة كان يشهد العالم مستوى غير مسبوق من الحشد الذي أطلق عليه "عام المظاهرات"، حيث شهد عام 2019 ملايين الناس يتظاهرون في الشوارع في 114 بلدا،  بما في ذلك المظاهرات المنادية بالديمقراطية في هونغ كونغ، والمظاهرات المعارضة للحكومة في العراق حيث بدت الكثير من هذه التحركات الشعبية غير قابلة للإيقاف، ولكن جاء فيروس كورونا، وبدأ الناس استبدال التجمعات الكبيرة بالتباعد الاجتماعي، واستبدلت لافتات الاحتجاج بالكمامات.

ولا أحد يعرف إلى متى ستستمر المظاهرات الشعبية، إن كان بإمكان بعضها في الواقع العودة أصلا.

ولكن العالم لم يبق خاليا من المظاهرات العامة تماما. فقد جرت 405 مظاهرة على مستوى العالم خلال الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل، ومع أن ذلك يمثل انخفاضا بنسبة 60% عن عددها في مثل هذا الوقت العام الماضي بحسب بيانات Armed Conflict Location & Event Data Project.

ومعظم هذه المظاهرات تعلقت بفيروس كورونا بشكل أو بآخر، وكثير منها حصل على شكل مجموعات صغيرة أو من شرفات المنازل أو سيارات، في جهد واضح للحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي.

ولكن ليست هذه هي الطريقة الوحيدة التي تأقلمت المظاهرات فيها مع الوضع الجديد. فحول العالم تعلم المتظاهرون كيف يمكنهم الحشد مع الحفاظ على المسافة بينهم؛ ففي البرازيل لجأ الملايين إلى طرْق الأواني والقدور من نوافذهم ومن شرفات منازلهم للتعبير عن استيائهم من طريقة تعامل الرئيس جايير بولسونارو مع الجائحة.

وفي إسرائيل وروسيا، ازدهرت المظاهرات الافتراضية التي يحضرها الآلاف عبر برمجيات الهاتف المحمول وعبر منصات الإنترنت مثل Facebook Live. وفي لبنان الذي ظهرت فيه المظاهرات قبل ستة أشهر، عاد الناس إلى الشارع، ولكن هذه المرة في سياراتهم.

وحركة المناخ التي جذبت الملايين في مظاهرات في أنحاء العالم العام الماضي، وجدت حلا من الحيز الرقمي حيث استضافت حملة "حشد رقمي عالمي"، لمدة ثلاثة أيام هذا الأسبوع في ذكرى يوم الأرض. وشجعت الناشطة المناخية السويدية غريتا ثانبيرغ التي تقول التقارير إنها عانت من أعراض كوفيد-19 الشهر الماضي، شجعت متابعيها أن "يتأقلموا مع الظروف الجديدة" بالتحول إلى الإنترنت.

وتعرف مجموعة من الأكاديميين البريطانيين والأمريكيين على أكثر من 100 أسلوب جديد للنشاط غير العنيف تم تبنيها خلال الجائحة، بما في ذلك المظاهرات في السيارات، إلى الإضرابات العمالية، إلى مقاطعة الزبائن.

وبالنسبة لمنظمي المظاهرات المنادية بالديمقراطية في هونع كونغ، فإن تحولهم إلى الحيز الرقمي جاء مبكرا عندما بدأت تظهر حالات كوفيد-19 في المدينة في أواخر كانون ثاني/ يناير، حيث تم إيقاف المظاهرات الكبيرة. وقال أريك لاي، نائب منظم جبهة حقوق الإنسان المدنية، إن "الناس تعلموا درسا من مرض السارز"، في إشارة إلى المرض الذي أصاب المدينة عام 2003. وأضاف أنه مع أن تفشي فيروس كورونا منع إمكانية اجتماع المتظاهرين كالعادة، إلا أنه لم يخفف من عزيمتهم. وقال: "توقف الناس عن تنظيم المظاهرات الشعبية وجضورها، ولكن ما يزال هناك حملات على الإنترنت، فقنوات تلغرام والمجموعات على فيسبوك كلها مستمرة".

ومن بعض النواحي، فإن حركة هونغ كونع الديمقراطية كانت بالذات مناسبة لهذه اللحظة. فكانت منصات التواصل الاجتماعي أثبتت أنها جزء أساسي في بنية الحركة التي ليس لها قيادة. كما أنها تثبت أنها مفيدة من ناحية تجنب الحملات العنيفة والقمع الذي عانى منه العديد من المتظاهرين في الشارع. وقال صمويل برانين، الزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "حيث تم قمع الحركات السياسية في الماضي، لجأ الناس إلى المجال الرقمي"، مضيفا أنه في حالة هونغ كونغ "قاموا باستخدام أدوات جديدة، وأخفوا هوياتهم وبدؤوا بالتواصل المشفر".

بالطبع هناك فروق واضحة بين المظاهرات الحقيقية في الشارع والبدائل الرقمية. والفرق الواضح هو أن الحملات الرقمية ليس لها أثر مظاهرات الشوارع نفسه. ومع أن المظاهرات الرقمية يمكن أن يشاهدها أي شخص في أي مكان في العالم، ولا يمكنها أن تتسبب بالتعطيل مثل مظاهرات الشوارع، فمن لا يريد مشاهدة المظاهرات على الإنترنت يمكنه عدم مشاهدتها، وهذا ما لم يستطع العابرون من وسط لندن فعله، عندما قام متظاهرو البيئة العام الماضي باحتلال مناطق في وسط العاصمة.

وفي الوقت نفسه، فإن هناك دوافع أقل للحكومات للرد على نشاط يتم على الإنترنت. كما أن المظاهرات الرقمية لا تجذب اهتمام الإعلام كما تفعل التجمعات الجماهيرية في الشوارع.

ومع ذلك، فإن إبقاء الحراك رقميا بشكل كامل له فوائد. فعلى عكس المظاهرات التقليدية لا يحتاج المتظاهرون طلب الإذن من الحكومة بالتجمع والتظاهر، وليس عليهم خشية مواجهة الشرطة، كما أن الجغرافيا لا تحكمهم؛ فالمظاهرات الافتراضية يمكن أن تشمل مدينة أو بلدا أو حتى العالم، اعتمادا على من يشاركون. ومنصات التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار الرسائل بشكل أوسع وبسرعة أكبر مما كان ممكنا من قبل.

ومع أن الإنترنت يوفر بديلا لحركة الاحتجاج، إلا أن النشاط الرقمي لا يمكن توظيفه بسهولة في كل مكان، وخاصة في الأماكن التي لا تعتبر فيها المظاهرات في الشارع طريقة لإعلان المعارضة ولكنها الصيغة الغالبة. وذلك هو الحال في الجزائر حيث تم الشهر الماضي إلغاء المظاهرات التي كانت تقام مرتين في الأسبوع ضد النظام المدعوم من الجيش، لأول مرة خلال عام تطبيقا لإجراءات الإغلاق. ومنذ ذلك الحين، فرضت الحكومة الجزائرية حظرا على المظاهرات لمدة عام، وقامت بسجن العديد من المشاركين في حركة الاحتجاج، مما جعل الناشطين الحقوقيين يتهمون الحكومة الجزائرية باستغلال الجائحة لقمع المعارضة.

والتهديد الديمقراطي الذي يواجه المظاهرات في الجزائر حاضر أيضا في مناطق أخرى. ففي هنغاريا، مثلا، قام رئيس الوزراء فيكتور أوربان بتمرير قانون يسمح له بالحكم بالمراسيم إلى أجل غير مسمى، وهو ما يمنحه السلطة لمنع المظاهرات العامة. وفي الفلبين أقر الرئيس رودريغو دوتيرتي أمرا يسمح بقتل من يخرقون إجراءات الإغلاق، بمن فيها أي متظاهر.

في مثل هذه الأماكن، يشكل المجال الرقمي بديلا آمنا للمظاهرات الواقعية. ولكن في بعض الأماكن في العالم فإن المجال الرقمي ليس أقل خطورة. وهذا صحيح في الدول الاستبدادية، حيث الرقابة على الإنترنت.

0
التعليقات (0)