هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حدث أكبر انهيار تاريخي لأسعار النفط الأمريكي يوم 20 نيسان/أبريل الجاري، بفقدان معدل 305.97 المئة من قيمتها لتصل إلى سالب 37.6 في ختام تداولات ذلك اليوم.
لكن رحلة النفط الأمريكي
إلى السالب مرت بتغيرات جذرية على مدار الـ16 أسبوعا الماضية، حيث افتتح خام غرب
تكساس الوسيط تداولاته مطلع العام بسعر 61.52 دولارا للبرميل.
وبالنظر إلى الـ16.94 دولارا آخر سعر وصل إليه البرميل في جلسة 24 نيسان/أبريل، نجد أن النفط الأمريكي فقد نحو 72 بالمئة من قيمته خلال هذه الفترة.
يعود هذا التراجع الكبير، وفقا للمحللين إلى عاملين رئيسيين هما: تفشي وباء فيروس كورونا وانخفاض الطلب العالمي على النفط، في مقابل تخمة المعروض بفعل انهيار اتفاق خفض الإنتاج بين منتجي منظمة أوبك بقيادة السعودية ومنتجين آخرين بقيادة روسيا مطلع آذار/مارس الماضي.
ولا شك، أن هبوط أسعار
النفط لهذا المستوى يشكل خسارة كبيرة لمنتجي النفط الصخري الأمريكي ذو التكلفة الإنتاجية
العالية مقارنة بأنواع النفط الأخرى، وبحسب تقرير لوكالة رويترز في 16 أذار/مارس
الماضي، فإن منتجي النفط الأمريكان خططوا ميزانياتهم لعام 2020 على أن يتراوح سعر البرميل
الواحد بين (55 دولارا و65 دولارا).
اقرأ أيضا: أمريكا تدرس دعم شركات النفط المتضررة من انهيار الأسعار
وبتتبع مسار النفط
الأمريكي نجد أن ثلاثة عوامل رئيسية كان لها الدور البارز بوصوله للقيمة السالبة
في "الاثنين الأسود".
1. وباء كورونا
في
البداية، لم يكترث العالم لأخبار الوباء القادمة من الصين، لكن الأمور أواخر كانون
الثاني/يناير الماضي بدأت تأخذ منحى آخر مع إعلان ثاني أكبر اقتصاد بالعالم (وأكبر
مستورد للنفط) إغلاق الحدود وفرض الطوارئ في البلاد.
تأثر
قطاع النفط إلى حد ما بالأزمة المتصاعدة، وصل سعر برميل النفط الأمريكي مطلع
شباط/فبراير إلى 51.01 دولارا، وكان متوسط سعر تداول البرميل خلال ذات الشهر 50.7
دولارا، ووصل البرميل إلى 44.76 في آخر تداول بشباط، عند هذه النقطة كان النفط
الأمريكي قد خسر 27 بالمئة من قيمته.
لاحقا
ومع إعلان "كورونا" وباء عالميا في 11 أذار/مارس الماضي، ازدادت عمليات
الإغلاق لتشمل 187 دولة وإقليم حول العالم، وتعطلت العمليات الإنتاجية على نطاق
أوسع، وأدى الشلل الذي أصاب قطاع النقل على وجه الخصوص إلى تخفيض استهلاك الوقود
بشكل كبير.
يمكن
القول إن الوباء تسبب بخفض الطلب العالمي على النفط. توقعت وكالة الطاقة الدولية
في تقرير نيسان/أبريل انخفاضه بمقدار 15 مليون برميل يوميا خلال العام الحالي
مقارنة بالعام الماضي، وقدرت الانخفاض في نيسان وحده بمقدار 29 مليون برميل يوميا مقارنة
بذات الشهر من العام الماضي.
2.تخمة المعروض وامتلاء المخزون
ختم النفط الأمريكي تداولات 6 أذار/مارس
عند سعر 41.28 دولارا، وفي المساء انهار اتفاق خفض الإنتاج وبدأت "حرب
الأسعار" بين السعودية وروسيا، وفي يوم التداول التالي 9 أذار/مارس فقد النفط
24.5 بالمئة من قيمته ليصل إلى 31.13 دولارا، وتحطمت أسعار النفط الأمريكي تباعا، وصل نهاية الشهر الماضي إلى 20.48 دولارا.
في مطلع نيسان/أبريل قررت السعودية رفع إنتاجها من
9.8 إلى 12.3 مليون برميل يوميا، ورفعت الإمارات إنتاجها بمقدار مليون برميل
يوميا، وأعلنت روسيا رفع إنتاجها بكمية تقدر من 200 إلى 300 ألف برميل يوميا، أدى ذلك لخلل بأسواق النفط، دفعت الرئيس الأمريكي للتدخل وطلب من أطراف النزاع وقفه.
في
12 الشهر الحالي توصل منتجو النفط إلى اتفاق تاريخي يقضي بتخفيض 9.7 مليون برميل
يوميا، ويبدأ سريانه مطلع أيار/مايو المقبل، لكن الاتفاق لم يسعف الأسعار
المتهاوية.
قبل
الاتفاق بأيام، قدرت وكالة الطاقة الدولية أن حوالي 5 ملايين برميل من النفط
المنتج في جميع أنحاء العالم يوميا لا تُغطى تكاليف إخراجه من الأرض (استنادًا إلى
خام برنت بسعر 25 دولارا أمريكيا للبرميل).
نتج
عن ذلك كله، ارتفاع مستوى مخزون النفط الأمريكي لمستويات غير مسبوقة، فبحسب إدارة
معلومات الطاقة الأمريكية فإن المخزون زاد بمعدل 65 بالمئة فوق التوقعات، وبلغ المخزون
أكثر من 50 مليون برميل خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر نيسان/أبريل
الحالي.
3. التداول بالعقود الآجلة
خلال الـ12 يوما الأولى من التداول في شهر نيسان/أبريل بقيت أسعار الخام الأمريكي تحت رحمة العوامل السابقة، تراوح سعر البرميل بين (26 إلى 18 دولارا)، إلى أن وصلنا إلى يوم 20 الشهر، حين لعبت طريقة تداول النفط بالعقود الآجلة دورا محوريا بالانهيار التاريخي في الأسعار.
تسمح العقود الآجلة للمشترين والبائعين بتثبيت سعر أحد الأصول، مثل النفط، لتاريخ مستقبلي، ويحدد العقد كمية الأصل وتاريخ انتهاء الصلاحية للتسليم والسعر. وتهدف هذه العقود إلى التحوط من التقلبات السعرية للأصل في المستقبل.
اقرأ أيضا: السعودية تخسر جزءا من حصتها النفطية بالصين لصالح روسيا
تتسم
أسواق العقود الآجلة بالمضاربة لأن المتداول لا يضطر إلى دفع القيمة الكاملة للعقد
عند دخوله، وبدلا من ذلك، يطلب الوسيط من المتداول فقط إيداع مبلغ نقدي، يسمى مبلغ
الهامش الأولي، وهو ما يعادل نسبة صغيرة من قيمة العقد الكاملة.
وتضرب الكاتبة هيلين رالي مثالا يوضح آلية عمل العقود الآجلة، لنفترض أنك اشتريت العقود الآجلة للنفط التي تنتهي صلاحيتها في يونيو
بسعر البرميل عند 22 دولارا. يبلغ عقد النفط الآجل في بورصة شيكاغو التجارية 1000
برميل من النفط، لذا فإن القيمة الإجمالية لعقدك الواحد هي 22000 دولار (22 × 1000
دولار). بافتراض أن الوسيط يطلب 10 بالمئة كهامش أولي، عند إبرام العقد، فعليك فقط
دفع 2200 دولار.
وكمثال على نفس العقد المستقبلي، لنفترض أنك اشتريته متوقعا ارتفاع أسعار النفط (رهان)، وتبين أنك على حق. وارتفع سعر البرميل إلى 32 دولارا بعد ذلك بأسبوعين. يمكنك إغلاق مركزك من خلال بيع عقدك بأرباح 10000 دولار [(32 دولارا - 22 دولارا) × 1000].
وعليه
فإن أسواق العقود الآجلة تجذب الكثير من المضاربين، نظرا لانخفاض الالتزام المالي
الأولي واحتمال أن تكون الأرباح أضعاف التكلفة الأولية.
تتداول
عقود النفط الآجلة شهريا، ويمكن تسوية العقد الآجل من قبل المشترين بالتسليم
الفعلي للنفط في يوم انتهاء الصلاحية.
أما
المضاربون يتداولون العقد الآجل بهدف كسب المال، ولا يرغبون بأخذ/استلام الأصل
المادي (النفط)، وعادة ما يحاولون الخروج من العقد قبل انتهاء صلاحيته من خلال اتخاذ
الجانب المقابل من التجارة (يصبح المشتري بائعا، ويصبح البائع مشتريا)، وهذا يجعل
تحركات أسعار النفط متقلبة للغاية بالقرب من يوم انتهاء العقد، عندما يكون حجم
التداول مرتفعا ويحاول الجميع إجراء تسوية للصفقات.
كان
يوم الثلاثاء هو يوم انتهاء عقود النفط الآجلة تسليم أيار/مايو. لذا يوم الاثنين، الذين
احتفظوا بصفقات طويلة في العقود الآجلة لشهر أيار/مايو، ما يعني أنهم وافقوا على
الورق على شراء النفط، لكنهم في الحقيقة لا يريدون الاستلام الفعلي، تدافعوا
للخروج من العقد.
وهنا
ظهرت المشكلة بأن هؤلاء المضاربين لم يجدوا أحدا على استعداد لشراء هذه العقود،
لأن مساحة تخزين النفط غير متوفرة (قليلة جدا) وعالية التكلفة، لذلك كان على الذين احتفظوا
بالمراكز الطويلة خفض سعر الطلب الخاص بهم من أجل التخلص من العقود.
ومع محاولة الجميع البيع وقليلون يريدون الشراء، كان سعر العقود الآجلة يذهب باتجاه الهبوط نحو السالب، ما يعني أنه سيتعين على منتج النفط أن يدفع للمشتري 37.63 دولارا للبرميل ليأخذ النفط، وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخ صناعة النفط الذي دام 160 عاما.