اقتصاد عربي

دراسة ترصد تداعيات كورونا على موازنة الدولة المصرية

الدراسة أكدت أن الاقتراض الخارجي لمصر سيتزايد خلال الفترة القادمة- جيتي
الدراسة أكدت أن الاقتراض الخارجي لمصر سيتزايد خلال الفترة القادمة- جيتي

أصدر المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، الأربعاء، دراسة تقدم قراءة في البيان التمهيدي لمشروع الموازنة العامة للدولة المصرية للعام 2020/2021، من خلال تحليل الإيرادات والمصروفات العامة المقدرة، المخصصات المالية المقررة للدعم بالموازنة العامة للدولة، ومدى مواجهتها للتداعيات الاقتصادية المتوقعة لفيروس كورونا على الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى مواجهتها للقصور في الموازنات السابقة لا سيما في حقوق الفئات المعوزة وفي مخصصات الصحة والتعليم.

وقالت الدراسة، التي أعدها الأكاديمي المصري وأستاذ الاقتصاد، أحمد ذكر الله: "تفترض الموازنة الجديدة زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب 844 مليار جنيه، بمعدل نمو يبلغ 4.5%، وهو افتراض شديد التفاؤل، ويتجاهل الظروف العالمية التي تسبب فيها انتشار فيروس كورونا، لا سيما في ظل الطبيعة شبه الريعية للاقتصاد المصري، والخلل الهيكلي المزمن لقطاعاته المختلفة، وانكشافه على الخارج وتبعيته العميقة له".

وأضافت: "من المرجح أن معدل النمو 2% الذي تحدثت عنه المنظمات الدولية ينتج عن زيادة في القيمة الاسمية للناتج (زيادة وهمية) أو هو أحد السيناريوهات المتفائلة التي تتوقع وجود لقاح للفيروس بصورة عاجلة. وطبقا لتحليل المساهمة القطاعية في الناتج يمكن القول إن المحافظة على المستويات الإنتاجية الحالية للقطاعات الاقتصادية (معدل نمو صفر) قد يصبح إنجازا في ظل المعطيات الحالية، والقراءة الموضوعية لتلك التداعيات".

"سعر الصرف"

وتابعت: "أثبت البنك المركزي المصري أنه يتشبث بتثبيت سعر الصرف خاصة بعد الإعلان عن انخفاض الاحتياطي النقدي بحوالي 5.5 مليارات دولار في آذار/ مارس الماضي، إضافة إلى انسحاب أكثر من 10 مليارات دولار من الاستثمارات في أدوات الدين المحلية، ومن المؤكد أن تداعيات الأزمة على مصادر النقد الأجنبي قد تتخطى قدرات البنك المركزي وإيراداته في سعر الصرف الذي بني على أساسه مشروع الموازنة الجيدة".

 

اقرأ أيضا: ميدل إيست آي: كورونا يؤدي لانهيار الاقتصاد المصري

وأضافت: "من خلال مراجعة القطاعات الاقتصادية يمكن الجزم بأن المستهدفات الضريبية التي بنيت على أساسها الإيرادات العامة لن تتحقق، وأن نسبة انخفاضها بنسبة تقارب 30% هي الأكثر معقولية قبل الأزمة أسوة بالنصف الأول من العام الحالي، يزيد عليها الانخفاض المتوقع كنتيجة لتباطؤ النشاط الاقتصادي المصري كنتيجة للجائحة، وبذلك ربما قد يصل الانخفاض المتوقع للحصيلة الضريبية إلى 50% عن النسبة التي قدرتها الموازنة الجديدة".

وذكرت الدراسة أن "البيان يقدر الدين الخارجي بمبلغ 873 مليار جنيه، وهذا رقم خاطئ، فقد بلغ الدين الخارجي قرابة 110 مليارات دولار، وبسعر صرف 16 جنيها في المتوسط، ما يعني أن الدين الخارجي يساوي 1760 مليار جنيه وهي علامة استفهام، وتشير بوضوح إلى الأخطاء المتكررة والمترتبة على بعضها في المشروع".

"تراجع دعم السلع التموينية"

ونوهت دراسة المعهد المصري إلى أن "تراجع دعم السلع التموينية -رغم تزايد أعداد الفقراء والمعوزين نتيجة الجائحة – يشير إلى نية الحكومة بتخفيض أعداد البطاقات التموينية، وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية المتوقع عالميا سيستلزم زيادة في هذه المخصصات وليس تخفيضها".

ولفتت الدراسة إلى أن "كافة القطاعات ستتأثر سلبيا من التباطؤ الاقتصادي المتوقع عالميا، وستختلف درجات التأثر من قطاع إلى آخر على حسب درجة انكشافه على العالم الخارجي ومرونته الإنتاجية"، منوها إلى "توقف قطاع السياحة نهائيا في منتصف شباط/ فبراير الماضي، ومن المرجح عدم عودة السياحة الخارجية حتى منتصف 2021 على الأقل، وبذلك فإن مساهمته في الناتج والنمو قد تنخفض إلى النصف في العام المالي الجديد، وربما أقل من ذلك".

وأردفت: "من المتوقع أن يتأثر الطلب العالمي على السلع الصناعية المصرية كجزء من تراجع وتيرة الطلب العالمي، كما من المتوقع أن يتأثر الطلب المحلي سلبا لنفس الأسباب، وبذلك فإن مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي ومعدل النمو من المرجح انخفاضها خلال ما تبقى من 2020، ومع الأخذ في الاعتبار تصميم الحكومة على تنفيذ مشروعاتها فربما يقترب هذا الانخفاض من ثلث الإنتاج الصناعي".

واستطردت قائلا: "قطاع الزراعة والثروة السمكية يساهم بحوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع ألا يتأثر بالجائحة إلا بنسبة بسيطة للغاية، ترجع في الأساس إلى بعض الصعوبات التي قد تعترض عمليات النقل والتوريد، كما أن أثر سد النهضة السلبي على القطاع لن يظهر على الأرجح إلا في نهاية العام المالي القادم"، مشيرا إلى أن "تجارة الجملة التي تساهم بحوالي 14% من الناتج المحلي، من المتوقع أن تتأثر بشدة كنتيجة لتأثر الواردات وللانخفاض المتوقع في الطلب المحلي".

"الناتج المحلي الإجمالي"

وأضافت الدراسة: "يمكن استنتاج التأثير السلبي للجائحة على الناتج المحلي الإجمالي المصري ومعدل نموه للعام المالي القادم، وكان من المنطقي أن ينخفض هذا الإنتاج بمقدار الثلث على الأقل عند تقدير الموازنة، ولكنه في ظل الارتفاع المتوقع لأسعار السلع ومستلزمات الإنتاج المستوردة، يمكن أن تتزايد القيمة الاسمية لهذا الناتج، وبذلك تكون زيادة معدل النمو وهمية إلى حد كبير".

وأكملت: "أما استهداف الموازنة الجديدة لمعدل نمو 4.5%، فهو حديث يبتعد كثيرا عن المنطق الاقتصادي، ويتجاهل تأثير الجائحة على الوضع الاقتصادي المصري، ومن المرجح أن معدل النمو 2% الذي تحدثت عنه المنظمات الدولية ربما يكون هو هذا المعدل الوهمي الذي سبقت الإشارة إليه، أو هو أحد السيناريوهات المتفائلة التي تتوقع وجود لقاح للفيروس بصورة عاجلة".

"المصادر الاعتيادية للدولار"

وأكدت أن "تداعيات الجائحة على الاقتصاد يصب الجزء الأكبر منها في انخفاض المصادر الاعتيادية للدولار في الاقتصاد المصري، ومن المنطقي أن يؤثر ذلك سلبيا على سعر صرف الجنيه، ولكن أثبت البنك المركزي المصري أنه يتشبث بتثبيت سعر الصرف لاسيما بعد الإعلان عن انخفاض الاحتياطي النقدي بحوالي 5.5 مليارات دولار في آذار/ مارس الماضي، إضافة إلى انسحاب 10 مليارات دولار من الاستثمارات في أذون الخزانة".

واستطردت الدراسة قائلا: "بخلاف تأثيرات الجائحة على النشاط الاقتصادي في مصر، وبالتالي التأثير السلبي على الحصيلة الضريبية، فإن تقرير وزارة المالية حول أداء الموازنة العامة للدولة عن النصف الأول من العام المالي الحالي يشير إلى تراجع الإيرادات الضريبية، حيث بلغ إجمالي الإيرادات الضريبية 304 مليارات جنيه في مقابل 309.9 مليارات للنصف الأول من العام المالي 2018/2019".

وأكملت: "تشير الأرقام الفعلية السابقة إلى عدم قدرة وزارة المالية على تحصيل مستهدفاتها الضريبية في الموازنة الحالية، والبالغة حوالي 857 مليار جنيه، بما يعني أن نصفها كان يجب أن يبلغ 429 مليار جنيه، بينما حققت فعليا 304 مليارات فقط بعجز 125 مليار جنيه، أي انخفاض عن المستهدف بنسبة 29%".

"الفجوة التمويلية"

ولفتت إلى أن "الفجوة التمويلية تقترب من تريليون جنيه في مقابل 1.3 تريليون من الإيرادات، وذلك يتبين حجم المأزق الضخم للمالية العامة المصرية بعيدا عن الفائض الأولي الذي تروجه وزارة المالية".

وقالت إن "العجز الكلي للموازنة العامة يتزايد رقميا وسنويا، وكانت الموازنة القادمة ستشهد أول انخفاض رقمي للعجز من 445.1 مليار جنيه في العام الحالي إلى 432.9 مليار في العام الجديد، بانخفاض يقارب 13 مليار فقط، هذا الانخفاض الهزيل يوضح لماذا تصر وزارة المالية على ترويج النجاح في تحقيق فائض أولي، ونسبة العجز إلى الناتج المحلي الذي تزايد بالعملة المحلية بسبب قفزات التضخم خلال الأعوام اللاحقة لبرنامج صندوق النقد".

وأشارت إلى أن "الحكومة تنوي الاقتراض خارجيا 96 مليار جنيه، أي ما يزيد قليلا عن 6 مليارات دولار، وهو رقم صغير للغاية في ظل التزامات مصر خلال العام 2020، والبالغة 18.5 مليار دولار، بالإضافة إلى 2 مليار دولار تقريبا ثمن الغاز المستورد من إسرائيل. هذا بغض النظر عن تأثيرات جائحة كورونا على مصادر مصر الاعتيادية من النقد الأجنبي (السياحة- قناة السويس – تحويلات العاملين في الخارج)".

وأضافت: "من المؤكد أن الاقتراض الخارجي سيتزايد خلال الفترة القادمة، خاصة في ظل الإتاحات الضخمة من البنك والصندوق الدوليين لمساعدة الدول النامية على مواجهة تداعيات الجائحة، وبعد نزوح الأموال الساخنة للخارج ستضطر مصر إلى المزيد من الاقتراض الخارجي، ولن يكون اللجوء إلى المؤسسات الدولية إلا شهادة تأمين للمساعدة في اختراق أسواق القروض الدولية والإقليمية، وربما تبلغ القروض المصرية أرقاما قياسية (ضعف المبلغ المرصود لتصل إلى 12 مليار دولار) مقارنة بالعامين الماضيين وخلال فترة قصيرة".

"تضليل الحكومة"

ونوّهت إلى أن "مشروع الموازنة لم يقدم أي حلول لمواجهة أزمة المديونية المتفاقمة على الدولة، وربما تواجه الحكومة أزمة في الاقتراض الخارجي عبر السندات الدولية في ظل التداعي المتوقع للدول العالمية – قد يتمثل ذلك في ارتفاع أسعار الفائدة- على الاقتراض لمواجهة الأزمة".

وذكرت الدراسة أن "قراءة المخصصات كشفت تضليل الحكومة بشأن تحقيق الاستحقاق الدستوري في نسبة المخصصات للصحة والتعليم في المشروع، كما كشفت تحيزها لصالح بعض الجهات الموالية للسلطة بزيادة مستمرة في المخصصات المالية لها".

واستطردت قائلة: "تستمر الحكومة كذلك في رفع الدعم عن المواطنين، سواء أكان الدعم الموجه للسلع التموينية أو إلى الكهرباء أو إلى الوقود، وتتخفى الحكومة بأسعار مبالغ فيها للنفط لتحقيق هذه الوفورات، بما يعني أن جيوب المواطنين ستصبح مصدر إيراد للحكومة التي ستتربح من وراء فروق أسعار الوقود".

ولفتت الدراسة إلى أن "استمرار تجاهل الحكومة للقطاع الزراعي والمزارعين، سواء بحجم الدعم المخزي الموجه للمزارع، أو عند تسعير القمح بسعر أقل كثيرا من المتوسط العالمي السائد حاليا أو المتوافق مع الأزمة، لتمرير دعم سعر شراء القمح من الفلاح على خلاف الحقيقة".

وأوضحت أن "الحكومة أعلنت أن أسوأ سيناريو في حال تواصلت تداعيات فيروس (كوفيد-19)، ولم يتم احتواء تفشي الوباء قبل بداية العام المالي في تموز/ يوليو المقبل، فإنه من المتوقع أن ينمو عجز الموازنة ليصل إلى 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلا من التراجع المستهدف عند 6.3%، مع إمكانية أن تعجز الإيرادات المرتبطة بالنشاط الاقتصادي عن تحقيق المستهدف عند 25%. وفي مثل هذا السيناريو، لم توضح كيف ستتعامل مع هذا السيناريو، وربما الإجابة ببساطة هي المزيد من الاقتراض الخارجي".

التعليقات (0)