هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "صندي تايمز"، تقريرا تناولت فيه أسباب الخلافات بين رئيس النظام السوري بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف.
وكشفت مراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط لويز كالاغان، أنه بناء على محادثات مع عدد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال ممن لهم معرفة عميقة بعمل النظام تبين شق كبير في العلاقة بين الرجلين.
وأكدت في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن رجل المال رامي مخلوف سقط من علوه الشاهق مؤخرا.
وتظهر الشهادات أن الأسد يحاول تجريد الرجل الذي قام بتمويل الحرب من سلطاته وتأثيره. وفي عملية مواجهة مخلوف، كشف عن طريقة عمل الطبقة السياسية الدنيئة في سوريا، حيث أصبحت مكشوفة للجميع.
اقرأ أيضا: صحيفة: هل يؤدي الخلاف بين "مخلوف والأسد" لانقسام علوي؟
وأوضحت أن أبرز أسباب الخلاف بين الأسد ومخلوف يعود بشكل أساس إلى سببين، هما: "الأول: تردد الملياردير عن دفع ملايين الدولارات اقترضها من الأسد، والثاني: تباهيه بالثروة في الخارج".
عائلة مخلوف
وبدأت الصحيفة تقريرها بالحديث عن ابن مخلوف الذي يعيش في دبي، حيث قالت: "بالنسبة للمتابعين لحساب محمد مخلوف (22 عاما) على إنستغرام، فإنه يبدو وكأنه حصل على حلمه".
وأضافت: "كابن أغنى رجل في سوريا تقدر ثروة والده بحوالي ملياري دولار، كان يحلق ما بين دبي وميكونوس، وكان يخرج من سيارته الراقية عار من الأعلى ويظهر عضلاته التي دهنها بالزيوت، لتلمع تحت أشعة الشمس".
ثم هناك الطائرات الخاصة والقوارب السريعة والقصور التي كتبت الحروف الأولى من اسمه عليها.
وبحسب الصحيفة، فقد "تقاطعت صور الشاب الذي لا ينتهي من الرحلات والسفر، مع صورة ابن خال والده، الرئيس بشار الأسد الذي بدا متواضعا وجادا".
وكان والد رامي، محمد مخلوف، معروفا بأنه "صراف" عائلة الأسد. وكان قبل الحرب يسيطر على 60 في المئة من اقتصاد سوريا. وظل رامي وعلى مدى التسع السنوات الماضية يمول حرب الأسد.
ولكنه اليوم يواجه مشكلة كبيرة جدا، فبعد حالة من الرفاه التي لا يمكن تخيلها في وقت حصدت فيه الحرب أكثر من 400 ألف سوري، لم تعد العائلة مقربة من النظام السوري.
وتضيف كالاغان، أن السوريين يتابعون ومنذ أشهر عدة، الغسيل القذر داخل الطبقة المقربة من الأسد، في وقت كان يحاول فيه رامي مخلوف مواجهة محاولات من الحكومة السيطرة على أرصدته وتجميدها.
وفي الشهر الماضي صادرت السلطات المصرية سفينة شحن تجارية قادمة من سوريا تحمل صناديق معلمة بماركة شركة يملكها مخلوف. وكشف سريعا أنها محشوة بالحشيش. ورغم نفيه أي علاقة مع السفينة، إلا أن القصة أعطت صورة لا تدعو للنفي عن محاولات مخلوف المستمرة لإثراء نفسه بطرق غير شرعية، بحسب الصحيفة.
ويقول الدبلوماسي السوري الذي انشق عن النظام عام 2012، ويعيش الآن في واشنطن، ويدعى بسام بربندي: "أعتقد أنهم يريدون وجها جديدا لأن رامي أصبح يمثل صداعا لهم".
وتعلق كالاغان بأن رامي مخلوف كان شخصا بارعا في جعل نفسه شخصية لا يمكن للنظام التخلي عنها. وكان والده المتشدد، صهر الرئيس حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي، شخصية محورية في تحويل سوريا إلى مجمع صناعي-عسكري حديث على طريقة المافيا.
نفوذ مخلوف
وبحسب أشخاص التقوا به قبل الحرب، فقد ظل رامي محترما لرغبات والده، ومثل بشار كان ابن نعمة يتحرك بين الدوائر المهمة في دمشق، وجزءا من الجيل الثاني الناعم الذي غير النظام الاقتصادي القائم على الطريقة السوفييتية القديمة إلى مجموعة أصحاب مصالح.
وقال بربندي: "كانوا يريدون إظهار القوة لكل شخص حتى لا يتم تحديهم، وعندما كنا في المدرسة الثانوية، كان كل واحد منا يريد شراء سيارة، ولكنك لا تستطيع شراء سيارة أحسن من سيارة مخلوف، حتى لو كان لديك المال لشرائها"، فذلك ممنوع.
اقرأ أيضا: خلافات عائلية وتوتر مع موسكو.. هل تمثل أسماء الأسد حلا لزوجها؟
ويقول إن هذه الطبقة كانت محصنة ولا أحد يستطيع لمسها. وتم تداول قصة في حينها عن إرسال مخلوف حرسه الخاص لضرب ابن وزير الخارجية، لأن سيارته كانت أجمل.
ولجأ الولد إلى مكتب والده، حيث ترك الحرس الباب وسمحوا لحرس مخلوف بضربه. وكلما كبر كبرت ثروته وسلطته.
وكان أول نجاح عندما افتتح سلسلة من الأسواق الحرة عند الحدود اللبنانية، حيث منح فرصة للأثرياء السوريين فرصة شراء الكحول والبضائع الراقية بدلا من تهريبها أثناء عودتهم من بيروت.
ويقول عمار العظم، أستاذ التاريخ والأنثروبولوجيا في جامعة ولاية أوهايو: "من هنا بدأت تسمع برامي مخلوف جيدا، وتحول أثناء السنوات الأولى من القرن الحالي إلى المصدر الرئيس للاقتصاد في البلاد".
وبعدما سيطر على شركة الاتصالات "سيرياتل"، تحول مخلوف إلى بقرة حلوب، بحسب وزارة الخزانة الأمريكية. ولم يعد أحد يستطيع إدارة عمل اقتصادي دونه، بعدما بدا واضحا أنه يدير الاقتصاد نيابة عن الرئيس.
أسماء الأسد
ومع شقيقه حافظ الذي كان يعمل في الأمن، فقد توسع تأثير العائلة إلى داخل النظام المعقد ومصالحه. إلا أن التوتر بين العائلتين كان يغلي تحت السطح ولوقت طويل، وحتى قبل اندلاع الحرب انتشرت الشائعات في دمشق عن وجود مشاعر سيئة بين السيدة الأولى أسماء الأسد وآل مخلوف.
ويقول عارفون إن المشاعر السيئة أو "الدم الفاسد" كانت عميقة في العائلة. ومع بداية الحرب الأهلية 2011، تحول المزاج العام ضد مخلوف، الذي أصبح علامة على الفساد المستشري الذي جلب المحتجين إلى الشوارع، وتعرضت مكاتب "سيرياتل" للحرق.
وبحسب مقابلات مع مخلوف في تلك الفترة، فقد كان يعتقد بقوة أو كان يريد الاعتقاد، أن المعارضة لم تكن سوى مجموعة متنافرة من مدمني المخدرات وعملاء الموساد الذين خرجوا بهدف تدمير النظام.
ولكنه عقد في حزيران/ يونيو 2011 مؤتمرا غريبا، أعلن فيه عن تقاعده عن التجارة والأعمال، وتمت التضحية به على ما يبدو لإرضاء مطالب المحتجين.
ولكنه لم يعتزل التجارة، بل وسع جمعية "البستان" لتضم مليشيا مسلحة محلية، وصل عدد أفرادها مرة إلى 20 ألف شخص، وكانت تعد القوة المقاتلة الرئيسة الموالية للنظام.
وفي عام 2014 اختلف شقيقه مع النظام، وأجبر على الخروج إلى المنفى، ولكن رامي استطاع تجاوز المشاكل مع الرئيس حتى العام الماضي، عندما بدا بشار الأسد واثقا من نفسه، بعد الإنجازات التي حققها بمساعدة الروس، والتفت حينها إلى رامي.
وفي الوقت الذي يتراجع فيه مخلوف حل محله آخرون، فقد حصلت عائلة الدباغ ذات الصلة بالسيدة الأولى على تأثير واضح، وكذا رجل الأعمال سامر فوز، الذي بنى ثروة أثناء الحرب.
ورغم أن أسباب صعود العائلتين معقدة، إلا أن كونهما عائلتين سنّيتين ومخلوف مثل الرئيس علوي، فقد يلعب في صالح الأسد الذي يريد تقوية قاعدته وينال دعمها.
وعلى المدى البعيد، فإن الأسد سيحاول منع أي معوق يعيق وصول ابنه حافظ إلى السلطة، ومع أن عمره لا يتجاوز الثامنة عشرة، وبعد حصوله على الجنسية البريطانية مثل والدته، فسيقدم كوجه جديد في البلاد.
ويرى العظم أن حافظ سيقدم مثلما قدم والده بأنه الرجل الطيب والصديق و"لو ظل بشار في السلطة حتى يخلفه، فستكون لديهم صفحة جديدة وفرصة جديدة لكي يقول: أنا لست مثل أبي ولا علاقة لي بالقتل، ثم يتزوج امرأة جميلة مثل والدته، وتتم إعادة تأهيله".
وفي الوقت الحالي، لا يعرف المدى الذي سيذهب فيه الأسد لتجريد مخلوف من قوته، وأحد الخيارات دفعه للخروج إلى المنفى، كما فعل حافظ الأسد مع شقيقه رفعت عام 1984، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
والحياة في المنفى لن تكون بدون مشاكل، فرفعت البالغ من العمر 82 عاما، يواجه في محكمة بباريس اتهامات ببناء مملكة عقارات من أموال سرقها من الدولة السورية.