في قرار مثير للجدل بعد أخذه الصفة القانونية
بنشره في الجريدة الرسمية الأحد، منح رئيس الانقلاب العسكري في
مصر عبدالفتاح السيسي،
أفراد القوات المسلحة صفة الضبط القضائي والتحقيق في القضايا المدنية خلال حالة الطوارئ
بتعديل بعض أحكام قانون حالة الطوارئ.
سياسيون وحقوقيون ونشطاء أعلنوا تخوفهم
من ذلك التعديل محذرين من استغلاله للبطش بالمدنيين والقبض عليهم من قبل أفراد
الجيش
والشرطة العسكرية في أي خلاف أو سوء فهم بالشارع والتحقيق معهم في النيابة العسكرية
ومحاكمتهم بالمحاكم العسكرية.
ونشرت الجريدة الرسمية نص التعديل الذي
يقول: "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية
أو من يقوم مقامه ويكون لها صفة الضبط القضائي، تختص النيابة العسكرية بالتحقيق المبدئي
في أي من المخالفات لأحكام هذا القانون مع عدم الإخلال باختصاصاتها، وتختص النيابة
العامة في جميع الأحوال دون غيرها بالتصرف النهائي في التحقيق".
وفي 21 نيسان/ أبريل الماضي، وافق البرلمان
المصري، على إدخال تعديلات على قانون الطوارئ تمنح السيسي سلطات جديدة وصلاحيات أوسع
لمحاولة السيطرة على انتشار جائحة كورونا.
ومن بين ما تنص عليه تلك التعديلات إمكانية
قيام السيسي بتقييد الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال
التجمعات، كما يجوز تقييد الاجتماعات الخاصة.
"خطير.. ومدمر"
وفي رؤيته يعتقد السياسي المصري عمرو عادل،
أن "هذا تطور خطير في منظومة القمع وتجاوز كبير للغاية للحريات والقانون والعرف
حتى".
وقال الضابط السابق بالجيش المصري في حديثه
لـ"عربي21" إن "مستوى القمع والاستبداد وصل لمستوى غير مسبوق؛ وستكون
نتيجته وخيمة في كل الأحوال".
وأوضح أنه "في حالة استسلام الشعب
سيتحول حرفيا إلى مجموعة من المساجين المراقبين من شبكة أفراد ما يسمى بالجيش".
وأشار القيادي في المجلس الثوري المصري،
إلى أنه "وفي حالة تمرد الشعب على هذا الاستبداد ستكون الخسائر فادحة وستزيد يوما
بعد يوم لتخلص من هذا الاستبداد الجيني بمصر".
وفي تفسيره لتلك الخطوة يعتقد أن
"النظام العسكري يشعر بخطر وعدم قدرة ما يمتلكه حاليا من السيطرة فيحتاج لمجموعة
من المختلين نفسيا متوغلة داخل قطاعات الشعب؛ ولا يوجد أفضل من ضباط الجيش وضباط الصف
لترسيخ الخوف والإحساس بالخطر الدائم والمراقبة".
وختم عادل تصريحه بالقول: "في النهاية
ما حدث أمر خطير جدا ومدمر بأي حال وبأي سيناريو مستقبلي".
"ترسيخ للديكتاتورية"
وفي رؤية قانونية، يعتقد القاضي المصري
المستشار محمد أحمد سليمان أن "السيسي، لا يترك فرصة تأتي لاستغلالها في ممارسة
ديكتاتوريته وبطشه على الشعب إلا واستغلها؛ خاصة وأن الفرصة هذه المرة تأتي وسط انشغال
الكافة بأزمة كورونا وهو ما يشجع على إجراء التعديلات المنشودة في غفلة من الزمن".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أنه
"في ظل استمرار حكم الانقلاب وفي ظل استمرار القبضة الباطشة وحكم الملك الفرد
الذي صار العبيد يتقربون إليه من دون الله؛ فمصر تتردى للأسوأ كل يوم بل كل ساعة".
وحول خطورة منح أفراد الجيش سلطة الضبطية
القضائية على المدنيين، يرى القاضي سليمان، أنه "تغول جديد على السلطة القضائية
في ظل رضوخ واستسلام مقيت من القضاة وناديهم".
وأوضح أن "منح الضبطية القضائية للعسكريين
يعطيهم سلطة القبض على المدنيين بصورة مطلقة حال نسبة أي اتهام لهم، بل والتحقيق معهم
بالنيابة العسكرية وما يتضمنه ذلك فضلا عن نزع اختصاصات النيابة العامة فهو يسلب المقبوض
عليه حقوقه في الدفاع".
وأشار إلى أنه ينزع عن المقبوض عليهم من
المدنيين "ضمانات توافر حقوقهم القانونية وحقهم في حضور محام وما يستتبعه ذلك
من إمكانية محاكمته عسكرية في محاكمة خالية من أي ضمان لتحقيق العدالة".
وأكد أن منح الضبطية القضائية لأفراد الجيش
على المدنيين هو في مجمله "صورة من صور ترسيخ الديكتاتورية التي يمارسها السيسي
كلما حانت له شبه فرصة".
ويعتقد أيضا أن "منح السيسي ذلك الحق
للجيش لا يعد عدم ثقة في الشرطة، أو أنها عجزت عن توفير الأمن أو الحماية؛ بل إن منح
تلك السلطات للجيش بهدف إسناد التحقيقات للنيابة العسكرية".
وأكد سليمان أن "هذا ليس تقليلا من
الشرطة؛ ولكنه يقلل من
القضاء والقضاة، الذين لن تسمع لهم همسا".
"أحكام عرفية"
وأعرب أحد القيادات المصرية في التيار المدني
-رفض ذكر اسمه- عن رفضه التعديلات الجديدة لقانون الطوارئ، واصفا إياها بأنها
"أحكام عرفية، تخرج القانون من إطاره إلى صف الأحكام العرفية التي تسقط معها أي
عدالة في المحاكمات".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن
"الكل داخل التيار المدني يرى أنها تضع العدالة على المحك، وتنهي أي درجة من درجات
التقاضي، بل تجعل دولة العدل في إجازة".
وعبر عن مخاوفه من أن "تضع تلك الخطوة
الشعب والجيش في صدام مباشر، وخاصة في ظل تعطيل
المحكمة الدستورية العليا أو توقف عملها عمدا".
ويرى أن "السيسي، هذه الأيام في حالة
تشبه الذبيحة التي ترفس بأرجلها كل من تطاله، بعدما وصل لحالة الظالم الذي لا يقبل
معها أي نقد أو توجيه".
"غير دستوري"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أثار الأمر
حالة من الجدل، ووصف الحقوقي ناصر أمين، القرار بأنه "أول قرار غير دستوري يصدر
تنفيذا لتعديلات قانون الطوارئ غير الدستورية".
واعتبر الأكاديمي والمعارض المصري بالولايات
المتحدة أحمد عبدالباسط، أن الهدف منه هو توقيف ومحاكمة أهالي سيناء.
وأعلن الكاتب اليساري محمد منير مخاوفه
من أن يتم استخدام تلك السلطة بيد أفراد الجيش للقبض على المصريين من بيوتهم دون علم
النيابة العامة ومحاكمتهم عبر القضاء العسكري.