سياسة عربية

جدل متواصل بمصر بعد نقل "كباش الكرنك" إلى ميدان التحرير

بعض المصريين عبّروا عن حزنهم ورفضهم واستنكارهم لتلك الخطوة بينما رحب وأشاد بها آخرون- أ ف ب
بعض المصريين عبّروا عن حزنهم ورفضهم واستنكارهم لتلك الخطوة بينما رحب وأشاد بها آخرون- أ ف ب

لا يزال الجدل متواصلا في مصر بشأن عملية نقل "الكباش الأربعة" من معبد الكرنك في الأقصر (صعيد مصر) إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة، حيث أعرب البعض عن حزنه ورفضه واستنكاره لتلك الخطوة بينما رحب وأشاد بها آخرون.

ويستعد المصريون لإزاحة الستار عن ميدان التحرير الميدان الشهير الذي ارتبط برمزية ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بعد إعلان وزارة السياحة والآثار المصرية عن انتهاء عملية نقل "الكباش الأربعة" إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة، وهو ما أثار حزنا لدى بعض أهالي الجنوب على فراق كنوزهم، وانتقادات خوفا من تضررها.

وكانت هذه التماثيل التي لها جسد أسد ورأس كبش وتعد من رموز الإله "أمون" عند الفراعنة، تزين معبد الكرنك منذ آلاف السنين.

ولا تزال التماثيل مغطاة، تمهيدا لإزاحة الستار عنها قريبا.

ويقول النائب في البرلمان المصري عن محافظة الأقصر أحمد إدريس، في تصريح لوكالة فرانس برس: "أنا ضد نقل آثار الأقصر إلى خارجها.. لقد تأثرت برحيلها".

وأضاف إدريس أن الأقصر محافظة بمثابة "متحف آثار مفتوح كان الجدير بنا تطويره"، معتبرا أن "قيمة الأثر في مكانه التاريخي".

 

اقرأ أيضا: "بلومبيرغ": مصر تطلب قرضا جديدا بقيمة 9 مليارات دولار

وكانت وزارة السياحة والآثار كشفت في نهاية العام الماضي عن قرار نقل أربعة من تماثيل الكباش إلى ميدان التحرير.

وأثار القرار حفيظة الكثير من المصريين الذين عبّروا عن اعتراضاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، متخوفين من أن تتأثر التماثيل التي يرجع تاريخها إلى نحو 3500 عام بعوامل التعرية والتلوث، وفق ما ذكرت أستاذة الآثار المصرية مونيكا حنّا على صفحتها بموقع التواصل.

 

 

 


وأشارت حنّا إلى أن "التلوث العالي في ميدان التحرير سيصيب الآثار بالتلف، والأثر سيفقد قيمته ويتحول من قطعة تاريخية إلى قطعة فنية".

وفي نهاية 2019، توجّه نشطاء وعلماء آثار بمذكرة التماس إلى رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لوقف عملية نقل التماثيل، وتقدّم بعض المحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لوقف عملية النقل.

وشدّد المركز، في بيان له، على "خطورة ذلك على هذه القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن ونظرا لأن ذلك يخل بطبيعة المعلم الأثري الذي سيتم اقتطاع هذه التماثيل منه".

واستند المحامون في شكواهم إلى ميثاق البندقية الذي صدر عام 1964 حول ترميم المعالم والمواقع والحفاظ عليها، وقد تبنته منظمة اليونسكو ووقعت عليه مصر عام 1974.

ويقول إدريس: "لماذا لم تتم الاستفادة من الآثار المكدسة في المخازن والمعرضة للتلف والسرقة؟".

وعارض المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وهو جزء من منظمة اليونسكو، نقل القطع الأثرية، واعتبر أن إزالتها من الموقع الأصلي يتعارض مع التزام مصر بالحفاظ على التراث، في حين رفعت مجموعة من المصريين بينها نائب برلماني دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء ووزير الآثار لوقف النقل.

"التحرير لا يحتاج تاريخا"

وتعاني الآثار المعروضة في متاحف أو مناطق مكشوفة في مصر من ممارسات مثل الكتابة عليها أو عدم احترام قواعد عدم لمسها أو تصويرها، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى تعرضها لتلف.

ولم تعلن الحكومة المصرية عن موعد تدشين ساحة ميدان التحرير الجديدة، مع قرب الانتهاء من أعمال تطويرها.

وتشمل خطة التطوير الحكومية للميدان طلاء المباني بلون موحّد وإزالة عدد من إعلانات الشوارع إلى جانب نظام ضوئي خافت للميدان يعمل في فترة الليل.

ويرى المعماري المصري الشاب أيمن بدر أن ميدان التحرير "لا يحتاج إلى عناصر تاريخية لتزيينه.. التحرير قيمته التاريخية في ذكرياته".

ويضيف أنه من الناحية البصرية "تواجد عنصر أثري أو تاريخي وسط ساحة يعتمد على أن يكون هذا العنصر هو الأبرز والأكثر لفتا للانتباه".

لكن "هذه ليست الحالة في ميدان التحرير المحاط بمبان عالية ذات كتل ضخمة مثل المجمّع والمتحف والجامعة الأميركية، ما يقلّل الأهمية البصرية والمعنوية للمسلّة والكباش في وسط الساحة".

"مشكلة وعي"

في المقابل، هناك من يدعم نقل هذه الآثار العريقة.

ويقول المرشد السياحي الأقصري محمود زكي لوكالة فرانس برس عبر الهاتف مستغربا الانتقادات: "نحن نرسل آثارنا خارج البلاد في معارض حتى يستمتع بها الأجانب.. وبالتالي إنه لشرف كبير أن تزين آثار معبد الكرنك أشهر ميادين مصر".

وكان وزير السياحة والآثار المصري خالد عناني أكد أكثر من مرة عقب اتخاذ القرار، أن التماثيل الأربعة ليست بين القطع الموجودة على جانبي طريق الكباش المعروف الذي يربط بين معبدي الأقصر والكرنك، ولكن تم اختيارها بين القطع المتواجدة خلف واجهة المعبد الأخير والتي كانت في حالة سيئة قبل ترميمها.

وفي لقاء تلفزيوني على قناة مصرية فضائية في آذار/ مارس، قال إن هناك آثارا في الحديقة المفتوحة لمتحف التحرير منذ القدم ويتم ترميمها والمحافظة عليها على الرغم من تعرضها لعوامل التعرية والمناخ.

وأوضح أن الكباش وضعت على قواعد مرتفعة حول المسلّة حتى "لا يتمكن أحد من لمسها"، مقرّا بوجود "مشكلة وعي" لدى المصريين في التعامل مع آثارهم.

ومن جهته، يقول خبير الآثار المصري، علي أبو دشيش: "لا يُعقل أن تُزيّن ساحات عالمية كثيرة بالمسلّات المصرية.. ولا توجد واحدة وسط التحرير، الميدان الأشهر في مصر".

وقد تمت عملية النقل بواسطة شركة "المقاولون العرب"، تحت إشراف فني وأثري من مرممي المجلس الأعلى للآثار والأمين العام للمجلس.

يُذكر أن صحيفة "اليوم السابع" المحلية نشرت، الأربعاء، مجموعة من الصور خلال أعمال فك مجموعة من الكباش، الموجودة خلف الصرح الأول بمعبد آمون رع بالكرنك بمدينة الأقصر، الذي بدأ المجلس الأعلى للآثار في أعمال مشروع ترميمهم، حيث اكتشف خلال أعمال الفك مجموعة من الأخطاء التي ارتكبت خلال صيانتها في السبعينات، وفق قولها.

التعليقات (0)