هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عَمّق تفشي وباء كورونا من أزمة دبي الاقتصادية، خاصة بعد توقف السياحة والرحلات الجوية وإجراءات العزل العام التي اتخذتها العديد من الدول حول العالم للحد من انتشار الوباء.
وتواجه إمارة دبي، التي تتسيّد القرارات الاستراتيجية للإمارات السبع لدولة الإمارات العربية المتحدة، أسوأ تراجع اقتصادي منذ ما يزيد عن العشر سنوات، لا سيما في ظل توقف شبه كامل للعديد من القطاعات الاقتصادية بسبب تفشي وباء كورونا.
وفيما يُشبِه لعبةَ صراع العروش، وفق وصف مراقبين، استطلعت "عربي21" آراءهم، تسعى، تدريجيا، إمارة أبو ظبي (العاصمة السياسية لدولة الإمارات)، للهيمنة الاقتصادية على دبي، بعد فشل الأخيرة في مواجهة التحديات الاقتصادية التي واجهتها طوال العقد الماضي، وازدادت حدة بعد كورونا.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر، أن حكومتي أبوظبي ودبي تبحثان سبل دعم اقتصاد دبي عبر ربط أصول في الإمارتين، وأن من المرجح أنْ يضطلع صندوق مبادلة الحكومي التابع لأبوظبي بدور رئيسي في أي اتفاق.
اقرأ أيضا: "حكومة دبي" تستغني عن 30 ألف وظيفة بمجموعة الإمارات
نفوذ أبوظبي
وقدمت أبوظبي دعما لدبي بعد أزمة 2009 بقرض حكومي قيمته عشرة مليارات دولار، جرى تمديده في وقت لاحق، وسندات بقيمة عشرة مليارات دولار، أصدرتها دبي للبنك المركزي.
وقال أحد المصادر؛ إن أي دعم من أبوظبي يجري الاتفاق عليه الآن، سيتم "تنسيقه عبر عمليات اندماج لأصول تتنافس فيها أبوظبي ودبي بشكل مباشر، أو حيث لهما ملكيات مشتركة".
وأضاف المصدر: "الصفقة الأكثر ترجيحا بأن تتم في الأمد القريب، هي اندماج لأسواق الأسهم المحلية"، مضيفا أن من المحتمل اندماج بنوك أيضا، لافتا إلى أن المحادثات تجري "بطريقة أنيقة" دون أن تتخذ مظهر الإنقاذ المالي المباشر.
وأكد مصدر ثان إجراء المحادثات، وقال إن صندوق مبادلة الذي يدير أصولا بنحو 230 مليار دولار، سيقوم "بخطوة كبيرة في دبي"، دون أن يذكر تفاصيل.
وامتنع "مبادلة" عن التعقيب. ولم ترد أبوظبي على طلبات للتعليق على المحادثات. لكن المكتب الإعلامي لحكومة دبي نفى ذلك عبر حسابه الرسمي على تويتر.
وتدور منافسة هادئة بين الإمارتين، وتطورت دبي سريعا لتصبح مركزا للسياحة والتجارة والأعمال في الشرق الأوسط، بينما أبوظبي هي العاصمة السياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة بسبب حجمها وثروتها النفطية الهائلة. وبدأ توطد النفوذ السياسي في أبوظبي بالدعم الذي قدمته عام 2009.
وأعلنت الإمارات، الأربعاء، أنها ستقوم بمراجعة هيكل حكومتها وحجمها؛ بهدف أن تكون "أكثر رشاقة ومرونة".
وقال نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "قد ندمج وزارات.. ونغير هيئات"، وذلك عقب اجتماعات افتراضية استمرت ثلاثة أيام بشأن استراتيجية البلاد بعد فيروس كورونا.
وأكد مصدر ثالث، أن "مبادلة" سينخرط على الأرجح "في مرحلة ما"، بسبب أن الصندوق الحكومي دائما ما يشارك حين يكون هناك أي اندماج بين الإمارتين في السابق.
اقرأ أيضا: مطار دبي يفقد 18.9% من أعداد المسافرين في 90 يوما
السيطرة على الأصول
وقعت اندماجات بعد أن قدمت أبوظبي دعما ماليا لدبي عقب أزمة 2009، التي انهار خلالها سوق العقارات بدبي، مما أجبر تقريبا بعض الشركات المرتبطة بالحكومة على التخلف عن سداد ديون بمليارات الدولارات.
وقامت الإمارات بدمج شركتي الألومنيوم في دبي وأبوظبي لتأسيس شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، المملوكة بشكل مشترك لصندوق مبادلة ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية.
وقال المصدر الأول: "رأينا بالفعل نمطا من الاندماجات وسيتسارع هذا الآن... سيتم تصميم عمليات الإنقاذ المالي هذه، على الأخص، عبر حصول أبوظبي على حصص في أصول استراتيجية مملوكة لدبي. سيحدث هذا بمرور الوقت".
وقالت كابيتال إيكونوميكس ومقرها لندن؛ إن دبي أكثر الاقتصادات في الشرق الأوسط وأفريقيا عرضة لخطر الضرر الاقتصادي، الناجم عن التدابير الهادفة للحد من انتشار فيروس كورونا، وذكرت أن اقتصاد دبي قد ينكمش بما لا يقل عن خمس إلى ست بالمئة هذا العام، إذا استمرت هذه التدابير حتى الصيف.
وتباطأ النمو الاقتصادي في دبي قبل الجائحة، وتبددت آمال الاستفادة من استضافة معرض إكسبو العالمي في تشرين الأول/أكتوبر، حين جرى تأجيل الحدث إلى 2021.
وكانت مصادر مطلعة قالت، إن دبي أجرت مناقشات في الأسابيع الأخيرة مع بنوك بخصوص عدد من خيارات التمويل التي تشمل القروض والسندات الخاصة. وقالت مصادر إنها تدرس أيضا جمع تمويل مدعوم بإيرادات رسوم الطرق.
اقرأ أيضا: ابن راشد: الإمارات تستعد لعالم ما بعد كورونا
هيمنة تدريجية
وأكد الخبير الاقتصادي، محمد فارس، في حديث خاص مع "عربي21"، أن أبوظبي تسعى تدريجيا للهيمنة الاقتصادية على دبي، مستغلة ضعف الأخيرة وفشلها في إيجاد حلول لإنقاذها على مدار أكثر من 10 سنوات.
وقال فارس؛ إن أبوظبي ستبدأ في الاستحواذ التدريجي على قطاعات دبي الاقتصادية "المأزومة"، ثم يعقب ذلك استحواذ اقتصادي وسياسي كامل.
وأوضح الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، في حديث خاص مع "عربي21"، أن إمارة دبي كانت تتسيد الموقف الإماراتي خلال السنوات الماضية بدعم من الإيرادات الكبيرة، والتقدم الذي ظهر من وراء قطاعات السياحة والتشييد والبناء والنقل الجوي وغيره، ولكن انحسار هذه القطاعات يعني أن هناك نوعا ما من أنواع ما يمكن أن نسميه تبادل الأدوار، أو على الأقل ملء الفراغ الذي يمكن أن يحدث خلال الفترة القادمة.
وأشار ذكر الله إلى أن دبي اقترضت في 2009 ما يقارب 10 مليارات دولار من إمارة أبو ظبي، وتؤجل سداده كلما حان موعد استحقاقه منذ ذلك الحين وحتى الآن.
وأضاف: "من الممكن أن نشهد تناميا ملحوظا لدور أبوظبي وغيرها من الإمارات الأخرى بخلاف دبي للقيام بدور سياسي ما، قد يكون التأثير في حسم بعض ملفات مهمة، خاصة المتعلقة بالتدخلات العسكرية الخارجية وعدم الإنفاق عليها مستقبلا أو تقليصه".
اقرأ أيضا: MEE: ثلاث صدمات اقتصادية تضع حكام الخليج في خطر
اختلالات هيكلية
وقال ذكر الله؛ إن التمدد العسكري الإماراتي في عدد من الدول العربية مثل اليمن وليبيا، وحتى في التخطيط لغزو قطر وحصارها، كان من بين أهدافه الرئيسية الحصول على موارد مالية واقتصادية لتعويض العثرات التي تواجه الاقتصاد الإماراتي بصفة عامة واقتصاد دبي بصفة خاصة، ولكن التمدد العسكري الإماراتي فشل في تحقيق العديد من أهدافه، وإن كان قد نجح في بعضها.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الاقتصاد الإماراتي يعاني من اختلالات هيكلية عديدة، لافتا إلى أن فترة انتعاش الإمارات الاقتصادي، كانت تعتمد على مجموعة من القطاعات الريعية والخدمية وليس الإنتاجية.
واستطرد: "إذا استعرضنا مكونات الناتج المحلي للاقتصاد الإماراتي وكذلك اقتصاد دبي، سنجد أن النفط يشكل 30 بالمئة من مكوناته، والسياحة 11 بالمئة، والنقل الجوي 15 بالمئة، والنقل البحري 5 بالمئة، والتشييد والبناء 12 بالمئة"، مشيرا إلى أن جميع الإمارات تعاني من أزمة اقتصادية، وأنه حتى لو تم نوع من أنواع المساعدات لإمارة دبي، سيكون بالاقتراض الخارجي وليس بالاعتماد على الموارد المحلية.
وتابع: "لا نستطيع أن نقول إن فيروس كورونا هو المتسبب الوحيد للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها دبي الآن، وإنما يمكن القول بأن الأزمة الاقتصادية بدبي زادت عمقا بعد تفشي وباء كورونا؛ خاصة مع توقف السياحة وحركة الطيران،
وهناك الكثير من التقارير الدولية التي تشير إلى الأزمة الاقتصادية التي أصابت دبي منذ خمس سنوات، والبعض يقول إن دبي لم تتعاف من الأزمة المالية العالمية التي حدثت في العام 2008".