كل عام وأنتم بخير (أقولها بخجل).. وأسأل الله العظيم أن يجعل هذا
العيد عيدا سعيدا على
مصر، والأمة العربية، والأمة الإسلامية، وعلى الإنسانية كلها.. تلك الإنسانية التي أفسدت في البر والبحر والجو، حتى علت شكوى الكوكب المسكين، وكائناته المظلومة من جرائم الإنسان، وتجاربه النووية، واعتداءاته على الكائنات الحية..
تعيش مصر اليوم عيد الجوائح.. وما أكثرها!
* * *
الجائحة الأولى: جائحة أخلاقية
قد يظن البعض أن أكبر جائحة في هذه الظروف التي يمرّ بها كوكب الأرض هي جائحة "
كورونا"، والحقيقة أن هذا الأمر صحيح، ولكنه لا ينطبق على مصر، فهي دائما تسير وفق قوانينها وحدها..
في مصر جائحة أخلاقية تلتهم مروءة وشهامة من يعيشون فيها التهاما، فترى حوادث اغتصاب تكاد تكون مصورة على الهواء، ثم ترى المغتصِب يجلس مع من اغتصبها في مكتب المأمور، ويضحكان سويا بعد أن تصالحا، "ويا دار ما دخلك شر"!
انهيار أخلاقي هو انعكاس للحالة السياسية، فحين تتحكم في أي بلد عصابة من اللصوص المنحطين، لا يمكن إلا أن تسود أخلاق الغابة، ولا يمكن أن يرتفع إلا السفلة، ولا مكان لشريف أو محترم أو "معتدى عليه".
* * *
الجائحة الثانية: جائحة سياسية
لا يمكن للمرء أن يفهم أو أن يتفهم معنى أن تتصرف الدولة بتلك الطريقة "الداعشية".. قتلى في سيناء بلا عدد، بلا حصر، بلا تهم، بلا جرائم، بلا محاكمات.. جثث ترمى أمام الشاشات ولا أحد يعلم من هؤلاء، وماذا فعلوا!
تسريب
فيديو لهشام عشماوي قبل وبعد إعدامه، تماما كالدواعش الذين يزعمون محاربتهم!
العفو عن قاتل أجير يدعى محسن السكري، بعفو رئاسي.. وكأن رئيس الدولة يحاول أن يظهر أي نوع من الناس يستحق رحمته، وأي نوع من الجرائم يشفع فيه لديه (ليس صعبا أن يلاحظ القارئ الكريم أن الغالبية العظمى ممن يحصلون على العفو الرئاسي المزعوم مجرمون محترفون، ويندر أن تجد بينهم مظلوما، أو محتاجا)!
تعنّت مع السيدة "
ليلى سويف" لمجرد رغبتها في توصيل رسالة لابنها المضرب عن الطعام، وبعض المحاليل التي تعينه على هذا الإضراب في هذا الاعتقال المفتوح بلا تهم!
استقواء على ناشطين سياسيين "على المعاش"، أي أنهم تركوا العمل السياسي وسائر الأنشطة منذ سنوات، بعد أن تم تأميم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والدينية لصالح جهاز أمن الدولة والمخابرات العسكرية، فأصبح هناك رأي واحد في كل المواضيع.. باستثناء العقائد الإسلامية.. ستجد في كل ما يتعلق بثوابت الدين رأيين.. دائما.. والغريب أنك ستجد دائما الصوت الأعلى الذي يحتفى به هو الصوت الجاهل.. أما العلماء الراسخون في العلم.. فبينهم وبين المنابر جنود غلاظ شداد!
* * *
الجائحة الثالثة: جائحة عسكرية
أستغرب من هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بالوطنية الزائفة التي تحتفي بكل انتهاكات القوات المسلحة المسجلة بالصوت والصورة، المشهرة على رؤوس الأشهاد بأسماء الضباط وعناوين إقامتهم.. أستغرب من هؤلاء صمتهم أمام
صفعات إثيوبيا وركلاتها لوجه القيادة السياسية والعسكرية ليل نهار!
تخزين المياه في بحيرة سد النهضة سيبدأ خلال أيام.. والجيش الباسل يحتفل بمسلسلات درامية توظف فيها دماء الجنود في معارك سياسية داخلية.. ولا تحاسب فيها القيادة عن التضحية المجانية بهم.
يحتفل الجيش بالمسلسلات.. بينما نراه يصمت أمام الاختبارات الحقيقية في إثيوبيا.. ويفرط في التراب الوطني في تيران وصنافير مقابل حفنة من الدولارات!
دماء الجنود تستخدم وتستغل في توسيع نفوذ الجيش، في مزيد من المكاسب الاقتصادية.. أما الأمن القومي.. فلا بواكي له!
* * *
الجائحة الرابعة: جائحة صحية
لا أستطيع أن أحدد
حجم انتشار وباء "كوفيد-19" في مصر.. لا أحد يستطيع!
لا توجد دولة في مصر تجمع المعلومات أصلا، ولكن من خلال علاقاتي الشخصية.. ومن خلال المتابعة للسوشيال ميديا، ومن خلال الاطلاع على بعض المصادر داخل المستشفيات.. أستطيع أن أقول بثقة إن الوضع يتدهور يوما بعد يوم.. ويبدو أنه لا توجد خطة لمواجهة المرض!
* * *
الجائحة الخامسة: جائحة اقتصادية
قررت السلطة الحاكمة في مصر اللجوء مرة أخرى لصندوق النقد الدولي، فها هي قد طلبت قرضًا جديدًا عبر برنامجين من المساعدات بقيمة 8.5 مليار دولار، الأول لمعالجة الخلل الناتج في ميزان المدفوعات، والثاني لدعم السياسات الاقتصادية الكلية.. ولا أحد يعرف على وجه الدقة ما يحدث بين الدولة والصندوق..
فالقروض السابقة لم يفهم أحد طبيعتها، ولا فيم أنفقت، ولا كيف سيتم سدادها أصلا!
مصر بعد أزمة كورونا ستتراجع مواردها من النقد الأجنبي، فلا موارد من السياحة، ورسوم قناة السويس انهارت (خصوصا بعد انهيار سعر البترول بفضل حماقات الأشقاء إياهم)، وبفضل تباطؤ حركة التجارة الدولية، كما أنه من المتوقع بسبب أزمة كورونا تراجع تحويلات العاملين بالخارج.
يستغل أهل الحكم تنازلاتهم السياسية غير المحدودة في "شفط" المليارات من خزائن المؤسسات الدولية، وعلى الأجيال القادمة أن تسدد، ولا شيء في مصر يتغير، اللهم إلا أرصدة كبار المسؤولين في الخارج.
من المتوقع أن ينهار سعر الجنيه، وأن يزداد التضخم، وأن يشقى غالبية المواطنين بفضل سياسات العصابة.
لا أدري.. هل هذا العيد يمكن أن نهنئ فيه بعضنا بكلمة "عيد سعيد"؟ ربما من الصعب أن نتبادل تلك التهاني بجرأة.. ولكن كلي ثقة بأنه في يوم قريب ستسعد الأمة المصرية بعيد سعيد، بعد أن تتخلص من عصابة الحكم، وتنتزع حريتها بيديها.
حينها سأقول لكم بكل سرور.. عيدا سعيدا لكم..
twitter.com/arahmanyusuf
موقع إلكتروني:
www.arahman.net