قضايا وآراء

النقابُ الذي غطى وجهَ العالم بالإكراه!!

أحمد عبد العزيز
1300x600
1300x600
النقاب.. الذي يراه البعض فريضة، ويراه البعض "عفة"، ويراه كاتب هذه السطور "حرية شخصية"، فرَضَه فيروس كورونا على العالم كله، من شَماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.. المسلم والكافر والملحد والوثني، لكن تحت اسم آخر.. ألا وهو "الكمامة"!

وضع الجميع "النقاب" أو "الكمامة" على وجوههم، كرها لا طوعا.. إلزاما لا اختيارا.. فلم يناقش أحدٌ ولم يجادل في "وجوبه" ولا في "استحبابه" ولا في "كراهته" ولا في "جوازه مع الكراهة"! بل اتفق الجميع "دونما تنسيق" على "فرضيتة"! ووصل الأمر حد توقيع غرامة مالية على من لا يضعه على وجهه؛ باعتباره سلوكا يهدد "سلامة المجتمع"!

سبحان الله.. أصبح اليوم عدم تغطية الوجه "تهديدا لسلامة المجتمع"!!

يعني الواقع أثبت إمكانية أن يغطي الناس وجوههم.. عادي!! دون أن يثير ذلك الشك والريبة في نفوس عناصر االشرطة!! فلماذا إذَنْ صدَّعنا المتعلمنون (حتى الأمس القريب) بكتاباتهم وفي مناظراتهم التلفزيونية بالحديث عن خطورة إخفاء وجه المراة بالنقاب على المجتمع؟! إزيّ الحال "دِ الوقت" والجميع يغطون وجوههم.. الرجال والنساء.. المسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون وعباد النار والشجر والحجر، حتى الإباحيون ودعاة التعري؟!

لقد وصل اضطهاد المنتقبات في فرنسا حد توقيع عقوبة مالية على من تُضبط متلبسة بوضع النقاب على وجهها في الشارع! واشتهر الفرنسي الجزائري الأصل رشيد نكاز بتسديد هذه الغرامات، نكاية في العلمانية الفرنسية "العوراء" التي جعلت من "الحرية" ديناً للفرنسيين والمتفرنسين، لا مانع من المسارعة إلى التخلى عنه إذا كان الأمر يتعلق بقطعة قماش تغطي وجه امرأة لا تمانع من كشف وجهها (عند الضرورة) لإثبات هويتها!

وإذا كان الأمر مبررا في بلد غير مسلم كفرنسا، فإنه من غير الممكن تبريره في بلد مسلم كمصر.. فكم تعرضت الفتيات في المدارس والجامعات للاضطهاد، بسبب وضعهن النقاب على وجوههن.. ولعلنا نذكر الواقعة الشهيرة التي نزع فيها شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي النقاب عن وجه تلميذة في المرحلة الإعدادية، عند زيارته لإحدى المدارس الأزهرية، مع تعنيف وتبكيت للطالبة من "الإمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر"!!

لقد أثبتت جائحة كورونا للعالم كله عمليا، أنه لا خطورة (مطلقا) من تغطية المرأة وجهها إذا شاءت.. ولم يعد لأولئك حجة لإثارة هذه القضية من جديد بعد عبور العالم هذه الجائحة.. فقد أسقط هذا المخلوق اللامرئي حجج المنظرين والمفكرين العلمانيين والمتعلمنين من المسلمين.

كما أثبتت هذه الجائحة أن عداوة العلمانية للدين لا تقوم على أسس متينة، ولا حتى غير متينة، بل ولا تقوم على منطق عقلي معتبر، وإنما تقوم على الهوى، ولا شيء غير الهوى الذي لا يلبث أن يهوي بالضربة القاضية من فيروس لا قبضة له!

فالمسألة ليست رفض النقاب لاحتياطات أمنية، ولكنه رفض للدين ذاته، وكل ما يتعلق به أو يمت له بصلة، بدءا بالعقيدة وانتهاء بأدق الشكليات، ومنها النقاب..

فلماذا الصلوات خمس وليست ستا أو أربعا؟! ولماذ الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث، وباقي الصلوات أربع ركعات؟! ولماذا الطواف حول الكعبة وهي ليست سوى غرفة مكسوة بقماشة سوداء؟! ولماذا تقبيل الحجر الأسود بالذات وليس أي حجر والسلام؟! ولماذ الزكاة طالما ندفع الضرائب؟! ولماذا الصيام وما هو إلا "تكدير" بلغة العسكرية المصرية؟! ولماذا تغطي المرأة وجهها إذا لم تكن جميلة تفتن الرجال؟!

كل هذه أسئلة تبدو منطقية بـ"المعيار" العلماني، إذ لا يكُف عن طرحها الباحثون والأكاديميون والفلاسفة والمفكرون العلمانيون والمتعلمنون في كل عصر، أما المؤمن العادي (حتى لو كان أميا) فلا يطرحها، ليس لأنه يخاف من طرحها، ولكن لأنه ليس بحاجة للإجابة عنها من الأساس.. فإذا كان قد آمن بإله لم يره.. فكيف يناقشه في ما فرضه عليه؟! فالإيمان بالله كاف تماما للرضا والقبول بكل ما يصدر عنه..

هذا منطق لا يعرفه كثير من العلمانيين والمتعلمنين؛ لأنهم لا يؤمنون إلا بالمرئي والمحسوس حتى لو كان فيروسا لا يُرى بالمجهر العادي.. يأمر فيُطاع!

twitter.com/AAAzizMisr
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأربعاء، 27-05-2020 12:45 ص
ذكرنا الكاتب الفاضل مشكوراً بالواقعة المؤلمة لنزع شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي النقاب عن وجه تلميذة في المرحلة الإعدادية، مع تعنيف للطالبة من "الإمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر"!!، والواقعة حدثت منه في أكتوبر 2009، وتوفي بعدها بأشهر قليلة في مارس 2010 عن 81 سنة، والمذكور عينه مبارك مفتياً لمصر في 1986، ثم كافأه بتعيينه شيخاُ للآرهر في 1996، وابقاه في موقعه حتى وفاته، فطنطاوي قد حافظ على رضى مبارك وزوجته وابنيه عنه لمدة تزيد على 24 عاماً، وبعد أشهر قليلة قامت المظاهرات ضد ظلم مبارك مما أجبره على التنحي، وأدين بعدها رب نعمة طنطاوي بحكم قضائي نهائي باختلاسه الأموال المخصصة للقصور الرئاسية، وهو حكم يفقده حسب القانون المصري للاعتبار والأهلية مع عدم قبول شهادته، رغم استدعائه بالمخالفة للقانون بعدها للشهادة ضد الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي رحمه الله، وذكر الواقعة ليس للتقليل من طنطاوي بعد وفاته، ولكنه للعظة والاعتبار لنا، فالواقعة ليست من الأخطاء التي أراد أن يخفيها طنطاوي عن الناس، بل فعلها علناُ أمام الشهود وأراد أن يعرف بها وتنسب إليه وينشر عنها حتى تصل لرب نعمته فيرضى عنه هو وزوجته سوزان الذين كانوا في عداء معلن مع الحجاب والداعين إليه، وللأسف فإن بعض بسطاء المصريين يخدعون بالألقاب الفخيمة كمفتي مصر والإمام الأكبر، وكأنهم منزهين وفوق المحاسبة، وينسون أن هؤلاء معينون من حكام فاسدين لما يرونه فيهم من خنوع وتكالب على المناصب والمال الذي يقترفونه منها، وأن الشعور بالعزة والكرامة والاعتزاز بالنفس من أبعد الصفات عنهم، وطنطاوي ليس بدعة في ذلك فله اشباه سابقين وحاليين من عبدة المناصب، ومؤلهي أرباب نعمتهم، غفر الله لنا ولمن أحسن النية منهم، والله أعلم بما في نفوسهم.