قضايا وآراء

الأطباء أعداء الوطن!

أسامة جاويش
1300x600
1300x600

"في ظل الجهود التي تبذلها الدولة المصرية حكومة وشعبا في مواجهة هذا الوباء، والاستمرار في تنفيذ خطط التنمية والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في أصعب الظروف، يحاول أعداء الوطن من المتربصين التشكيك في ما تقوم الدولة به من جهد وإنجاز".

رسالة تحذيرية أتحفنا بها الجنرال عبد الفتاح السيسي في ظل تصاعد الانتقادات من جانب الفريق الطبي في مستشفيات مصر، نتيجة ضعف الإمكانات والإهمال الكبير، والذي تسبب في وفاة أكثر من عشرين طبيبا وممرضة حتى الآن في مواجهة وباء كورونا، بما يقارب نسبة 3.7 في المئة من إجمالي الوفيات، وهي نسبة ربما تكون الأعلى عالميا في أعداد الوفيات داخل الفرق الطبية.

رسالة التحذير الرئاسية جاءت تتويجا لحملة مسعورة أطلقتها أجهزة الدولة؛ لتنهش في سمعة الأطباء في مصر وتأكل من تبقى منهم على قيد الحياة.. مقالات يكتبها أشباه الصحفيين، على شاكلة دندراوي الهواري في صحيفة اليوم السابع؛ الذي اتهم الأطباء بأنهم إخوان وأن كل شكوى تصدر من داخل إحدى المستشفيات قد تمت صياغتها داخل مدينة إسطنبول التركية بإشراف من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الخارج.

ارتكبت في حق نفسي جرما كبيرا عندما أكملت قراءة ما كتبه الدندراوي لعلي أجد دليلا أو إثباتا على ما يقول، فوجدت ما هالني وأفزعني من الأدلة ما قطع الشك عندي باليقين.. الدليل على خيانة الأطباء وأنهم المقصودون من تحذيرات السيسي؛ أن محمد بديع، مرشد جماعة الإخوان المسلمين، طبيب بيطري، ومحمد البلتاجي طبيب، وعصام العريان طبيب، ومحمود عزت طبيب هو الآخر. هكذا بكل بساطة.. الإخوان يدخلون كليات القمة وقياداتهم من الأطباء، فيبحث النظام وغلمانه في تاريخ كل طبيب معترض ليثبتوا أنه على علاقة بالإخوان. 

النظام الحالي أفقد التلفيق معناه، وأفرغ فبركة التهم من محتواها، وأصبح أضحوكة الأنظمة الفاشية العسكرية. فطالب الطب الذي نشر صورة له مع زملائه يوم تخرجه من السنة الرابعة ينتمي للإرهابيين الخونة وأعداء الوطن، فها هو يشير بإشارة رابعة.. نتحدث إليهم ونكتب لهم أنكم كذبتم في حق الفتى وطعنتم مصداقيتكم ولكن لا حياة لمن تنادي، ثم يزيدوننا من الكذب أبياتا أخرى لتتصدر إحدى مديرات شركات الأدوية الدولية صدارة مشهد تويتر في الأيام السابقة، بتغريداتها المسيئة للفريق الطبي والتي سفهت فيها وقللت من مطالبهم، واستخدمت مصطلحات الدولة عندما تدافع عن نفسها في مواجهة أي انتقاد. ومع ضغوط مواقع التواصل الاجتماعي وحملات لمقاطعة الشركة التي تعمل فيها، اضطرت في النهاية الدكتورة نيبال دهبة لحذف تغريداتها والاعتذار للأطباء، ثم أصدرت شركة سانوفي بيانا تعبر فيه عن امتنانها للدور الذي تقوم بها الفرق الطبية في مستشفيات مصر.

النظام المصري الحالي وأتباعه داخل مؤسسات الدولة بات أشبه بمدمن المخدرات الذي لم يعد يستطيع العيش دون أخذ جرعة المخدر في وقتها، ولا شيء أقوى من مخدر الإرهاب والخوف من العدو الشرير الذي يشكك في الإنجازات ويقلل من النجاحات وينشر الروح التشاؤمية داخل البلاد.

على امتداد الخط منذ اليوم الأول للانقلاب، ستجد أن هذا المخدر هو شعار المرحلة منذ أيام التفويض الأولى ومحاربة الإرهاب المحتمل، مرورا ببعض المحطات الدامية، مثل اغتيال النائب العام هشام بركات، وحديث الجميع بمن فيهم السيسي عن العدالة الناجزة والسريعة، وصولا إلى حالة الشحن المعنوية الكبيرة التي صنعها النظام ووسائل إعلامه في شهر رمضان الماضي، بالتزامن مع عرض مسلسل الاختيار وحكاية ضابطي الجيش أحمد منسي وهشام عشماوي، لنصل الآن إلى محطة شيطنة جديدة، وهي الهجوم على الأطباء ووصفهم بالخيانة وبأنهم أعداء الوطن.

الطبيب المصري الذي درس سبع سنوات ثم تخرج ليعمل براتب أساسي لا يتجاوز 300 جنيه مصري (ما يوازي 18 دولارا)، ثم ببعض البدلات والحوافز الإضافية يصل إلى 2500 جنيه مصري، يعمل ليلا نهارا ويمكث أحيانا داخل المشفى ليوم كامل نظير 80 جنيها مصريا إضافية.. هذا الطبيب الذي يدخل غرفة العمليات فتنال منه دماء المريض تارة على وجهه وتارة أخرى على عينه، وتأتيه حالة مصابة في حادث طريق وتنزف دما من كل مكان وهو في استقبال وطوارئ المشفى، فيجري لها الإسعافات الأولية دون توفر وسائل الحماية الشخصية اللازمة له.. هذا الطبيب يحصل على بدل للعدوى قيمته 19 جنيها فقط، بما يوازي دولارا واحدا.. الطبيب المصري الذي يتعرض للضرب داخل المستشفيات بشكل يومي ولا أحد يحميه، هذا الطبيب الذي تفخر به كل الدول العربية والغربية التي يعمل بها لتفوقه ونبوغه؛ قررت الدولة المصرية الآن أن تحاربه وتشوه صورته وتحرض المواطنين ضده، ومن يعترض منهم فالسجن في انتظاره.

الأطباء ليسوا أعداء الوطن، وإنما هم أبناؤه وحراسه والقائمون على رعايته دون منّ أو أذى أو مسلسلات تحكي عن بطولاتهم.

 

Twitter.com/osgaweesh

التعليقات (0)