هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصدرت الغرفة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية، والتي تنظر في قضية الاختصاص الإقليمي، قراراً جديداً في 26 أيار (مايو) من العام الجاري، طلبت فيه من السلطة الفلسطينية تقديم إيضاحات حول إعلان الرئيس محمود عباس، تحلل منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين من كل الاتفاقيات والتفاهمات مع دولة (إسرائيل) والولايات المتحدة، وما يتبعها من الالتزامات المنبثقة عنها، إضافة إلى كل ما يتعلق باتفاق أوسلو بين منظمة التحرير و(إسرائيل)، على أن تقدم الإيضاحات المطلوبة في موعد أقصاه يوم 10 حزيران (يونيو) المقبل. كما منح القرار كلا من (إسرائيل) والمدعية العامة للمحكمة الجنائية مهلة للرد في موعد أقصاه يوم 24 من ذات الشهرن أي حزيران (يونيو) المقبل.
تطمينات فلسطينية مطلوبة
بدا من القرار المذكور، أن المحكمة تنتظر من رئاسة السلطة جواباً حول تصريحات الرئيس عباس في ما يتعلق بإلغاء الاتفاقيات والتفاهمات مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة، وما يترتب عنها، وبالتالي سيقع على رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، عبء الإجابة بنعم أو لا، لأن ذلك الإجراء ستترتب عنه بالضرورة آثاره القانونية.
يمكن الإشارة إلى أن الطلب المذكور في قرار الغرفة التمهيدية، لا يلزمها بالضرورة في قضية البت حول ما إذا كانت فلسطين دولة طرفا في نظام روما الأساسي أم لا، أو بشأن الاختصاص الإقليمي للمحكمة، ورغم ذلك، فإن الغرفة التمهيدية يبدو أنها حاسمة في طلبها، الذي قد يعتبر وسيلة تذكير لرئاسة السلطة من أن التعاون هو جزء من الوضوح مع المحكمة.
مع الاعتقاد بأن قرار الغرفة التمهيدية يهدف إلى دفع الرئيس محمود عباس لاتخاذ موقف واضح من مسألة إعلانه التحلل من كافة الاتفاقيات المبرمة مع (إسرائيل)، فإنه ومن ناحية أخرى قد يوقع دولة الاحتلال في معضلة قانونية، إذ دعا القرار (إسرائيل) للرد، ومن غير المتيقن أن تفعل ذلك
قرار الغرفة التمهيدية رجّح فيه البعض فرضية أن القضاة قد سئموا من العبارات المراوغة وغير المتسقة من قبل السلطة الفلسطينية، حيث إن هذا الفريق يرى أن السلطة أمضت وقتاً طويلاً، امتد من كانون ثاني (يناير) 2015 حتى آذار (مارس) 2018، في اتهام قضاة المحكمة الجنائية بعدم التحرك بشكل فعّال ضد (إسرائيل)، بينما لم تقم السلطة نفسها بتفعيل المادة (14) من نظام روما الأساسي الذي يتعلق بإحالة دولة طرف في النظام للمحكمة أي حالة تبدو فيها جريمة أو أكثر تدخل ضمن اختصاص المحكمة.
يبرز في قرار الغرفة التمهيدية للمحكمة، حاجتها لوجود تطمينات من الجانب الفلسطيني قبل الاستمرار في القضية، وهي التطمينات المرتبطة بمسألة التنسيق بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الاسرائيلي والذي سينتج عنه سؤال محوري في المرحلة المقبلة كمثال: كيف سيلتزم الفلسطينيون بالتعاون مع المحكمة وفي ذات الوقت يتعاونون فيه مع المعتدي؟ وكيف سيتم التعامل في حال حدوث بعض المستجدات مثل إمكانية فوز مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي (جو بايدن) بسباق الرئاسة الأمريكية، وتقديمه حزمة محفزات للجانب الفلسطيني مثل استئناف الدعم المالي وطرحه مقاربة جديدة للسلام. وهل سيدفع هذا الامر السلطة إلى سحب الإحالة، أو هكذا تتحسب المحكمة، لذلك فإنها ـ أي المحكمة ـ تبحث عن المزيد من التوضيحات، كون أن أي خطوة للوراء ستكون مكلفة بالنسبة لها.
في سياق آخر، فإن وكلاء الضحايا، يجب أن يكونوا على استعداد لإرسال الملاحظات إلى المحكمة حتى ولو كانت الإجراءات لا تنص على ذلك في هذه المرحلة، كون حقوق الضحايا لا يمكن أن تتعرض للخطر بسبب الغموض المفترض في موقف السلطة الفلسطينية، فشكاوى ضحايا مسيرات العودة وشكوى اللاجئين على وجه الخصوص لا تعتمد على اتفاقات التنسيق الأمني بين المؤسسة الرسمية الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
الاحتلال أمام معضلة قانونية
ومع الاعتقاد بأن قرار الغرفة التمهيدية يهدف إلى دفع الرئيس محمود عباس لاتخاذ موقف واضح من مسألة إعلانه التحلل من كافة الاتفاقيات المبرمة مع (إسرائيل)، فإنه ومن ناحية أخرى قد يوقع دولة الاحتلال في معضلة قانونية، إذ دعا القرار (إسرائيل) للرد، ومن غير المتيقن أن تفعل ذلك، كون أن الرد سيشكل خطوة أخرى في تعميق المداولات وإمكانية والتقدم في الاعتراف بارتكاب جرائم.
خلال الفترة الماضية، تقدم فقهاء في القانون الدولي بمذكرات قانونية لدى المحكمة الجنائية، تدعم رأي دولة الاحتلال الإسرائيلي في تأكيدها على أن الاختصاص القضائي على المناطق المحتلة عام 1967 هو قائم لـ (إسرائيل)، وبالتالي فإن أخذ المحكمة للآراء الداعمة لدولة الاحتلال، سيعني بالضرورة أن اهتمام الغرفة التمهيدية بوضع اتفاقيات أوسلو قد يوقع السلطة الفلسطينية في إشكالية قانونية، كونها في هذه الحالة إن تخلت عن الاتفاق الذي منحها الحكم الذاتي لأول مرة ومنها الولاية القضائيةعلى بعض المناطق التي تخضع لسيطرتها، وبالتالي فإن إعادة المفاتيح لـ (إسرائيل) من خلال التحلل من اتفاقية أوسلو، سيضع على المحك رأي المحكمة بشأن اعتبار فلسطين دولة ذات سيادة، ولها أن تنقل ولايتها القضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حرب.
يبقى أيضاً التخوف المشروع من سلوك بعض مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، التي تحث الضحايا على التوجه إلى القضاء الإسرائيلي، مما قد يعرقل مسألة نقل الولاية القضائية إلى المحكمة الجنائية، عدا عن أنه سيؤدي بصورة أو بأخرى إلى تأكيد مزاعم الجانب (الإسرائيلي) بأن ولايته القضائية قائمة على الأراضي المحتلة عام 1967.
أخيراً؛ يمكن القول إن الإجراءات في القضية التي نحن بصددها جديدة على المحكمة الجنائية الدولية، ولا سوابق مشابهة لها، الأمر الذي دفع الغرفة التمهيدية إلى فتح الباب أمام تقديم الآراء الفقهية لأجل الاستئناس في قضية البت في الاختصاص الإقليمي بموجب الطلب الذي تقدمت بها لمدعية العامة للمحكمة في 22 كانون ثاني (يناير) الماضي، ويبقى مع ذلك، الإشارة إلى أن الرد على الغرفة التمهيدية يشكل أحد واجبات الدولة العضو وليس من مصلحة الدعوى وفلسطين أن لا تقوم فلسطين بالرد على طلب القاضي، بما يتوقع معه رداً فلسطينياً على طلب المحكمة خلال المرحلة المقبلة.