هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعتبر إقدام الاحتلال الإسرائيلي على ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بمثابة إنهاء لـ"حل الدولتين"، ما أحيا الحديث عن الدولة الواحدة كحل بديل قد يلجأ لطرحه الفلسطينيون.
والتصور النهائي
للاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كان مفترضا به أن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية
إلى جانب إسرائيلية على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 (تشمل الضفة الغربية
وقطاع غزة وعاصمتها الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتلة)، وتمثل نحو 22 بالمئة من
فلسطين التاريخية.
وعلى خلفية مخطط الضم، شددت قيادة منظمة
التحرير والسلطة الفلسطينية على أنها في حل من الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق تقديرات فلسطينية فإن عملية الضم التي تعتزم دولة الاحتلال تطبيقها مطلع تموز/يوليو المقبل، تلتهم نحو 30 بالمئة من أراضي الضفة المحتلة، ما يعني تقويضا نهائيا لحل الدولتين.
اقرأ أيضا: رئيس سابق للشاباك يحذر من سيطرة حماس على الضفة
وتحظى عملية الضم بجدل واسع في الأوساط الإسرائيلية، ورصدت "عربي21" في تقارير متفرقة مخاوف إسرائيليين من أن يفضي الضم إلى "دولة واحدة"، ومنها ما كتبه: تسفي برئيل، ووثيقة مركز "هرتسليا"، وإيهود يعاري، وميخال ميليشتاين، وبني موريس، وآيال زيسر، إلى جانب تحذيرات أمريكية مشابهة.
مفاهيم
"الدولة الواحدة"
في المقابل، ومع أن
الحديث عن بدائل حل الدولتين كثر مؤخرا في الأوساط الفلسطينية، إلا أن حل الدولة الواحدة
كأحد البدائل المتداولة لا يحظى بمفهوم واحد يجمع عليه الفلسطينيون، وفق ما رصدته
"عربي21"، كما لا يتبنى طرحه الفاعلون السياسيون بالساحة الفلسطينية،
وأبرزهم حركتا "فتح" و"حماس".
ووفقا لمدير مركز
رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة فإن المطلوب فلسطينيا هو "تعريف المقصود
بحل الدولة الواحدة"، كي يتم بلورة الموقف الفلسطيني بناء عليه.
وهناك جملة من
التعريفات يتم تداولها لحل الدولة الواحدة يشير إليها عطاونة في حديثه
لـ"عربي21"، منها دولة واحدة يخضع فيها الفلسطينيون لدولة الاحتلال
الإسرائيلي.
ويتحدث آخرون، وفقا
لعطاونة، عن الدولة الواحدة في إطار دولة ثنائية القومية (تحقق المساواة بين
جماعتين قوميتين).
وهناك فكرة الدولة
الواحدة التي تكون على كامل التراب الفلسطيني، وفي إطار تفكيك المشروع الصهيوني كمشروع
عنصري إحلالي توسعي، وتستند إلى تحقيق كامل حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي سياق "المقارنة
بين التعريفات" ينوه عطاونة إلى أن التعريف الأخير يلبي طموح كافة شرائح
الشعب الفلسطيني، لأنه يعطيه حقه في العودة وتقرير المصير.
ويتابع: "أما غير
ذلك فهو محل إشكال خاصة مفهوم الدولة الواحدة تحت الاحتلال، إذ يعتبر انتكاسة
وهزيمة للمشروع الوطني الفلسطيني، ولا يمكن للفلسطينيين قبوله".
حل يهدد "الصهيونية"
ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية علاء أبو عامر أن خيار "دولة واحدة ديمقراطية علمانية" (بها مساواة في المواطنة بين أفرادها) يشكل "خطرا وجوديا على الصهيونية كحركة عنصرية استعمارية".
ومشيرا إلى وجود 7 ملايين فلسطيني حاليا يقطنون فلسطين
التاريخية، فإن أبو عامر يؤكد أنه "لا حل يمكن أن يؤدي للسلام وحل قضايا الوضع
النهائي إلا تطبيق حل الدولة
الواحدة".
ويطالب
أبو عامر منظمة التحرير بتبني هذا الحل فلسطينيا حتى "يصبح هدفا نضاليا معلنا
عالميا".
اقرأ أيضا: مستشرق إسرائيلي يرصد أخطاء ومخاطر عملية الضم
ويترتب على ذلك، وفقا للأكاديمي الفلسطيني، توجه حركة المقاطعة العالمية لحشد دعم عالمي من الشعوب والحكومات لهذا الحل.
ويلفت إلى ضرورة العمل داخل المجتمع الصهيوني لاستقطاب القوى التي ترغب في السلام
لتأييد هذا الحل.
ويقول
لـ"عربي21": "هذا طريق نضالي شاق وطويل، لكنه أقل تكلفة من العيش في
أوهام التحرير الشامل والتسوية السياسية على حدود عام 1967، والتي أثبتت أنها مضيعة
للوقت".
ومستبعدا تحقيق
"التحرير الشامل الذي يعني القضاء على التجمع الصهيوني"، يؤكد أبو عامر على
أن "حل الدولة الواحدة يلتقي مع هدف التحرير المطلق"، مشيرا إلى "نموذج بقايا الصليبيين
الذين ذابوا في شعوب المنطقة، ونموذج جنوب أفريقيا الذي انتصر على العنصرية".
وتابع:
"في حال انتصرت فكرة الدولة الواحدة سيرحل أغلب التجمع الصهيوني العنصري، ويعودون
الى بلدانهم".
حقوق لا حلول
من جهة مغايرة، يرى
الكاتب والباحث معين الطاهر أن على الشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة "عدم البحث
عن الحلول، بل عن الحقوق"، لأن الحلول "ستدخلنا في مجموعة من المتاهات
المختلفة".
وفي حديثه
لـ"عربي21" قال الطاهر، العضو السابق بالمجلس الثوري لحركة فتح والمجلس
العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، "في مواجهة الرواية التاريخية
التوراتية الصهيونية يجب أن نتمسك بحقوقنا وبروايتنا التاريخية".
ويُعوّل الطاهر على
أن "المسار النهائي للحل تحدده وتفرضه مسيرة النضال الفلسطيني نفسها، وتَغيُر
موازين القوى"، وأن المسألة ليست في المفاضلة بين "حل دولة أو
دولتين".
ويؤكد "ليس على
الضحية تقديم حل للجلاد. لا بد أن نتمسك بحقوقنا وبمفهوم العدالة بالنسبة لنا".
ويميز الطاهر بين "اتجاهات
مختلفة" لمن يطرحون حل الدولة الواحدة كبديل لحل الدولتين، منوها أن
"هذا المسار هو مسار تمويه، يجعل المشكلة في ماذا سيكون الحل، لا في كيفية عودة
الحقوق الفلسطينية".
والاتجاه الأول:
يمثله مجموعة كانوا يتبنون حل الدولتين (أطراف من السلطة) وبعد فشله يحاولون طرح
شعار حل الدولة الواحدة، لاعتقادهم أنه فزاعة يخيفون به العدو الصهيوني، وكأنهم
يخاطبون الاحتلال "إذا لم تقبل بإعطائنا دولتين سنصبح دولة واحدة بأكثرية
فلسطينية، فالأفضل أن تعطينا دولتين".
والاتجاه الثاني: وصفهم
الطاهر بـ"الأسوأ" وهم يتبنون حل الدولة الواحدة وهم من الفريق الداعم لمسار
المفاوضات وحل الدولتين، لكنهم يأخذون جوانب تريحهم من مواجهة استحقاقات نضالية
محددة، فلا يعيرون اهتماما لقضية الاستيطان أو الاحتلال، باعتبار أننا متجهون لحل
دولة واحدة، وينسون أن الاحتلال يرفض فكرة دولة واحدة ديمقراطية توفر المساواة.
والاتجاهات الأخرى تقول إننا يجب أن نقدم حلا عادلا للمسألة اليهودية ووجودهم بفلسطين، من باب تفتيت جبهة الخصم.
اقرأ أيضا: الأردن محذرا من "عواقب وخيمة" للضم: لن يمر دون رد
وعن المسار النضالي
الذي يجب على الشعب الفلسطيني اتخاذه لنيل كافة حقوقه، يشير الطاهر إلى أن "جميع
المسارات النضالية مشروعة أمامه، وكل مرحلة تحدد المسار الأنسب لها، والتي تتباين وفقا
لاختلاف مكونات الشعب الفلسطيني وأماكن تواجده".
فعلى سبيل المثال، الفلسطينيون
بقطاع غزة نضالهم يكون "التمسك بالمقاومة، وصد العدوان، وفك الحصار"، وفي
الضفة الغربية "دحر الاحتلال، والمقاطعة، والهبات الشعبية"، وفي الـ48 "ضد
قانون القومية اليهودي، وضد التهجير، والعمل على المساواة"، وفي الشتات "حق
العودة".
ويقول: "كل
هؤلاء يجب أن ينظمهم إطار أساسي هو النضال ضد نظام الأبارتايد والتمييز العنصري
الصهيوني، ليس باعتباره قانونا يمكن تعديله بقانون، بل باعتباره نظاما لا يتغير
إلا إذا تغيرت الطبيعة الصهيونية نفسها، وتفكك الكيان الصهيوني".
فقدان الرؤية
الفلسطينية
بدوره، يشير الكاتب
والمحلل السياسي ساري عرابي إلى أن الفلسطينيين "لا يملكون استراتيجيات واضحة
للتعامل مع الظرف الراهن سواء خطة الضم أو صفقة ترامب أو فشل المشروع السياسي للسلطة
أو الظروف القاسية التي يكابدها خيار المقاومة وحركة حماس بقطاع غزة".
وفي ظل "العجز
الفلسطيني والعربي واختلال موازين القوى لصالح الاحتلال"، يرى عرابي أنه
سيترتب على رؤية اليمين الإسرائيلي الذي يؤمن بدولة واحدة يهودية إسرائيلية "فصلا
عنصريا بين اليهود الذين يمتلكون ويتحكمون بكل شيء، وبين الشعب الفلسطيني المضطهد
والمظلوم".
ويؤكد لـ"عربي21" أن السياسة
اليمينية الإسرائيلية تدفع الفلسطينيين "للتفكير بخيارات جديدة كالنضال ضد
الفصل العنصري، بصرف النظر عن ماهية الرؤية النهائية له، سواء قاد لدولة واحدة أو
دولة ثنائية القومية".
ولا يبدو خيار تحول
الكفاح الفلسطيني من كفاح لتحرير فلسطين إلى كفاح ضد الفصل العنصري "حاضرا على
أجندة حركة فتح وما يتصل بها من سلطة ومنظمة تحرير أو حركة "حماس" أو
مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية" وفق ما قاله عرابي، في حين أن هذا النضال ضد
العنصرية أو من أجل خيار الدولة الواحدة بات "يطرح بإلحاح بين المثقفين الفلسطينيين".
ويشير إلى أن "فكرة
الدولة الواحدة هي فكرة الحركة الوطنية الفلسطينية في بدايات تأسيسها قبل أن تتجه
لاحقا لتبني حل الدولتين".
اقرأ أيضا: كاتب إسرائيلي يحذر من "كارثة" بحال تنفيذ خطة الضم بالضفة
ومن الإشكاليات التي
تواجه خيار الدولة الواحدة، وفق عرابي أن من يطرحونه "لا يملكون برنامجا
نضاليا، ولا يجيبون على سؤال كيف نقنع الفلسطينيين أو نقنع شرائح إسرائيلية به".
وإشكالية أخرى يشير
إليها عرابي أن "حل الدولة الواحدة ليس عادلا بالمعنى الكامل، وهو يناقش حل
المسألة اليهودية أكثر من أن يكون حلا للقضية الفلسطينية، والذي يعني إبقاء اليهود
في هذه الأرض مع النضال من أجل حقوق متساوية معهم".
ويقول: "الفكرة
لا تبدو عادلة وغير واضحة للكثير من الفلسطينيين، لكن طرحها ليس أمرا سيئا، وبالنظر
إلى حالة الاستعصاء التي نعيشها نحن بحاجة إلى مناقشة جميع الأفكار".
ومع أن عرابي يرى أن "حل
الدولة الواحدة أكثر إنصافا وعدلا من حل الدولتين"، إلا أنه يشدد على أن
"النضال الفلسطيني يجب أن يكون نضالا من أجل تحرير كل فلسطين، ومن أجل إرجاع
المسألة اليهودية إلى أوروبا".
ويختم بالقول: "في
أثناء النضال ضد الاحتلال قد تتبلور بعض الأفكار التي يمكن أن تناقش، لكن وضع هذه الأفكار
سلفا يعتبر مشكلة".