قضايا وآراء

جورج فلويد وأولمبياد الظلم

عدنان حميدان
1300x600
1300x600

تخيّل عند فقدان صديق لك لابنه بجريمة قتل مروعة (لا قدر الله)، وقد ظلم ولم يأخذ حقه بالقصاص من الجاني، وأنت أتيت إليه زائرا وهو في قمة الحزن، وبدلا من تعزيته ومواساته أخذت تقول له: أنا أصلا أفقد عزيزا عليّ بنفس الطريقة كل يوم ولم أقتص من الجناة ولم يكترث أحد لأجلي!

كيف ستكون ردة فعله؟ وما عساه أن يصنع لك في حينها؟

أليس الأولى أخلاقيا ودينيا وإنسانيا أن تواسيه وتتضامن معه وتدافع عن حقه..

هذا الذي حدث في قضية جورج فلويد، الشاب الأمريكي من أصل أفريقي والذي قتلته الشرطة الأمريكية بشكل بشع أثناء القبض عليه، حين ضغط الشرطي بركبته على رقبة جورج لثماني دقائق وخمس وأربعين ثانية، وهو يصرخ بأنه لا يستطيع التنفس، والشرطي لا يأبه له حتى مات اختناقا. فكانت هذه القصة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد تراكم القصص المشابهة.

ولكن بعض النشطاء الفلسطينيين والمتضامنين مع فلسطين أخذتهم الحماسة والعاطفة، فسارعوا لنشر صور مماثلة تظهر وحشية جنود الاحتلال الغاصب، وكيف هم يرتكبون مثل هذه الفظاعات منذ عشرات السنين، سواء بحق الفلسطينيين أو حتى بحق السود في مجتمعاتهم، وكذلك الحال بحق اليمن والإيغور وسوريا، وغيرها من قضايانا.

 



هذا الفعل رغم النوايا البريئة ولكنه يفقدنا فئة عريضة متضامنة معنا في قضايانا العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين، لأن هذه الفئة ببساطة ترانا انتهازيين نستثمر القصص لصالحنا ولا نكلف أنفسنا عناء التفاعل معها.

ومن هنا جاء مصطلح أولمبياد الظلم "Oppression Olympics" الذي تجدد الحديث عنه غربيا هذه الأيام، وكأن المظلومين في سباق؛ كلا يريد إثبات أنه الأكثر شقاء أو الأكثر تعرضا للظلم، وهذا غير لائق أخلاقيا ودينيا.

لماذا مثلا المقيمون في الغرب منا (وأنا منهم) لا نخرج في مظاهرات الدفاع عن حقوق السود ورفض العنصرية؟

بل لماذا لا زالت العنصرية متجذرة في ثقافتنا وموروثنا؟

لاحظوا هذه حلوى الكراميل المغلقة بالشوكولاتة تسميها كثير من دولنا العربية تسمية عنصرية باسم "رأس العبد"! والسؤال هنا: لماذا نصر على استدعاء عصور بائدة من استعباد ذوي البشرة السوداء حتى في مجتمعاتنا؟

ماذا لو جاء شاب في كثير من دولنا عارضا على أهله فكرة الزواج من فتاة بلون بشرة مختلف، كيف سيكون موقف عائلته منه؟

لماذا تصر كثير من فتياتنا ذوات الدرجات المختلفة من لون البشرة الحنطي أو المائل للسمرة لتلطيخ وجوههن بالكثير من مستحضرات تبييض البشرة؟

هل يفهم الإسلامَ حقا من يميز بين الناس على أشكالهم وألوانهم؟

ماذا عن الهدي النبوي "الناس سواسية كأسنان المشط".. "كلكم لآدم وآدم من تراب".. "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"؟

ومع ذلك يخرج أحدنا ليقول لنا في تويتر: الزنوج يحرقون مدينة كذا! وصاحب مثل هذه التغريدة إما أنه لا يدري كم هذه الكلمة عنصرية وقميئة، وتلك مصيبة، وإما يدري وحينها تكون المصيبة أعظم..

 


 

نحتاج لمراجعة موروثنا الاجتماعي في هذه القضايا وتنقيته، ونحتاج لمراجعة مناهجنا التربوية التي تركز على حياة المسؤولين وتترك القضايا الهامة، مثل هذه القضية، دون توعية أو توجيه.

لن نصبح مجتمعات قادرة على تغيير الواقع الخاطئ في بلادنا بإظهارنا التعاطف مع المظلومين فحسب، وإنما يكون ذلك بتبني قضايا المظلومين في كل مكان والدفاع عنها، حتى تبدو وكأنها قضايانا. فنحن من تعلمنا أن ندور مع الحق حيثما دار وأن ننصر المظلوم حيثما وجد.

التعليقات (1)
نهى قاسم
الجمعة، 05-06-2020 03:03 ص
كلمات في مكانها صدقت