فتح السلطان العثماني محمد الثاني الملقب بــ"الفاتح" عام 1453 مدينة القسطنطينية، وحوَّل كنيسة
آيا صوفيا التي بنيت عام 537 إلى مسجد، ليكون
رمزا للفتح الإسلامي العظيم الذي قضى على ما تبقى من الإمبراطورية البيزنطية وغيّر مجرى التاريخ. وأمر السلطان الفاتح برفع الأذان في المبنى التاريخي، كما أدَّى فيه صلاة الشكر، وجعل مسجد آيا صوفيا "وقفا إسلاميا" كي تقام فيه الصلوات الخمس إلى قيام الساعة.
السلطان محمد الفاتح في الوثيقة التي طلب فيها الحفاظ على مسجد آيا صوفيا وهويته كوقف إسلامي، دعا على كل من يسقط هذه الصفة منه، أو يغيِّر هويته، أو يساعد من يقوم بذلك، أو يحوِّله إلى غير مسجد، وقال: "عليهم لعنة الله ورسوله وملائكته، وجميع المسلمين إلى يوم القيامة، ولا يخفف عنهم العذاب ولا ينظر إليهم أبدا".
وما زال صك ملكية آيا صوفيا الذي يملكه "وقف أبو الفتح للسلطان محمد" والمسجل لدى دائرة الطابو التركية، يصفه بـ"جامع آيا صوفيا الكبير". ويخاف كثير من الأتراك أن تصيبهم اللعنة التي وردت في دعاء السلطان محمد الفاتح إن لم يطالبوا بإعادة فتح مسجد آيا صوفيا.
آيا صوفيا بقي مغلقا ما بين عامي 1930 و1935، بسبب أعمال الترميم والصيانة، ثم تم تحويله إلى متحف بقرار مجلس الوزراء التركي في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 1934، على الرغم من وصية السلطان محمد الفاتح ودعائه. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح تحويل آيا صوفيا مرة أخرى إلى مسجد، والحفاظ على ميراث السلطان محمد الفاتح ووصيته، حلما لا يفارق عقول الإسلاميين والقوميين الأتراك.
جمعية الخدمة للأوقاف والآثار التاريخية والبيئة رفعت عام 2016 دعوة قضائية إلى المحكمة الإدارية العليا بطلب إلغاء قرار مجلس الوزراء القاضي بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف. ومن المقرر أن تعلن المحكمة حكمها في الثاني من تموز/ يوليو القادم.
وكانت ذات الجمعية قد تقدمت إلى المحكمة بطلب إلغاء القرار عام 2005، إلا أن المحكمة رفضت الطلب آنذاك، وقالت إن تحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف لا يتعارض مع القوانين. ومع ذلك، قد تغير المحكمة رأيها هذه المرة، لتحكم بإلغاء القرار، وتمهد الطريق أمام إعادة فتح آيا صوفيا كمسجد لتقام فيه الصلوات الخمس بعد عقود.
وكانت ذات المحكمة قد قضت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بإلغاء قرار مجلس الوزراء الذي حوَّل مسجد "قرية" التاريخي في إسطنبول إلى متحف.
الرأي العام التركي ينتظر الآن قرار المحكمة الإدارية العليا، وسط تفاؤل بصدور حكم يقضي بإلغاء قرار تحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف. ومن المؤكد أن أي قرار يصدر من المحكمة بهذا الاتجاه سيحظى بدعم شعبي كبير. ويدور الحديث حول تأييد حوالي 89.5 في المئة من الشعب التركي لفكرة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وفقا لنتائج استطلاع للرأي أجري خلال الأيام الأخيرة. وهذا يعني أن هناك شبه إجماع بين الأتراك في هذا الموضوع.
حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية يدعمان
تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. كما أن بعض الأحزاب المؤيدة للحكومة وحتى المعارضة لها، مثل حزب الاتحاد الكبير، وحزب الرفاه الجديد، وحزب السعادة، تدعو إلى الإقدام على هذه الخطوة. وأعلن رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، دعمه للجهود المبذولة من أجل تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، قائلا إنه "سيرتفع فيه بإذن الله صوت الأذان وليس صوت الناقوس".
اليونان تبدي انزعاجها من تلاوة القرآن الكريم في آيا صوفيا، وتعارض تحويله إلى مسجد، إلا أن هذا الأمر شأن تركي داخلي، كما أن القانون الدولي لا دخل فيه. وتعتبر التصريحات المعترضة على تلاوة القرآن الكريم في آيا صوفيا وإعادة فتحه كمسجد، تدخلا في شؤون
تركيا الداخلية. ولذلك، استنكر رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان تصريحات المسؤولين اليونانيين، قائلا: "هل أنتم من يحكم تركيا أم نحن؟".
تحويل آيا صوفيا من كنيسة إلى مسجد من قبل السلطان محمد الفاتح قبل 565 عاما كان رمزا للفتح الإسلامي العظيم الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، ومثَّل الروح التي حققت تلك البشارة النبوية.
ومن المؤكد أن إعادة فتح مسجد آيا صوفيا مرة أخرى بعد أن ظل لعقود كمتحف، سواء تم ذلك اليوم أو غدا، سيعزز بالتأكيد سيادة تركيا الوطنية واستقلاليتها، كما سيكون رمزا لانبعاث تلك الروح بحلة جديدة.
twitter.com/ismail_yasa