مقابلات

"عربي21" تجري حوارا شاملا مع وزير حقوق الإنسان المغربي

وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان في حوار شامل مع "عربي21" ـ أنترنت
وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان في حوار شامل مع "عربي21" ـ أنترنت

شق المغرب الأقصى طريقا سياسية مختلفة في التعاطي مع مطالب الربيع العربي، فقد بادر العاهل المغربي الملك محمد السادس بتعديلات دستورية مطلع العام 2011، وإجراء انتخابات برلمانية على أساسه، تمكنت من استيعاب مطالب حركة 20 فبراير، النسخة المغربية للربيع العربي.

وعلى خلاف دول عربية أخرى، فقد قدم المغرب نموذجا مختلفا في التعاطي مع نتائج الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون، الذين يقودون العمل الحكومي منذ انتخابات العام 2011، بعد أن فازوا أيضا في انتخابات العام 2016.

وعلى الرغم من حداثة الإسلاميين المغاربة مع العمل السياسي والحكومي، فقد تمكن حزب العدالة والتنمية المغربي من التوصل إلى توافق سياسي مع عدد من أهم القوى السياسية الفاعلة في البلاد، لتشكيل تحالفات حكومية، حافظت على استقرار البلاد، وأسهمت في مواجهة تحولات اقتصادية وأمنية عصفت بالعديد من دول المنطقة.

كيف يقيم قادة العدالة والتنمية عملهم الحكومي؟ وما هي ردودهم على الانتقادات الموجهة لبلادهم لجهة التضييق على حرية الرأي والتعبير؟ وكيف تفاعلوا مع الدعوات المتكررة لتشكيل حكومة وحدة وطنية للتعاطي مع مخلفات كورونا؟ 

هذه بعض من أسئلة طرحتها "عربي21" على وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، فكانت هذه إجاباته:

س ـ أثير نقاش كبير حول دوافع اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، ولاحظ البعض أنه تقريبا اعتقال بنفس الطريقة التي اعتقل بها توفيق بوعشرين زمانا وعدد أفراد الأمن، كما تم توجيه تهمة تتعلق بالاعتداء على العرض، أي إنها في المحصلة تهم جنسية لاحظ بعض مناضلي اليسار أنها تهم جنسية على نسق واحد يتهم بها صحفيون بنفس الجريدة، وأن وراء ذلك من دون شك دوافع سياسية.. أولا ما تقييمك لهذه الآراء؟ ثم ألا يمس ذلك بالصورة الحقوقية في المغرب كونه صار يضيق بالأصوات الصحفية الحرة؟ 


 ـ إن التعاطي مع القضايا المعروضة على القضاء، من قبيل قضية الصحفي سليمان الريسوني، تفرض على وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، أن لا يتعامل معها بمنطق النيابة العامة التي مهمتها أن تدافع عن التهم، كما لا يمكن أن يتعامل معها كجمعية حقوقية منحازة انحيازا طبيعيا إلى الأشخاص.

إن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان ومن منطلق المرجعيات الحقوقية الوطنية والدولية، يؤكد على حق الصحفي سليمان الريسوني في محاكمة عادلة، وإلى ذلك الحين فهو بريء حتى تثبت إدانته ثبوتا قطعيا.

وجدير بالذكر أن المملكة المغربية وضعت الإطار المؤسساتي لاستقلال السلطة القضائية، غير أن ممارسة القضاة لاستقلالهم تتفاوت من قاض لآخر، ما يتطلب كثيرا من الجهد والوقت لمزيد من التأهيل والارتقاء.

س ـ أثير في أحد المجالس الحكومية الخلاف حول قانون شبكات التواصل الاجتماعي، وكان لكم رأي قوي قدمتم بصدده مرافعة داخل المجلس الحكومي، ولاحظ الجميع كيف وقع ارتباك حكومي كبير سواء على مستوى برمجة مشروع القانون زمنيا أو على مستوى التعامل معه حكوميا، أو على مستوى الدفاع عنه أو الطريقة التي تم بها سحبه، ما سر هذا الارتباك؟ وهل ثمة إرادات لا تريد للصورة الحقوقية في المغرب أن تتحسن فضلا عن أن تتقدم؟


ـ لا بد أن نسجل بإيجابية النقاش الصحي والحيوي الذي دار حول الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي، التي نقلت سلطة التواصل من الصالونات المغلقة ومن استحواذ أصحاب الأموال، إلى فضاءات تتمتع بحرية التعبير بشكل أوسع. ولكن هذه الصورة الإيجابية تخترقها بعض السلبيات التي تؤدي إلى الإضرار بالأشخاص والمؤسسات، وهو ما يطرح سؤال المسؤولية.

إن طرح سؤال المسؤولية هو حماية للحرية التي تمنحها هذه المنصات للمواطنين، وهناك دول عديدة قامت بالتقنين من أجل إقران الحرية بالمسؤولية، إلا أن المشروع الذي قدم أخيرا لا يستجيب لهذا التوجه، ولا يضع في الاعتبار ضرورة حماية الحرية وترصيد الإيجابيات التي تزخر بها هذه الفضاءات، وتحديد السلبيات التي تخترقه واستهدافها بالعقاب، وهي سلبيات يرفضها جميع رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنفسهم، وتمسهم في حياتهم الخاصة كما تمس المؤسسات والشخصيات العمومية.

وهذا يثبت أن الحكومة كانت تعرف ما تريد، ولم يكن هناك أي ارتباك، وتم التعامل مع المشروع من داخل الحكومة بكل مسؤولية وبشكل جماعي، وهو ما جعلها تقرر عدم نشره وإحالته إلى لجنة تقنية تشرف عليها لجنة وزارية للنظر في الموضوع والاعتراضات التي تقدم بها الوزراء، إلى أن وصلت بعض المواد إلى الرأي العام، وقد تعاملت الحكومة مع ردود الفعل بإيجابية وقررت تأجيل البث النهائي في المشروع.

لذلك يمكن القول إن تجاوب الحكومة مع الرأي العام وتأجيل المشروع إلى حين إخضاعه للحوارات المطلوبة مع كافة الفاعلين، لا يمكن إلا أن يسجل في الخانة الإيجابية للأداء الحكومي وليس العكس.

س ـ قدمتم مرافعة شرسة ولا تزالون على مستوى ما يسمى بتجريم الإثراء غير المشروع، هل لأجل مواجهة هذا التجريم يتعطل قانون بأكمله يخص القانون الجنائي، مع أن التعديلات التي تضمنها في بعض القضايا مثل الإجهاض جاءت بأمر من الملك، وبعد حصول توافق علمي وشرعي وقانوني حولها؟


 ـ صحيح، أن مشروع القانون الجنائي يعالج قضايا مهمة وحساسة، بالإضافة إلى الفصل المتعلق بالإثراء غير المشروع، الذي أثار نقاشا حادا وساخنا، والذي نعتبره أداة ضرورية لمحاربة الفساد، لكونه يعاقب بغرامة من 100,000 إلى 1,000,000 درهم، وبمصادرة الأموال غير المبررة، وبعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام، لكل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر، بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة.

وإضافة إلى اعتبار إخراج هذا النص إلى حيز الوجود وفاء بالتزامات المغرب الدولية في محاربة الفساد وخاصة اتفاقية مكافحة الفساد لسنة 2003، المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والتي صادق عليها المغرب في أيار (مايو) 2007، وإنفاذا لمضامين الدستور الذي ينص في الفصل الأول منه على ربط المسؤولية بالمحاسبة، والفصل 36 أيضا الذي ينص على الوقاية من كافة أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، واستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، والزجر عند هذه الانجرافات، إضافة إلى ذلك سيعطي قيمة لنصوص قانونية، تعاقب على عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات، لكنها لا تعاقب من تبين أن ثروته زادت خلال ممارسته مهنته زيادة لا يستطيع تعليلها، وهو ما يجعلها نصوصا غير ذات جدوى.

ومن الضروري التأكيد على أن مشروع القانون الجنائي المعروض على البرلمان منذ أزيد من أربع سنوات يتضمن مقتضيات كثيرة وجد هامة تتعلق بتنزيل الدستور وتجسيد الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واتفاقية مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر أو البر واتفاقية مكافحة الفساد، إضافة إلى تجسيد فصول الدستور الذي جرم الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان دون أن تجد سبيلها إلى القانون إلى حد الآن.

وهناك فصول أخرى عالجت قضايا حساسة تهم المجتمع كقضية الإعدام، حيث ذهب المشروع في اتجاه ما أوصت به هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث تم حذف عقوبة الإعدام في جرائم المحاولة والمشاركة.

ويتميز هذا المشروع بمعالجته لقضية الإجهاض التي أشرف فيها جلالة الملك محمد السادس على تعيين لجنة مكونة من وزير العدل والحريات آنذاك ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقق الإنسان، وقادت مشاورات أفضت إلى اقتراح حل وسط لمعالجة الموضوع. كما جاء المشروع بمجموعة من العقوبات البديلة، التي كانت موضع اجتهادات وتنظيمات أكثر حداثة وسوف تمثل إضافة نوعية للتشريع الجنائي الوطني.

إنني أترافع على المشروع برمته، لأنه جاء في سياق عام يرتبط بإصلاح منظومة العدالة ببلادنا، والذي تمخض عن حوار وطني كبير، يجسد مقتضيات الدستور والاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب، كما أنه يستجيب لمتطلبات إصلاح المنظومة الجنائية الوطنية وتحديثها.

س ـ عقب ظهور بوادر الخروج من الحجر الصحي، وبعد أن ظهرت ثمرات المقاربة المغربية في مواجهة جائحة كورونا، بدأت مكافأة العدالة والتنمية على مساهمته القوية في هذه المقاربة تظهر في صورة الرغبة في إزاحته عبر طرح مقولة حكومة كفاءات وطنية، ما اضطر سعد الدين العثماني، أن يخرج عن قاعدة تحفظه المعهود ويرد بكل قوة على هذه المقولات. هل تم الضيق بالإسلاميين في المغرب إلى هذا الحد؟ أم ثمة جهات تخشى أن ينتج واقع ما بعد كورونا وضعا سياسيا يخدم أكثر الديمقراطية في المغرب وبالتالي يخدم مواقع الأحزاب الإصلاحية فيه؟


ـ بقدر ما لا يمكن مصادرة حق المدونين في التعبير، بقدر وجوب بيان تهافت دعوة بعضهم إلى اعتماد حكومة بدون أحزاب سياسية، لأن هذه الدعوة تضرب في العمق الرصيد الديمقراطي الوطني، خصوصا أن الاختيار الديمقراطي صار من الثوابت الوطنية الجامعة، وخلاصة القول أنها مقاربة تدعو إلى تجميد الدستور، الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يحصل على المرتبة الأولى في الانتخابات، وفي جميع الأحوال يؤهل الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة، وإن كان ذلك لا يمنع وجود غير منتمين بها، إلا أن البعض أراد أن يعكس القاعدة، بإقصاء الأحزاب السياسية في تشكيل الحكومة مع أن ذلك ليس له إلا معنى واحد وهو الاستبداد والسلطوية.

إن الحكومات المتعاقبة عرفت دائما حضورا للتكنوقراط، كما هو الحال في الحكومة الحالية، ولهم مكانتهم المحمودة، مع العلم أن ما طرحه البعض ليس موقفا رسميا، وليست له أي قيمة تدفعنا إلى الخوف على المسار الديمقراطي الذي يترسخ في المغرب يوما بعد يوم.

س ـ هل هناك أية مخاوف من تأجيل الانتخابات التشريعية المقبلة بسبب تداعيات كورونا؟


ليس هناك أي خوف، بعد أن استطاع المغرب أن يجعل وباء "كورونا" تحت السيطرة، ورقم الوفيات يوميا يتراوح بين الصفر والواحد أو الاثنين، ونأمل أن يعم الشفاء للجميع ونهاية هذا الوباء، ولذلك لا مجال للحديث عن تأجيل الانتخابات التشريعية المقبلة بسبب تداعيات أزمة هذه الجائحة.

 

حزب العدالة والتنمية استعاد وحدته

س ـ لنعد إلى حزب العدالة والتنمية، هل انتهت تداعيات الخلاف التقليدي الذي نشأ عقب إعفاء الأستاذ عبد الإله بنكيران؟ وهل ما زال الحزب يشكل القوة السياسية الرئيسية في البلاد؟


  ـ بالفعل شكل إعفاء الأستاذ عبد الإله بن كيران صدمة لدى عدد كبير من أبناء حزب العدالة والتنمية ومتعاطفيه وكذا محبيه، وأحدث ارتباكا في أدائه السياسي وأداء عدد من مناضليه، لكنه حزب يحتكم دائما إلى مؤسساته وهيئاته، وقد ساعد الأخ بن كيران بمواقفه الحاسمة الداعمة للأخ الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، وكذا تفعيل دور مؤسسات الحزب في تجاوز تلك الصعوبات المترتبة عما سمي آنذاك ب"البلوكاج"، وهو ما يجعل منه مدرسة في العمل المؤسساتي، وقاطرة في الارتقاء بالعمل الحزبي.

وقد تجسد ذلك في مخرجات عدد من المحطات الحاسمة في مؤسسات الحزب حيث عبر المجلس الوطني في البلاغ الصادر عقب انعقاد دورته الاستثنائية في 18 آذار (مارس) 2017، عن اعتزازه بالتعيين الملكي للدكتور سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة، مؤكدا دعمه له وحرصه على الاستمرار في مواصلة الاصلاحات التي بدأتها الحكومة السابقة بقيادة الأستاذ عبد الإله ابن كيران، كما عبر المجلس الوطني عن اعتزازه بما قدمه هذا الأخير طيلة الفترة التي تولى فيها رئاسة الحكومة من مبادرات اصلاحية شجاعة، وتقديم المصلحة العليا للوطن بكل كفاءة واقتدار ونكران الذات.

كما عبر الحزب في البيان الختامي للمؤتمر الوطني الثامن الذي انعقد في كانون أول (ديسمبر) 2017، وتميزت أشغاله بقدر كبير من المسؤولية وتدبير الاختلاف في وجهات النظر بطريقة ديمقراطية، "عن الاعتزاز بالطريقة الراقية التي أدار بها الحزب تلك المرحلة، والاختلافات التي نتجت عن تداعيات إعفاء الأخ عبد الإله ابن كيران ،كما نوه بالدور المتميز الذي اضطلع به شخصيا، وباقي الإخوة والأخوات وبالحكمة التي دبروا بها تلك التداعيات، بما يجعل الحزب يجتاز بنجاح صعوبتها".

كما شكل الحوار الداخلي للحزب محطة لتقوية تلاحمه وتعزيز فاعليته النضالية وأفرز، خلاصات وتوصيات مهمة، على رأسها التأكيد على المنطلقات المرجعية والمبادئ المنهجية والقواعد التنظيمية، مع تجديد في الفهم وقوة في الخطاب وتماسك في الذات الحزبية، لمواصلة النضال، ودعم المسار الديمقراطي والحقوقي لبلادنا.

حزب العدالة والتنمية كثلة بشرية يسري عليها ما يسري على جميع التجمعات والمؤسسات، فهو ليس تجمع ملائكة أطهار، لكنه مع ذلك تجمع مناضلات ومناضلين لهم مستوى محترما من النضج والإحساس بالمسؤولية، يجعلهم قادرين على تجاوز المراحل الصعبة بسلام وإدارة الأزمات باقتدار، كما له من المبادئ والقيم والقواعد التي تؤطر أداءه السياسي، والتي ترتكز على الحرية والمسؤولية، واستيعاب التنوع ورفض الاستبداد بالمسؤولية والتطاوع، وهو ما يمكنه من صيانة وحدتة الداخلية.

وقد استعاد الحزب، بحمد الله، لحمته وتماسكه وحيويته، وعادت مؤسساته تشتغل بشكل طبيعي، وهي اليوم تضاعف الجهود لمواصلة الإصلاحات وتكثيف التواصل مع المواطنين والمواطنات، ومواصلة النضال من أجل تثبيت المسار الديمقراطي وصيانة مكتسباته.

س ـ مع اقتراب لحظة الخروج من الحجر الصحي، بدأت تتعالى أصوات في وجه الحكومة للكشف عن حقيقة الصفقات التي أبرمت زمن كورونا، وإعطاء معطيات شفافة بشأنها، لاسيما وقد بدأت تتدفق معطيات عن صفقات يقال بأنها غير شفافة تخص مستلزمات صحية وأدوية طبية، هل ستتجهون إلى الكشف الشفاف عن هذه المعطيات أمام الرأي العام أم إن وضع الطوارئ الصحية يحرر الحكومة من الالتزام بذلك؟


 ـ اقتضت الظروف الصحية للبلاد بسبب الجائحة أن ندخل حالة طوارئ صحية بشكل مفاجئ، وهو قرار صعب له كلفته الاقتصادية والاجتماعية الباهظة، وما ذلك إلا لأجل حماية أرواح المواطنين.

 وحالة الطوارئ هذه خولت الحكومة اتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية الأشخاص وضمان سلامتهم ، ولعل من أهم الاجراءات التي كان مطلوبا من وزارة الصحة اتخاذها توفير احتياجات الدولة من التجهيزات والمستلزمات الطبية لمواجهة اللحظة، وجميعنا يتذكر حينها حالة التسابق والصراع على المستوى الدولي من أجل توفير هذه التجهيزات؛ فتطلب الأمر اللجوء إلى الصفقات التفاوضية، ولذلك من غير المنطقي أن تسري على هذه الصفقات القواعد العادية لإبرام الصفقات العمومية أو الطلبيات، إلا أنه مطلوب أن تكون محكومة بقواعد النزاهة والمصداقية ومراعاة المصلحة العليا للوطن، كما أن هذه الصفقات مشمولة بكل آليات المراقبة الجارية على صرف المال العام. بالإضافة إلى ذلك فإنه في حالة ما إذا سجلت اختلالات فلابد من أن تكون هناك مساءلة طبقا لما يقضي به القانون.

 

جائحة كورونا صدمة للعالم وامتحان له

س ـ دوليا الآن: يبدو أن شكل العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبله.. وأن موازين القوى تتجه إلى التغير؟


 ـ من السابق لأوانه على ما يبدو الحديث عن شكل واضح لعالم ما بعد جائحة كورونا، لكن لا شك أنه لن يكون هو عالم ما قبلها، ولئن كانت هذه الجائحة واحدة من الأوبئة والكوارث الطبيعية الكثيرة التي ضربت البشرية على مر التاريخ، فإنها وعلى خلاف سابقاتها ستترك آثارا سلبية وتداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة داخل الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، كما سيكون لها تأثير في العلاقات الدولية فيما يستقبل من الأيام.

وبالفعل كانت جائحة كورونا صدمة للعالم وامتحانا له، ولمجموعة من القيم والعلاقات التي شاعت في المرحلة السابقة.

وتبين أن هناك إشكالات كبيرة أولها أن التضامن العالمي كان باهتا إن لم يكن منعدما، وظهر أن كل بلد اعتمد على امكاناته الذاتية، وسيعتمد عليها في مواجهة الأزمات الكبرى والمراحل الصعبة التي قد تصيب البشرية في المستقبل لا قدر الله.
 
من جهة أخرى ستوفر هذه المتغيرات أرضية لإعادة صياغة نظام دولي جديد قد ينصف الدول النامية ويوفر لها حضورا أكبر في ميزان القوى، وفرصة نادرة لاكتشاف الذات وقدراتها، والانكباب على صياغة نموذجها التنموي الخاص؛


ومن حسن حظ المغرب أن هذه المرحلة صادفت تشكيل جلالة الملك للجنة مكلفة ببلورة نموذج تنموي جديد، لمعالجة المشاكل البنيوية للمغرب، ولا شك أن هذه اللجنة ستقترح نموذجا تنمويا يستحضر مغرب ما بعد كورونا في عالم ما بعد كورونا. 

س ـ كثير من السياسيين يخشون من أن جائحة كورونا أعادت للدولة مركزيتها، وأن ذلك سيكون على حساب مطالب الانتقال الديمقراطي، هل توافق على هذا الرأي؟


الجواب على هذا السؤال يجعلنا نستحضر واقعتين ميزتا هذه المرحلة ويتجلى فيهما دور الدولة وحدود مركزيتها:

الأولى جائحة كورونا، والثانية واقعة جريمة قتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، حيث شاءت الأقدار أن يحدثا في وقت واحد.

فأن يكون للدولة دور مركزي فأمر ضروري، لكن في خدمة المواطن أولا وأخيرا، بدليل أنه في الولايات المتحدة الأمريكية لما تم الاعتداء على مواطن بالشكل الدراماتيكي الذي شاهدناه، وقعت ردود فعل لا تقل خطورة عن الواقعة وهو ما وجد له صدى في العالم.

وبالنسبة إلينا في المغرب، فقد ساعدت أزمة هذه الجائحة عموماً في استعادة منسوب كبير من ثقة المواطنات والمواطنين في مؤسساتهم، وتجسد ذلك في التجاوب الإيجابي الكبير الذي حصل مع التدابير والإجراءات الاحترازية التي أقرتها السلطات خلال فترة الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية، مما مكن بلادنا من تجنب خسائر فادحة في الأرواح، وكذا البروز القوي لقيم التضامن والتآزر والتطوع سواء من خلال المسارعة إلى التبرع لفائدة صندوق تدبير جائحة كورونا الذي أحدث بتعليمات ملكية سامية، أو فيما بين أفراد المجتمع من خلال العديد من المبادرات المدنية والمجتمعية وغيرها، وما كان لذلك أن يحدث لولا مسارات الإصلاح السياسي والمؤسساتي والحقوقي التي قطعت فيها بلادنا أشواطا مهمة بعد دستور 2011، وهي المسارات التي اختارها المغرب بكل إرادية بقيادة جلالة الملك، ولذلك فإن المسار الديموقراطي في بلادنا مؤطر بدعامات دستورية ومؤسساتية وسياسية كفيلة بتطويره مع مرور السنين، بالرغم من كل الصعوبات والاكراهات والارتباكات. 

 

صفقة القرن فاشلة

س ـ أين يمكن وضع القضية الفلسطينية ضمن خارطة العالم الجديد، مع أن كثيرا من المتابعين يعتقدون بأن جميع الدول دفعت ثمن جائحة كورونا وليس العرب وحدهم؟


 ـ القضية الفلسطينية الآن يراد طمرها وتجاوزها، إلا أن ذلك غير مقبول فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا، بدليل فشل "صفقة القرن"، واليوم فإن حكومة الاحتلال الصهيوني إذ تحاول تجاوز الاتفاقيات التي أبرمتها مع السلطة الفلسطينية وذلك بضم غور الأردن ومستوطنات في الضفة الغربية المحتلة حيث يقيم آلاف الإسرائيليين في المستوطنات غير الشرعية بموجب القانون الدولي. فقد أدى ذلك إلى عودة علاقة السلطة الفلسطينية مع إسرائيل إلى نقطة الصفر، حيث أعلن الرئيس محمود عباس، قبل مدة، أن السلطة الفلسطينية في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها. ومن جهة أخرى حذرت الأمم المتحدة من هذه الخطوة الإسرائيلية ومن مآلاتها الخطيرة.

جائحة كورونا أثرت بالفعل على موقع القضية الفلسطينية في التعاطي السياسي الدولي وكذا على المستوى الشعبي، وقد رأينا كيف اضطر الفلسطينيون الذين اعتادوا إحياء ذكرى "النكبة الفلسطينية"، إلى أن يقتصر نشاطهم هذا العام على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن الخطوة التي تعتزم سلطات الاحتلال تنفيذها بضم أراضي فلسطينية لم تحظ بالتفاعل الشعبي الفلسطيني والعربي الذي تحظى به عادة مثل هذه الإجراءات الصهيونية، ولكن في المقابل فهذه الجائحة مرحلية ستمر وتنتهي بإذن الله، وستبقى القضية الفلسطينية هي القضية الفلسطينية، وموقعها سيبقى موقعا متقدما لأنها قضية شعب وأمة، ولا يمكن تصور عالم يسوده السلم والأمن والأمان دون الإنصاف التام والشامل لهذا الشعب في استرجاع أراضيه وللأمة في استرداد مقدساتها.

التعليقات (2)
البقرة 206آل عمران 63
الإثنين، 15-06-2020 05:09 م
+واذا قيل له اتق الله أخدته العزة بالاثم فحسبه جهنم وبئس المهاد+ +فان تولوا فان الله عليم بالمفسدين+
لمن يخصه الأمر
الإثنين، 15-06-2020 04:25 م
"وجدير بالذكر أن المملكة المغربية وضعت الإطار المؤسساتي لاستقلال السلطة القضائية، غير أن ممارسة القضاة لاستقلالهم تتفاوت من قاض لآخر، ما يتطلب كثيرا من الجهد والوقت لمزيد من التأهيل والارتقاء." "ومن الضروري التأكيد على أن مشروع القانون الجنائي المعروض على البرلمان منذ أزيد من أربع سنوات يتضمن مقتضيات كثيرة وجد هامة تتعلق بتنزيل الدستور وتجسيد الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واتفاقية مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر أو البر واتفاقية مكافحة الفساد، إضافة إلى تجسيد فصول الدستور الذي جرم الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان دون أن تجد سبيلها إلى القانون إلى حد الآن." الانسان يهان وتنتهك كرامته ويعتقل وقد يغتصب ويقتل وأنتم تقولون أن القانون معطل بالبرلمان لأكثر من أربعة سنوات وما مصلحة البرلمان من تعطيل هذا القانون..؟ وهذا مرتبط بذاك فكيف تتحقق استقلالية القضاء وربط بعض الانتهاكات الخاصة والفريدة من نوعها بممارسات أشخاص لانعدام الخبرة والكفاءة غير مقنع بالمرة لا ديمقراطية ولا تقدم ولا أمن ولا أمان يتحقق في اي مكان بالعالم دون محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين بالمصادرة والفصل والسجن...