صحافة دولية

NYT: الحزن يخيم على العالم الإسلامي بعد إلغاء الحج

الحرم المكي فارغ من المصلين- جيتي
الحرم المكي فارغ من المصلين- جيتي

تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن القرار السعودي، باقتصار أداء مناسك الحج هذا العام، على عدد قليل من الأشخاص، ممن يقيمون في السعودية، بسبب ظروف فيروس كورونا.

وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى اللبناني عبد الحليم العاكوم، الذي جمع المال طيلة حياته، على أمل الذهاب في رحلة الحج، التي تعد أمنية العمر لكل مسلم للقيام بها ولو مرة واحدة، باعتبارها ركنا من أركان الإسلام.

وقال العاكوم، البالغ من العمر 61 عاما، وأحد المسؤولين في قريته بجبل لبنان: "إنه حلم كل مسلم أن يزور مكة ويحج.. ولكن جاءت الجائحة دون سابق إنذار وسرقت الحلم".

وتسبب الإعلان السعودي بموجات من الحزن وخيبة الأمل في أنحاء العالم الإسلامي وألغى خطط ملايين المؤمنين للقيام برحلة يتطلع إليها الكثيرون طيلة حياتهم وتشكل بالنسبة للكثيرين تجربة روحية عميقة.

وسيبقى عامل الميناء البالغ من العمر 72 عاما من باكستان في بلده بالرغم من أن أبناءه الستة جمعوا له ما يمول رحلته للحج. وستضطر أم من كينيا أن تتخلى عن الزيارة التي حلمت بها لفترة طويلة. وانهمرت دموع مديرة المدرسة المصرية زينب إبراهيم عندما سمعت الخبر.

وقالت زينب: "كان هذا هو أمنيتي الوحيدة.. والإلغاء محزن جدا، لعل الله يرفع عنا هذا البلاء". وكثير من الناس يوفرون طيلة عمرهم للقيام بالحج، وكانوا قبل وسائل النقل الحديثة يقضون أشهرا في الذهاب والإياب.

كما أن الحج يضفي مكانة تكريمية خاصة لمن قام به حيث يضيف من قام بالحج لقب الحاج أو الحجي إلى اسمه على بطاقات التعريف.

وقال ياسر القاضي، عميد الكلية الإسلامية الأمريكية الذي كان من المفترض أن يقود مجموعة من 250 حاجا إلى مكة هذا العام: "الحج تجربة مؤثرة روحيا وعاطفيا تغير الإنسان، إنه يشكل الذروة الروحية للمسلم المتدين".

وأضاف أنه منذ الإعلان السعودي "فإن هناك شعورا بالإحباط والفقدان الروحي وحزنا عظيما حل بمن كانوا يأملون الحج".


وقالت الصحيفة إن الحج أيضا تجارة مربحة. وتجني السعودية من الحج الذي يقع هذا العام في أواخر تموز/ يوليو والعمرة التي يمكن أداؤها في أي وقت من العام مليارات الدولارات سنويا، كما أن المجتمعات الإسلامية من تكساس إلى طاجكستان لديها وكالات سفر مختصة بالحج والعمرة وتوفير السكن الفندقي والخدمات الأخرى.

وقال طارق كلاش الذي يدير وكالة سفريات في بيروت كانت تخطط لإرسال 400 حاج إلى مكة هذا العام: "إنها كارثة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والدينية". وتكلف حزمة الحج ما بين 3000 و10000 دولار.

 

كما أنه يوفر خدمات لبعض الجمعيات الإسلامية التي تدفع لعدد من المسلمين الفقراء لأداء الحج كل عام.

وقال إن الإلغاء كان مدمرا، ولكن كان هو القرار السليم، مشددا على "أنه فيروس خطير وسينتشر مثل النار في الهشيم.. اللهم هونها على المسلمين".

وكانت السعودية التي يعتبر الحج بالنسبة لها مصدر احترام وسياحة، أعلنت يوم الاثنين أنه لن يسمح لحجاج من خارج المملكة بالقيام بالحج هذا العام لمنع انتشار الوباء.

ويوم الثلاثاء ضيق المسؤولون السعوديون الأمر بإعلانهم أنه سيسمح فقط لألف حاج أن يؤدوا الحج هذا العام، وهذا يشكل نسبة ضئيلة من 2.5 مليون حاج أدوا فريضة الحج العام الماضي.

وكان الحج قد انقطع أو قلص عدة مرات في التاريخ، بسبب الحروب والمرض، ولكن لم يكن هناك حد في الحضور منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما منع انتشار الكوليرا والطاعون ذهاب الحجاج لعدة سنوات.

والسعودية التي يحمل ملكها لقب "خادم الحرمين الشريفين"، في كل من مكة والمدينة لم تلغ الحج منذ قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.

وقال الدكتور القاضي: "هذه هي المرة الأولى في الظاهرة العالمية للحج التي يتم إلغاؤه فيها بهذا الشكل.. لقد تغيرت الديناميكيات. فقبل 500 عام لم يكن بالإمكان إلغاء الحج، حيث لم يكن هناك جوازات سفر ولا تأشيرات".

ولفت إلى أن الغزو المغولي للشرق في القرن الثالث عشر مثلا، منع الحجاج من الوصول إلى مكان، "ولكن لم يمنع سكان المنطقة من أداء الحج".

 

اضافة اعلان كورونا


ولم يتعرض قرار الحد من عدد الحجاج إلى النقد لأن السعودية تعاني من واحد من أكبر التفشيات للفيروس في الشرق الأوسط حيث تم الإعلان عن 161 ألف حالة ووفاة أكثر من 1300 شخص. وحذر خبراء الأمراض المعدية من أن التجمعات الكبيرة من الحفلات إلى المباريات الرياضية يمكن أن تتحول إلى ناشر متفوق للمرض.

وقال خالد المعينا، المحلل السياسي والإعلامي السعودي، والذي حضر الحج عدة مرات، إن أهمية الحج بشكل كبير تكمن في تجمع المسلمين من بلدان وأعراق وطبقات اجتماعية مختلفة لم تكن لتجتمع لولا الحج.

وقال: "هذا هو الجانب الثقافي والديني والاجتماعي للحج.. فهو ليس طقوسا فقط ولكنه مكان اجتماع تتكون فيه صداقات عظيمة وعلاقات عاما بعد عام".

وأشارت الصحيفة إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر، في السنوات الأخيرة، حولت الحج إلى حلم صعب التحقيق للعديد وهو ما جعل الإلغاء أكثر قسوة.

وقدمت زينب إبراهيم، مديرة المدرسة، لقرعة الحج الحكومية أربع مرات، والتي تقدم منحة مجانية للحج، ولم تفز في أي منها. ولكن هذا العام تمكنت من توفير بعض المال لتغطية نفقات الحج. وقالت زينب البالغة من العمر 58 عاما وتحصل على راتب شهري قيمته حوالي 175 دولارا: "أردت أن أذهب ما دمت بصحة جيدة.. ولا تهمني التكلفة".

وفي كثير من البلدان، حتى أولئك الذين يستطيعون توفير المال اللازم يحتاجون للانتظار سنوات حتى تشملهم حصة بلدانهم من الحجاج والتي تحددها السعودية بهدف مساواة الفرص لكل بلدان العالم الإسلامي.

وقال الإمام موخي ترك (45 عاما)، إن 15 شخصا من قريته الزراعية المحاصرة في إقليم قندوز في أفغانستان كانوا ينتظرون دورهم للذهاب للحج وإن بعض جيرانه قاموا ببيع أرضهم لتغطية تكاليفه.

وقال ترك إن أقاربه سجلوا للحج على مدى أربع سنوات، ولكنهم لم يدرجوا على القائمة حتى هذا العام.

وأضاف: "هذا يجعلني حزينا جدا، لأن كل مسلم يرغب في الذهاب للحج مرة في حياته، وعندما جاء دوري ألغي الحج.. أنا حزين لأني لا أعلم ما إن كنت سأعيش في الأيام القادمة ناهيك عن العام القادم".

وقالت الصحيفة: منذ الحج الأول عام 632، قام المسلمون بالسفر إلى مكة رغم الصعوبات والكوارث، محولين الحج من عبادة يشارك فيها القلة إلى أكبر اجتماع للمسلمين في العالم.


وعلى مدى قرون كان مجرد الوصول سالما إلى مكة يعتبر إنجازا بحد ذاته.

ولفتت إلى أنه تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، "كان الحجاج يقومون بقطع صحارى جزيرة العرب الكبيرة، في قوافل كبيرة تذهب من القاهرة ودمشق، في رحلات تستغرق ستة أسابيع وتتعرض لهجمات عصابات البدو".

وكان آخرون يذهبون عن طريق البحر على سفن مكتظة في وجه العواصف والأمراض وغيرها من التهديدات.

 

وفي عام 1502 قام المكتشف البرتغالي فاسكو دي غاما بالسيطرة على سفينة حجاج عائدة من مكة وأشعل النار فيها فقتل عدة مئات من الحجاج. وفي القرن التاسع عشر تسببت الكوليرا بوفاة آلاف الحجاج.

وقد قصرت قناة السويس الرحلة البحرية عندما افتتحت عام 1869 وساعد اختراع السيارات الرحلات البرية في عشرينيات القرن الماضي. وحتى حينها بقيت الأعداد قليلة: فوصل عدد الحجيج إلى 66000 حاج عام 1929.

وبدأ العدد يرتفع بشكل كبير في سبعينيات القرن الماضي، حيث أصبح السفر الجوي في المتناول وحيث أدرك حكام السعودية أن الحج لم يجلب لهم فقط المكانة الدينية بل الدخل أيضا. وتكسب المملكة هذه الأيام من الحج مليارات الدولارات كل عام.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي شاب الحج حوادث تدافع أو حرائق خيام كبيرة وقلق حول تفشي أمراض مثل سارز وحديثا فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وحصل أسوأ تدافع عام 2015 حيث مات أكثر من 2200 شخص.

وقالت الصحيفة إنه على الرغم من الكوارث التي تقع في الحج، من حين لآخر، إلا أن السلطات السعودية لم تلغه في أي عام. وأزعج الإلغاء كبار السن الذين كانوا ينتظرون الحج لسنوات على أمل أن يؤدوا هذه الفريضة قبل الوفاة..

وقالت فريال المصري (68 عاما)، من بيروت: "كنت أحلم بالحج على مدى 20 عاما وكنت آمل أن أقوم به قبل أن أصل إلى هذه السن".

وأضافت أنها أخيرا استطاعت أن تضع اسمها على قائمة جمعية إسلامية، تمول الرحلة للمحتاجين، ولكن الجائحة تسببت بإلغاء الرحلة، وتقول: "إن شاء الله سأقوم بالحج العام القادم.. إن بقيتُ حية".

التعليقات (1)
محمد سعيد بلقاسمي
الخميس، 25-06-2020 03:08 م
و كان حلم و فرحة آلاف الجزائريين الذين أفرزتهم قرعة الحج لهذا العام لكن قدر الله وما شاء فعل فالكثير ممن أعرفهم. نزل عليهم هذا الخبر كالزلزال. فنسأل المولى عز وجل أن يبلغهم الحج