قضايا وآراء

ثلاثون عاما من ليفربول

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
" انتهى زمن انتظار ليفربول".. كان هذا عنوانا لأحد مقاطع الفيديو للرسوم المتحركة الذي نشرته إحدى الصفحات المتابعة للشأن الرياضي في العالم (Bleacher Report Footbal)، ولاقي انتشارا واسع النطاق مع آلاف التعليقات وإعادة النشر مرة أخرى مع تعليقات تحتفي بعنوان الفيديو وما جاء فيه.

الفيديو يجسد باختصار حكاية مشجع نادي ليفربول مع رحلة البحث عن لقب الدوري الإنجليزي الغائب عن خزائن النادي الإنجليزي منذ ثلاثين عاما.

أب يحتفل مع طفله الصغير بفوز نادي ليفربول ببطولة الدوري الإنجليزي للمرة الثامنة عشر في تاريخه في عام 1990، ثم يسير معه في رحلة كفاح طويلة مليئة بالآلام والانكسارات والهزائم، ولكنها أيضا شاهدة على دعم متواصل وتشجيع مستمر وثقة في أن الحلم لا بد وأن يتحقق، حتى ولو لم يره الأب الذي رحل وحلم الفوز يداعبه، وترك وراءه طفلا كبر على حب النادي وورث من أبيه عشق الانتماء مع الخسارة، والثقة في الفريق مع الهزيمة، حتى شهد لحظة الانتصار مع طفلته الصغيرة وتحقق حلم أبيه بفوز ليفربول بالدوري الإنجليزي الممتاز في هيئته الجديدة.

كمشجع ليفربولي أولا، عاش لحظات الخسارة المستمرة على مدار سنوات عمري الماضية، وكمواطن مصري مهتم بالشأن الرياضي منذ الصغر ثانيا؛ عاش حرمان الوصول إلى كأس العالم على مدار ثلاثة عقود أيضا، وكمحب لنجم الكرة المصرية وفخر العرب محمد صلاح ثالثا، كلها أسباب جعلتني أعيش ليلة مميزة مع انتصار ليفربول وفوزه بالدوري الإنجليزي، ولكن ثمة أمور أخرى دفعتني للفرح تتعلق بمأساة عاشها جيلي من مواليد ثمانينيات القرن الماضي.

قصة انتظار ليفربول ومشجعيه ثلاثين عاما من أجل تحقيق الانتصار وملامسة الحلم هي قصة متكررة لجيل عربي بأكمله وخاصة في مصر. فقد عايشنا مبارك وبطشه وظلمه وجبروته طيلة عقود، تعودنا فيها على الهزائم المستمرة وضياع الحلم في العيش داخل دولة ديمقراطية حديثة، كنا كلما حاولنا كشباب وقوى سياسية وأحزاب معارضة الاقتراب من ذلك الحلم، أصابونا في مقتل كما أصاب انزلاق ستيفن جيرارد كابتن ليفربول فريقه وأنصاره في مقتل، عندما أضاع الدوري في عام 2014 قبل نهايته بجولتين فقط. فقد اقتربنا بشدة بعد ثورة يناير في تحقيق ما أردنا من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، بات لدينا برلمان منتخب ديمقراطيا، ثم وصلنا إلى مشارف نقطة النهاية بانتخاب أول رئيس مدني منتخب وكنا على مقربة من تحقيق الانتصار على الدولة العميقة وهزيمة العسكر ومجلسه، ولكن حدث الانقلاب العسكري فكان أشبه بهزيمة ليفربول أمام فريق كريستال بالاس في نهاية موسم 2014 وضياع حلم الفوز بالدوري الإنجليزي.

ثمة متشابهات كثيرة بين أي شاب مصري آمن بثورة يناير منذ الصغر وبين أي مشجع ليفربولي آمن بفريقه وقدرته على تحقيق الانتصار، ولكن الدروس المستفادة من التجربة الليفربولية تفوق أوجه التشابه والاختلاف.. حسن الإدارة، تعاقدات ناجحة، تجانس بين اللاعبين ومدربهم، السيطرة على الخلافات الداخلية بشكل عاجل وفعال، سد احتياجات الفريق ومعالجة نقاط ضعفه بشكل سريع، إعطاء صلاحيات كاملة للمدرب دون أي تدخل في عمله، الإيمان بالجمهور أو إن شئت سمه شعب ليفربول وإخلاصه ودعمه ومواجهته بالحقائق أولا بأول.

شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2015 يأتي القيصر الألماني يورجن كلوب مدربا لفريق ليفربول، بعد تجربة فريدة من نوعها مع فريق بروسيا دورتموند الألماني؛ جعلته واحدا من أعظم المدربين في العالم، ولكن موعد كلوب مع المجد لم يأت حينها بعد.

"إذا مكثت هنا أربع سنوات فسأحقق اللقب"، كانت هذه هي العبارة الأولى للمدرب الألماني داخل معقل الإنفيلد.. انكسارات كثيرة واجهها الرجل الذي كان يوصم دائما بمدرب الميدالية الفضية لكثرة هزائمه في الأدوار النهائية أمام الفرق الأخرى.. خسر كلوب نهائي كأس الاتحاد الأوروبي في أول مواسمه أما فريق إشبيلية، ثم ابتعد كثيرا عن المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي، ثم خسر نهائي دوري أبطال أوروبا في المباراة الشهيرة التي أصيب فيها محمد صلاح أمام ريال مدريد الإسباني، ثم خسر الدوري الإنجليزي بفارق نقطة واحدة أمام نادي مانشستر سيتي الإنجليزي..

ولكنه كان على وعده، فقام ببناء فريق عالمي ليست لديه نقطة ضعف واحدة في أي مركز من مراكزه.. باع فيليبي كوتينيو إلى برشلونة وتعاقد بالأموال التي دخلت خزينة النمادي من صفقة كوتينيو مع أليسون بيكر، أحسن حارس في العالم، وفان دايك أفضل مدافع في العالم، جعل من محمد صلاح نجما عالميا في مصاف النجوم ميسي ورونالدو، صنع حالة من التجانس داخل الفريق فلم يعد ليفربول هو فريق اللاعب الواحد أو يعتمد على النجم الأوحد، وإنما بات النادي الأحمر هو نتاج حالة تجانس يصنعها الفريق بأكمله كوحدة واحدة.

الدرس الأكبر الذي يجب علينا تعلمه من التجربة الليفربولية هو أننا لن نسير وحدنا أبدا.. تلك الكلمات الذهبية التي يتغنى بها مشجعو ليفربول قبل وأثناء وبعد كل مباراة، سواء كانت نتيجتها الفوز أو التعادل أو الخسارة:

عندما تسير عبر العاصفة أبق رأسك مرفوعاً، ولا تخش الظلام
عند نهاية العاصفة توجد سماء ذهبية
سر عبر الرياح، سر عبر المطر
حتى و لو قُذفت أحلامك و طارت
سر، سر والأمل في قلبك
ولن تسير لوحدك أبداً
لن تسير لوحدك أبداً

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (0)

خبر عاجل