رحيل "أسطورة" عراقية على وقع كورونا وسط "شكوك" (بورتريه)

فتحت وفاته المفاجئة قبل ساعات قليلة على نقله من العراق إلى الأردن لتلقي العلاج الأبواب على نظام صحي يتهاوى في البلاد، وبيروقراطية قاتلة تمزق "قسم أبقراط" الطبي.

أسئلة كثيرة تدور حول تسبب "الإهمال" في إصدار التقارير الطبية ومتابعة حالته الصحية و"عدم كفاءة" الأجهزة الطبية برحيله، على وقع فيروس "كوفيد- 19"، بحسب تصريحات صحفية أكدتها عائلته المقيمة بالعاصمة الأردنية عمان.

كان رجلا مهذبا صاحب ابتسامة فيها خجل رجولي شفاف، كان لاعبا لم ينافسه في نجوميته وفي صفة "الأسطورة" سوى اللاعب حسين سعيد وفلاح حسن وحسين درجال، وهم مع ثلة أخرى من اللاعبين كانوا الأبرز بين نجوم العصر الذهبي لكرة القدم العراقية.

ولد أحمد راضي عام 1964 في سمراء في محافظة صلاح الدين، وشكلت مسيرته الكروية حالة وطنية عراقية تحظى باحترام جميع أطياف ومكونات العراق، ولم يقع راضي يوما في أتون الفرز الطائفي.

برزت مواهبه في سن مبكرة من حياته مع أندية "الزوراء" و"الرشيد/ الكرخ"، وجاءته الفرصة الذهبية حين قرر المدرب العراقي الراحل عمو بابا عام 1981 أن يضم راضي ابن الـ17 عاما للمنتخب الأول ليصبح هذا الفتى الصغير بعد ذلك أحد أهم نجوم قارة آسيا.

كانت ولادته الكروية قاريا من خلال كأس فلسطين للشباب والتي أُقيمت في المغرب عام 1983 بعد أن نال لقب الهداف وأفضل لاعب ضمن المنتخب الوطني العراقي الذي سيقوده فيما بعد للتأهل إلى نهائيات كأس العالم 1986 في المكسيك، ويمعن أكثر في الشهرة بتسجيله هدف منتخب بلاده الوحيد في كأس العالم في مرمى منتخب بلجيكا.

ويواصل راضي تألقه مع "أسود الرافدين" حين حمل كأس بطولة الخليج عام 1988، كما حاز على لقب هداف البطولة، وفيما بعد سيفوز بجائزة أفضل لاعب في آسيا، وضمن أفضل عشرة لاعبين في تاريخ آسيا في القرن العشرين.

مشاركاته تعددت وإنجازاته كثرت، فقد شارك مع منتخب الناشئين والشباب والأول، وأحرز لقب بطولة كأس الخليج ثلاث مرات، وشارك في بطولة كأس العرب، وشارك في دورتين أولمبيتين، الأولى عام 1984 في لوس أنجلوس، والثانية في سول بكوريا الجنوبية عام 1988.

كان راضي من أوائل اللاعبين الذين خاضوا التجربة الاحترافية، فكانت لـ"الساحر" مشاركة في الدوري القطري في نادي "الوكرة" بين عامي 1993 و1997.

وفي سجله الكروي نحو 125 مباراة محلية سجل فيها أكثر من مائة هدف، فيما سجل مع المنتخب العراقي 65 هدفا في 121 مباراة من عام 1982 حتى اعتزاله اللعب دوليا عام 1997.

وبعد اعتزاله اللعب محليا ودوليا اتجه إلى التدريب.

وسيدخل راضي مرحلة أخرى مختلفة تماما عن مجال كرة القدم وصخب الملاعب بفوزه بمقعد في مجلس النواب العراقي عن كتلة "جبهة التوافق" العراقية. وهي كتلة برلمانية عراقية سنية، تتألف من ثلاثة مكونات وأحزاب هي: "الحزب الإسلامي العراقي" و"مؤتمر أهل العراق" و"تجمع المستقبل الوطني".

اقرأ أيضا: أحمد راضي.. رحيل أسطورة كرة القدم العراقية (إنفوغراف)

وكان راضي قد غادر العراق عام 2006 بعدما تعرض رئيس اللجنة الأولمبية العراقية للاختطاف خلال أحداث العنف الطائفي الذي اندلع في البلاد إثر غزو الولايات المتحدة في عام 2003.

وانتقل مع عائلته إلى عمان، ولكنه عاد إلى بلاده عام 2007، ليقتحم عالم السياسة، وأصبح نائبا، وخسر الانتخابات عامي 2014 و2018 ضمن قائمة "التحالف الوطني" التي ضمت شخصيات "سنية" و"شيعية".

وسيكون لوفاته "الصاعقة" وقع الصدمة على محبيه ومن عاصروا مسيرته الكروية فقد توفي قبل أن ينقل إلى عمان بساعات قليلة لتلقي العلاج من ضيق التنفس بسبب فيروس "كوفيد- 19" بعد تعرضه لانتكاسة صحية.

وكانت شخصيات رياضية قد بذلت جهودا كبيرة بالتعاون مع الحكومة الأردنية لنقله إلى عمان، لكن الموت كان أسرع من الطائرة الطبية المستأجرة من تركيا التي كانت بانتظاره.

وأعلن ديوان الوقف السني أنه جهز جثمان راضي للدفن وأنه أقام عليه صلاة الجنازة في مقبرة الكرخ الإسلامية في الجزء المخصص لضحايا "كورونا" غرب بغداد في مراسم تشييع لم تكن بالمستوى الذي يليق بشخصية كروية قدمت الكثير لبلادها، بسبب جائحة "كورونا".

رفاقه الذين عاصروه في العصر الذهبي للكرة العراقية، وزير الرياضة الجديد عدنان درجال وحسين سعيد، ودعوا "أبو فيصل" بكلمات مفعمة بالفخر والحزن والرثاء، وكذلك فعل رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم واتحاد غرب آسيا الأمير علي بن الحسين، ووزير الشباب الأردني، ونعاه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والرئيس العراقي برهم صالح وشخصيات رياضية وعامة من العراق والخليج العربي.

وتأتي وفاة راضي بعد أسابيع قليلة على وفاة اللاعب الدولي السابق علي هادي، إثر إصابته بالفيروس.

ووضعت وفاة راضي وهادي، الحكومة العراقية أمام كومة من التساؤلات والشكوك حول نجاعة النظام الصحي في مواجهة وباء كورونا.

ولم تقتنع عائلة راضي بتبريرات الجهات القائمة على مستشفى "النعمان" فقد عددت أسرة الكابتن سلسلة أخطاء رافقت رحلة علاجه حيث أعطيت للراحل "جرعات غير منتظمة من الدواء كانت تفقده وعيه" بحسب عائلته.

وأشارت المعلومات إلى أن الراحل استيقظ صباح الوفاة كي يدخل الحمام فلم يجد من يساعده، ما اضطره لنزع جهاز الأكسجين عن وجهه ودخول الحمام وحيدا، وهناك فقد وعيه وأغمي عليه، وبعد 12 دقيقة انتبه له الكادر الطبي فسارعوا لإنقاذه دون جدوى، فتوفي بعدها.

عائلة راضي توعدت بكشف مزيد من التفاصيل خلال الفترة القادمة رغم نفي وزارة الصحة العراقية وجود أي تقصير من جانبها.

في جميع الأحوال فقد حرمت "كورونا" أحمد راضي من أن تحمل الجماهير العراقية كفنه على أكتافها وتودعه كبطل وأسطورة وحالة وطنية استثنائية.