هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تخيم صورة
"قاتمة" على التوقعات لمآلات المشهد اللبناني، في
ظل استبعاد صندوق النقد الدولي "انفراجة قريبة بأزمة البلد الاقتصادية".
وتزامن تصريح مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا،
الجمعة، بعدم توقعها تحقيق تقدم بالمفاوضات مع لبنان، مع هجوم شنته دوروثي شيا، السفيرة الأمريكية ببيروت، على حزب الله، محملة إياه المسؤولية عن "عرقلة الإصلاحات المطلوبة بلبنان".
ووسط انهيار حاد
ومستمر بالليرة اللبنانية، فقدت أكثر من 75
بالمئة من قيمتها منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، وتخطت حاجز الـ7000 ليرة مقابل
الدولار، ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة، ونتج شح في السلع الأساسية كالخبز، ما دفع
اللبنانيين إلى التكدس أمام الأفران والمخابز، إلى جانب صور أظهرت بيوتهم خالية من
الطعام، ما يعكس عمق تأثير الأزمة على المواطنين.
وشرع لبنان في
مفاوضات مع صندوق النقد الدولي في أيار/مايو للحصول على مساعدة تقدر بـ10 مليارات
دولار، علها تخفف أسوأ أزمة اقتصادية تمر به منذ عقود، وتضاعفت بفعل تدابير مواجهة أزمة كورونا.
اقرأ أيضا: لبنانيون يعجزون عن ملء براداتهم بالطعام وسط انهيار الليرة
وتسببت الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة باندلاع احتجاجات، بدأت في تشرين أول/أكتوبر الماضي ولا زالت مستمرة، وأدت لاستقالة حكومة سعد الحريري في ذات الشهر، وتولي حكومة جديدة برئاسة حسان دياب للسلطة في شباط/فبراير الماضي، والتي تدير بدورها المفاوضات مع صندوق النقد.
عقدة الخسائر والمفاوضات
تعقدت عملية التفاوض
مع صندوق النقد جراء خلاف لبناني
داخلي حول "تقدير حجم الخسائر" في خطة الحكومة المقدمة للصندوق، ويقول
الباحث بالتمويل والمصارف محمد فاعور: "المفاوضات تسير ببطء شديد، لا زلنا في
مرحلة تقييم الخسائر بالقطاع المالي، ولم ننتقل بعد للحديث عن الإجراءات
والإصلاحات المطلوبة".
ويؤكد
فاعور في حديثه لـ"عربي21" أن "التأخير في المفاوضات" سببه
"وجود أطراف لبنانية (الحكومة، مصرف لبنان وجمعية المصارف، البرلمان) غير
متفقين على تقييم الخسائر، فكل طرف له تقييم خاص".
وتوقعت خطة
الحكومة خسائر ضخمة تصل إلى 240 ألف مليار ليرة لبنانية، لقيت ارتياحا من صندوق النقد، وعقب عليه بالقول: "الرقم يبدو في النطاق السليم، لكن بيروت بحاجة
إلى التوصل لفهم مشترك من أجل المضي قدما (في المفاوضات)".
ولاقى الرقم
معارضة من مصرف لبنان والقطاع المصرفي ولجنة تقصي حقائق برلمانية.
ويؤدي هذا
التقييم الحكومي إلى "تحميل المصارف الجزء الأكبر من هذه الخسائر بما يفقدها
مكونا مهما من رأس مالها، وسيضطر مصرف لبنان إلى إلغاء ديونه على الحكومة"،
بحسب الباحث فاعور الذي يرى أن "القطاع المصرفي لا توجد لديه النية لتحمل هذا الحجم من الخسائر".
وتقوم رؤية القطاع المصرفي على الرغبة في "تقليص الخسائر بإجراءات دفترية بحتة، وتوزيعها على فترات زمنية طويلة"، كما قال فاعور.
واعتبر فاعور تقديرات
لجنة تقصي الحقائق بالبرلمان (82 ألف مليار ليرة لبنانية) القريبة من تقديرات القطاع
المصرفي (أشارت تقارير صحفية لبنانية إلى أنها 104 آلاف مليار ليرة لبنانية)، تعبر عن
"وجود إجماع سياسي ممثل بالكتل البرلمانية لتحقيق رؤية القطاع
المصرفي بتقليل الخسائر وتوزيعها على فترة أطول"، وهو ما "يعارضه صندوق
النقد الدولي".
اقرأ أيضا: طوابير الخبز تعود إلى لبنان واحتجاجات ليلية ودعوات للعصيان
وكان رئيس لجنة الموازنة والمال بالبرلمان إبراهيم كنعان قد أكد أن عمل المجلس على توحيد الأرقام "دقيق ومبني على وقائع حسية، وهدفه تسهيل الحصول على مساعدة الصندوق"، مضيفا: "الأجدى بالحكومة الأخذ بمشورة صندوق النقد وتوحيد الموقف اللبناني..".
وربما يشكل كلام
كنعان وتقديرات البرلمان، وفق ما يراه فاعور، توجها بإسقاط "المجلس لأي اتفاق
تتوصل إليه الحكومة مع صندوق النقد، حينما يعرض الاتفاق على التصويت".
لا رغبة بالإصلاح
وبحال تجاوز عقبة
"تقدير الخسائر"، يشير فاعور إلى أن صندوق النقد سيلزم الحكومة بـ"إصلاحات
عميقة"، وهو ما عبر عنه الصندوق في تصريح في 18 حزيران/يونيو
بالقول: "لبنان
بحاجة إلى إصلاحات شاملة ومنصفة في مجالات عديدة، وهو ما يتطلب توافقا ومشاركة مجتمعية".
ويرجح فاعور أن هذه الإصلاحات تتعلق بـ"الإصلاح المالي" عبر إعادة هيكلة القطاع المصرفي،
و"الإصلاح النقدي" عبر الانتقال من سعر صرف مثبت إلى سعر صرف مرن، و"إصلاح القطاع العام" عبر تحجيمه وتقليص
العجز بميزانية الدولة وفرض خطة تقشف وحوكمة عليه.
ويضيف أن الإصلاح
سيطال العمل على تقليص العجز بميزان المدفوعات، وكذلك مراجعة "الجمارك وضبط
الحدود المفتوحة، لمنع التهريب"، وعبر عن أمله في أن تشمل "محاربة الفساد".
وعن ترجيحه لما ستؤول
إليه المفاوضات مع الصندوق، يقول فاعور: "الصورة قاتمة جدا، لا توجد رغبة سياسية لتطبيق
إجراءات ضرورية بالإصلاح" لأنها ستكون "موجعة للطبقة الحاكمة. هذه
الإصلاحات تضرب مصالحهم السياسية لعقود".
وقال: "صندوق
النقد لن يساعد لبنان إلا بإصلاحات جوهرية، المشكلة ليست في عدم القدرة على الإصلاح
بل في عدم الرغبة بتنفيذه. الإصلاح الفعلي ليس لصالح الطبقة السياسية".
"الحذر الدولي" من لبنان
من جانبها، ترى
الخبيرة المصرفية والقانونية سابين الكك أنه "لا عجب في الحذر الدولي من
التعاطي مع لبنان"، خاصة في ظل ما أسمته "التداخل السياسي والمالي، الذي يشكل
عائقا أمام تنفيذ خطة مقنعة تقدم لصندوق النقد".
وفي
حديثها لـ"عربي21"، تشير الكك إلى أن معاناة لبنان من "العجز في
الميزانية" ناجمة عن "سياسات الحكومات المتعاقبة ومصرف لبنان بتمويل العجز
عبر زيادة الديون بالاعتماد على النظام المصرفي المحلي، ما أوجد عجزا مصرفيا أيضا تسبب باستنزاف
التحويلات المالية وتدفقات الاستثمار الخاصة والودائع أجنبية".
وفي
تأكيد من الكك على أن "التداخل السياسي والمالي" تسبب بهذا "العجز المزدوج"،
قالت: "التقديرات بأن 40 بالمئة من أصول المصارف التجارية اللبنانية تعود إلى
شخصيات سياسية، يبرر الدافع الكامن وراء تضارب المصالح الذي أخَّرَ إجراء إصلاحات جذرية طوال عقود".
اقرأ أيضا: قرار قضائي بلبنان ضد سفيرة أمريكا لهذا السبب.. والأخيرة ترد
وتشدد
على أن مساعدة صندوق النقد المرتقبة مشروطة بـ"تنفيذ سريع للإصلاحات الجدية من
قبل السلطات، أو على الأقل بدء تنفيذ خطة جدية ولو قصيرة الأجل".
وتنوه
إلى أن "ذوبان احتياطيات لبنان من العملات الأجنبية" ناجم أيضا عن "تقديرات بمغادرة مبلغ يتراوح بين 1 إلى 2 مليار دولار من النقد الأجنبي للبلاد
شهريا باتجاه سوريا عبر المعابر غير الشرعية، من خلال تهريب المواد النفطية والقمح
المدعوم من الدولة".
وتساءلت:
"بدأنا نرى أزمة
قمح ونقص في الخبز وتكدس في طوابير الناس أمام المخابز (...) أين القمح المدعوم من
الدولة؟".
وقالت:
"مع استمرار الحكومة الحالية، المحسوبة على محور الممانعة، بسياسة نقدية تستخدم
هذه الاحتياطيات "بطريقة غير حكيمة" بدل أن تكون الأولوية لدعم الاقتصاد
اللبناني، لن يكون غريبا أن تتوخى مؤسسة دولية تعنى بالنقد الحذر الشديد تجاه
لبنان".
واستحضرت
الكك تخفيض وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني طويل الأجل للبنان بالعملات الأجنبية،
وتقرير الوكالة حول أن التزامات المصرف المركزي من العملات الأجنبية تجاوزت أصوله،
وانخفاض تصنيف مصارف لبنانية أخرى، لتؤكد على أن "السياق المالي الدولي مناقض تمام لأرقام وتقديرات اللجنة النيابية..".
وقالت: "كان الأجدر بلجنة المال والموازنة أن تمارس صلاحياتها بمواكبة خطة
الحكومة الإنقاذية عبر تشريعات ضرورية، بدل أن تعمد إلى الانقضاض على أرقام تلك
الخطة".
وترى
أن من خلق "إشكالية التضارب في الأرقام المقصود" هي الجهات نفسها "المشاركة
في الحكومة (...)، مما يشير إلى أنها إشكالية مفتعلة لإبعاد مسار التفاوض مع صندوق النقد".
وتعتبر
أن هذا المسار "تقاطع مع مصلحة مصرف لبنان وجمعية المصارف بإجراء عمليات تجميل لخسائرها
على حساب ذوبان ودائع اللبنانيين".
وتعتقد
أن هذه العوامل مجتمعة ستؤدي إلى "الانهيار السريع" للاقتصاد اللبناني.