هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ليس أداء الممثلين عنصراً ثانويا في نجاح الأعمال الدرامية، وهو ما يمثّل مسؤولية ينبغي لهم أن يتهيّأوا لها. غير أن متابع ما يُكتب حول هذه الأعمال، خصوصا في موسم عرضها الرئيسي كل سنة، أي رمضان، سيجد الكثير من الانتقادات خصوصا مع تزايد حضور ممثلين لم يمروا من المحطات التي كانت توصل إلى الشاشة الصغيرة مثل المسرح والسينما، حيث يأتي بعضهم من عمليات كاستينغ سريعة وآخرون يعوّلون على شهرة ظرفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
سنحاول عبر هذا الاستطلاع أن نقيّم المشهد الدرامي عبر عين مدرّبة هي عين الفنان المسرحي. تقول الممثلة المسرحية المصرية سهيلة الأنور في حديثها إلى "عربي 21": "من خلال ملاحظتي للدراما المصرية في الفترة الأخيرة أجد أن أداء معظم الممثلين مُحْبِط للأسف، كما أننا نجد أثر التسرع في التصوير والمونتاج بشكل واضح".
تضيف: "خلال موسم العروض الأخير ربما تأثّرت الأعمال بظروف مرحلة كورونا خصوصا على مستوى التصوير، لكن نوعية هذا الأداء المهزوز لا تتعلق بسنة 2020 فقط بل هي عنوان يشمل السنوات الأخيرة، وما يحدث هو أن الوضع يزداد سوءا".
ترصد الأنور إشكاليات أخرى من بينها "أن السكريبت سطحي والحبكة ضعيفة في معظم المسلسلات. أما من ناحية الإخراج فلا يوجد ابتكار أو أفكار جديدة. هناك نمطية نجد أثرها من سنة إلى سنة". ترى الأنور أنه ليس شرطا أن يكون الممثل قد مرّ بالمسرح كي يؤدّي دورا في عمل تلفزيوني، لكن إضافة المسرح تكون جلية في أدائه.
وتضيف أن هناك اليوم فضاءات أخرى مثل الورش تتيح تكوينا للممثلين.
وحول آخر الأعمال التي شدّت انتباهها من الناحية الفنية، تشير إلى المسلسل المصري "بـ 100 وش" للمخرجة كاملة أبو ذكري.
من جهته، يرى المخرج والممثل المسرحي التونسي أنور الشعافي أن "القيمة الفنية للأعمال التلفزيونية متفاوتة وقد اتسمت في أغلبها بالاستسهال والتسرع وغياب الحرفية في أهم مفرداتها مثل طرافة الموضوع والتمكن من بناء السيناريو ناهيك عن عدم الإلمام بالأدوات الإخراجية، إلا أنها في المقابل كشفت عن قدرات أدائية لافتة لجيل جديد مع تأكيد من تميزوا سابقا ".
اقرأ أيضا : MEE: دراما رمضان تكشف تناقضات العلاقة بين مصر وإسرائيل
يشير الشعافي إلى أن إبداع الممثل يمكن أن يتجلى رغم وجود نقائص في بناء الشخصيات ومساراتها الدرامية، وغياب إدارة الممثل إلى جانب ظواهر أخرى مثل احتكار عدة اختصاصات فنية من قبل شخص واحد كما ظهر هذا في مسلسلي "قلب الذيب" و"27" في رمضان الأخير في تونس.
ويشير الشعافي في مقابل ذلك إلى تميز مسلسل "النوبة 2" الذي لفت الانتباه بطرافة الفكرة-المنطلق وحذق مخرجه وسعة ثقافته المشهدية التي تمكّن من توظيفها لصالح العمل كما كشف خاصة عن مواهب أدائية غير مستهلكة بحساسيات وأساليب أداء غير سائدة ويرجع هذا أساسا أنهم قادمون من المسرح وهي مسألة كانت شبه غائبة سابقا.
ويعتبر الشعافي أن "المسرح هو أساس تكوين الممثل وفيه يكتسب أدواته ويمسك بتقنياته لأن الموهبة لا تكفي وحدها، خاصة في ظل عدم وجود مفهوم إدارة الممثل وإن كان البعض يستهين بهذا الجانب"، ويضرب مثلا بما يسميه بـ "وجوه الإنستغرام" من اللواتي لا يمتلكن من الموهبة غير الوجه الجميل ليصبح فن الأداء متاحا لمن هبّ ودبّ وتكون نتيجتها أعمالا بلا روح.
ويضيف المخرج التونسي: "في الواقع لو تتبعنا مسارات كبار الممثلين في العالم نلاحظ أنهم إما انطلقوا من المسرح أو تلقوا تكوينا فيه، حتى بعد شهرتهم مثل الممثل Leonardo Dicaprio كما تابع عديد الممثلين الكبار دروسا في مؤسسة Actors Studio التي أسسها Elia Kazan سنة 1947 و يديرها حاليا Al Pacino، ولا يخجل هؤلاء الكبار المشهورين من العودة إلى الدراسة وتلقي التكوين الأساسي الذي يفتقدونه، لكن من الموضوعي القول بوجود استثناءات قليلة لبعض المواهب من الذين لم يتلقوا تكوينا مسرحيا مثل Johnny Depp و Brad Pitt لكن هذا يقتضي وجود مخرج يحذق إدارة الممثل".
الملاحظة الأخرى التي يثيرها الشعافي هي غياب الوعي عند بعض الممثلين المسرحيين المتواجدين في الشاشة الكبيرة والصغيرة بالفروق الجوهرية بين تقنيات الأداء في المسرح والتلفزيون حيث إن فضاء حقل المشاهدة في السينما والتلفزيون هو الشاشة وعين المتفرج تقودها عين المخرج لتحكّمه في زوايا التصوير وحجم المشاهد Les plans مما يجعل من أداء الممثل طبيعيا غير متكلف متجنبا للتضخيم معتمدا الاقتصاد في الطاقة والحركة بينما يتجه الممثل المسرحي إلى غير هذا بوعيه بحقل المشاهدة التي يفرضها الفضاء الحركي وتحكم المتفرج آنيا في زوايا الفرجة.
يختم الشعافي حديثه إلى "عربي 21" بالقول: "المسرح هو أبو الفنون جميعها ومنه انطلقت وإليه تعود ولا يستطيع النجاح إلا من كان ابنا بارّا لأبيه".
على مستوى آخر، يرى المخرج والممثل المسرحي المغربي بوشعيب السماك أن مرور الممثل من المسرح إلى التلفزيون قاعدة ينبغي أن يخضع لها الجميع، لكنه يعتبر في المقابل أنه من الضروري المرور من معاهد تكوين مسرحي تعتمد على مناهج عالمية، وكذلك خوض تجارب مسرحية محترفة ضرورية ومهمة جدا للممثل قبل خوضه لتجارب التمثيل في السينما والتلفزيون.
يشير المخرج المغربي إلى أن اكتساب أدوات المسرح بشكل متين هو من عناصر قوة الممثل، وهذا يفترض المرور من مناهج ومدارس تكوين الممثل التي تعتمدها المعاهد التي تدرّس المسرح بشكل احترافي، فكل معهد يعتمد في خطة تدريسه للتمثيل على مناهج في إعداد الممثل طيلة مراحل الدراسة، كمنهج ستانسلافسكي، وغروتوفسكي، وأرطو، ومنهج البوميكانيك.
يعتبر السماك أن مسار الممثل طويل وشاق للوصول إلى معرفة عميقة بأصول الأداء على عكس ما يعتقد كثيرون، من ذلك أن الممثل يحتاج إلى وعي كي يتقمّص شخصية ما، وقد تتيح معرفته مقترحات لبناء الشخصيات، وبذلك فإن الممثل الجيّد عامل إضافي في تطوير الأعمال الدرامية وإنقاذها من النمطية والتشابه.