صحافة دولية

WP: هل انتهى القرن الأمريكي وبدأ القرن الآسيوي؟

هل تستفيد الصين من جائحة كورونا التي أضرت أمريكا كثيرا؟ - جيتي
هل تستفيد الصين من جائحة كورونا التي أضرت أمريكا كثيرا؟ - جيتي


نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب إيشان ثارور تحت عنوان "الوباء وفجر القرن الآسيوي" قال فيه إن الكارثة المتدحرجة الحالية التي هي نتاج طريقة معالجة الولايات المتحدة لفيروس كورونا، فالاستقطاب السياسي يعني أن الأمريكيين لم يوافقوا على اتباع توجيهات الصحة العامة البسيطة كما أنهم لم يتبعوا بشكل جماعي قواعد التباعد الاجتماعي التي فرضتها دول أخرى.

وبدلا من تحفيز الزعيم الأمريكي العالم على جبهة موحدة وقيادة جهد عالمي، فقد قوض المؤسسات الدولية وحمل فشله على الأعداء الأجانب وألقى باللوم على الخصوم المحليين في الآزمة.

وأضاف ايشان أن إخفاقات أمريكا -والتي أدت إلى إخفاقات بريطانيا- أصبحت أكثر صرامة بسبب النجاحات في أماكن أخرى.

فقد "قامت كوريا الجنوبية بإجراء الاختبارات وتتبع المصابين، وهو ما فشلت بريطانيا بإتقانه إلا بعد أشهر من الجهد".

 وانتقد باناكج ميشرا في مقال بمجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" التعامل الأنكلو-أمريكي مع الأزمة بقوله: "تقوم دول شرق آسيا الأخرى مثل تايوان وسنغافورة بأداء أفضل بكثير. فيما قامت فيتنام باحتواء الفيروس بسرعة".  وأضاف أن الصين كذلك، رغم حكمها المشكوك فيه وسلوكها أثناء الوباء، فإنها تمكنت من الحد من انتشار الفيروس.

 وعلى النقيض من ذلك، فإن أمريكا ترامب لم تسطح منحنى الموجة الأولى مع ارتفاع معدلات العدوى في كل مكان.

 وتابع: "قد تكون معاناتها (أمريكا) علامة لنقطة انعطاف تاريخية: اللحظة التي اضطرت فيها القوة العظمى البارزة في العالم إلى التخلي وهي في صدارتها عن رؤية معينة في حين قادت دول أخرى – خصوصا بعض القوى الصاعدة في آسيا – الطريق".

وكتب ميشرا قائلا: "كشف كوفيد-19 عن تحول أعظم الديموقراطيات إلى ضحايا نتيجة فترة طويلة من الضرر الذاتي" في إشارة إلى أن نظام الرعاية الصحية الأمريكي باهظ التكلفة وما حدث من إضعاف وتفريغ الخدمات الاجتماعية في بريطانيا.

 وأضاف: "لقد ثبت أيضا أن الدول ذات القدرات الحكومية القوية كانت أكثر نجاحا في القضاء على انتشار الفيروس وبدت مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع التداعيات الاجتماعية والاقتصادية".

 

اقرأ أيضا: خبراء: فيروس كورونا سيغير شكل العالم الذي نعرفه

وقاد ضعف القدرات بعض المحللين الذين تنبؤوا مبكرا للقول إن ردة فعل أمريكا وبريطانيا تعود بجذورها إلى فترة ما بعد الحرب الباردة.

وكما كتب ادوارد لوس في صحيفة "فايننشال تايمز": "يمكن إرجاع ردود أمريكا وبريطانيا الضعيفة على كوفيد-19 إلى تهنئة النفس بعد الحرب الباردة – وهو الاعتقاد بأنه لا يوجد الكثير مما يمكن تعلمه من بقية العالم". وأضاف أنه "في بضعة أشهر قصيرة، كشف الميكروب عن الغطرسة الأنكلو-أمريكية". 

ويقول ايشان إن هذه الغطرسة ليست شيئا صغيرا – فهي في أحيان كثيرة متجذرة في قلب المشروع الأيديولوجي الذي وضع النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، والمبادئ "الأنكلو-ساكسونية" لسياسة عدم التدخل الاقتصادي للديموقراطية الليبرالية حتى بدت صاعدة بشكل لا رجعة فيه في وقت ليس ببعيد.

ويضيف لوس أن "نصف الألفية من التاريخ المحفوظ يخبر الأنكلو-أمريكيين أنهم يستطيعون دائما التفكير بأن قدرهم هو أن يكونوا مع الجانب الفائز".

 ويقول إن هذا الموقف "أعماهما عن رؤية كيف ينظر بقية العالم لهم، أي بحزن وسخرية متزايدة".

ويضيف الكاتب أنه منذ أواخر القرن العشرين – أطلق مؤسس مجلة تايم اسم "القرن الأمريكي"- وكان هنالك حديث أن القرن الحادي والعشرين سيكون القرن الآسيوي. و"لقد تطلب الأمر العديد من الصدمات الجيوسياسية لكي تتحقق رؤية القرن "الأمريكي"، بما في ذلك الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية. وقد يكون الوباء هزة تاريخية أخرى للنظام، تعيد تشكيل طريقة تفكيرنا في الشؤون العالمية".

ويردف ايشان أن الأمر لا يتعلق فقط بالنفوذ المتدهور لأمريكا المنقسمة والمختلة وظيفيا. فلسنوات، أدرك صانعو السياسة الأمريكية أن الثقل الجيوسياسي تحول للشرق وسعوا إلى "تحويل" اهتمامهم الاستراتيجي إلى منطقة تفتخر بأن غالبية سكان العالم فيها، وقريبا ستأخذ حصة كبيرة من الإنتاج العالمي الاقتصادي. ولكنهم وبدلا من تحديد شروط "باكس أمريكانا" (الإمبراطورية الأمريكية) في نصف الكرة الغربي وجدوا أنفسهم يتأقلمون مع الحقائق الجديدة المصاغة في مكان آخر.

وفي هذا الخصوص يقول ايشان إنه في عصر فيروس كورونا، أصبحت الدراما الآسيوية دراما عالمية. وبشرت المواجهة القاتلة بين القوات الهندية والصينية بظهور خط صدع جديد في القرن الحادي والعشرين يفصل بين قوتين نوويتين. وقد حفزت التهديدات الوجودية التي تواجه المجتمعات الحرة في هونغ كونغ وتايوان الدعم في جميع أنحاء الغرب. إن المداولات المتأنية في أوروبا حول مستقبلها السياسي لا يمكن إجراؤها دون النظر إلى الشرق الأقصى.

ويقول إن الكثير من هذا بالطبع يتعلق بالصين، خصوصا إجراءاتها الحازمة والعدوانية في الداخل والخارج. فاختارت إدارة ترامب المواجهة، وشنت حربا تجارية مع بيجين، لكنها أثارت قلق الحلفاء التقليديين في آسيا.

ويعقب روبرت كابلان في "واشنطن بوست" أنه "للمرة الأولى منذ أن ذهب الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين في عام 1972، فالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين معادية وغير متوقعة، على الرغم من أن واشنطن قدمت لأصدقائها في المنطقة طمأنة أقل من أي وقت مضى منذ "الحرب الكورية قبل 70 عاما".

ويضيف أن المسؤولين الصينيين يصرون على أن مثل هذا التنافس غير ضروري. وقال وزير الخارجية وانغ يي في خطاب يوم الخميس، في محاولة لتخفيف التوترات مع واشنطن: "لا ينبغي النظر إلى العالم من خلال التفكير الثنائي، ولا ينبغي أن تؤدي اختلافات الأنظمة إلى لعبة بمحصلة صفر". بالإضافة إلى أن "الصين لن تكون ولا تستطيع أن تكون ولايات متحدة أخرى".

ويضيف أن التنافس بين البلدين لا يمكن إنكاره، وهو يلقي بظلاله على بقية دول آسيا. ففي مقال أخير، استشهد رئيس الوزراء السنغافوري لي هيسيان لونغ بحوار مشهور عام 1988 بين الزعيم الصيني دنغ جياو بينغ ورئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي، حيث قيل أن بينغ أخبر غاندي: "في السنوات الأخيرة، كان الناس يقولون إن القرن القادم سيكون قرن آسيا والمحيط الهادئ، كما لو كان الأمر كأنه تحصيل حاصل وأنا أختلف مع هذا الرأي".

ويردف إيشان أن المسؤول السنغافوري لي اتفق مع دينغ على أنه "لا يوجد شيء محتوم ولا مكتوب" حول "القرن الآسيوي"، محذرا في 2020 من مخاطر تجاوز الصينيين. وقد تكون فكرة الوحدة الأسيوية التي أشار إليها دينغ قبل عقود قليلة محكوماً بفشلها.

وكتب المعلق الهندي سي. رجا موهان: "إنها مفارقة متناقضة مؤسفة. فربما أدى الارتفاع الهائل للصين إلى خلق الظروف نفسها لانهيار القرن الآسيوي".  و"أن الصين أصبحت أقوى بكثير من جميع جيرانها الآسيويين بحيث باتت تشعر أنها ليست بحاجة لاستحضار الوحدة الآسيوية. بينما تسعى إلى تجاوز الولايات المتحدة والظهور كأكبر شرطي للعالم، فليس من المستغرب أن يتحول خيال بكين إلى بناء قرن صيني".

التعليقات (0)